اتفاق بين التعليم العالي و"روس آتوم" لتدريب وتأهيل المتخصصين في الطاقة النووية    وزير المالية: إعادة هندسة الشرائح الضريبية للمرتبات لتحقيق العدالة الاجتماعية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 17 يونيو 2024    بعد عام على افتتاحها.. محطة تحيا مصر تنجح في التعاقد مع 6 خطوط ملاحية    الهند: ارتفاع حصيلة ضحايا حادث تصادم قطارين إلى 75 قتيلا ومصابا    نتنياهو يحل حكومة الحرب الإسرائيلية    جندي إسرائيلي يطلق النار على نفسه بعد العودة من الحرب في غزة    طقس العيد بالشرقية.. شديد الحرارة على أغلب القرى والمراكز    صرخة داخل العقار تنقذ طفلة من تحرش حلاق الوراق    توافد آلاف الزوار على حدائق كفر الشيخ ومصيف بلطيم خلال ثاني أيام عيد الأضحى    ثاني أيام عيد الأضحى.. إقبال على شواطئ جنوب سيناء والسائحون يستمتعون بالرحلات البحرية والسفاري    استقبال 3079 حالة بمستشفيات جامعة القاهرة خلال إجازة عيد الأضحى    الري: إقبال كبير على حدائق القناطر الخيرية والمركز الثقافي الإفريقي بأسوان خلال أيام عيد الأضحى    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة قلقيلية ومخيم عقبة جبر بالضفة    الزمالك أمام المصري ويورو 2024.. مواعيد مباريات اليوم الإثنين    يتحدى الغيابات.. الزمالك يسعى لمواصلة التألق في الدوري أمام المصري    مصرع وإصابة 4 في حادث أسفل محور عدلي منصور ببني سويف    7 معلومات عن الطيار حسن عدس المتوفى بعد الهبوط في جدة.. «مكملش 40 سنة وغير متزوج»    مع بداية موسم عيد الأضحى.. سحب 3 أفلام من دور العرض السينمائي    إيرادات قياسية لفيلم Inside Out 2.. اقترب من 300 مليون دولار    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    دعاء طواف الوداع: «اللهم إن كنت رضيت عنِّي فازدد عنِّي رضا»    عودة رامي ربيعة لتشكيل الأهلي الأساسي أمام الاتحاد    ملفوف في سجادة.. تفاصيل العثور على جثة شاب مقتولًا في البدرشين    أسعار البيض اليوم 17 يونية    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    اليوم.. قصور الثقافة تستعيد ذكريات الثمانينيات والتسعينيات في حفلات مجانية بالسامر والقناطر    إعلام فلسطينى: قصف إسرائيلى يستهدف المناطق الجنوبية لمدينة غزة    محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    حسم موقف سيرجو روبيرتو من الرحيل عن برشلونة    ما حكم ذبح الأضحية ليلًا في أيام التشريق؟    «المحلاوي» عن يوم «القر».. من أعظم أيام الله ويستجاب فيه الدعاء (تفاصيل)    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على وسط غزة    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    الجونة يستضيف البنك الأهلي لمداواة جراحه بالدوري    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 17 - 6 - 2024 والقنوات الناقلة    فرنسا ومبابي في اختبار صعب أمام النمسا في مستهل مشوار يورو 2024    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    لماذا خالفت هذه الدول توقيت احتفال أول أيام عيد الأضحى 2024؟    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. ثاني أيام عيد الأضحى 2024    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    تقرير: الدول النووية أبقت على الكثير من الرؤوس الحربية النووية جاهزة للعمل    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    أسباب رفض «زيلينسكي» مقترح السلام الروسي الأخير    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    «أتوبيس الفرحة».. أمانة شبرا بمستقبل وطن توزع 3000 هدية بمناسبة عيد الأضحى| صور    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالرحمن الأبنودى: مصر «محاصرة».. وتحتاج لقائد قوى وليس «رومانسياً».. وليس أمامنا إلا «السيسى»
العالم لن يمكّن «السيسى» من أن يكون جمال عبدالناصر جديداً.. وكل زمن يصنع رجاله
نشر في الوطن يوم 09 - 03 - 2014

تزاحمت الأفكار فى ذهنى، وأنا أتجه بالسيارة إلى إحدى قرى «الإسماعيلية»، للقاء الخال عبدالرحمن الأبنودى، لم يكن رفيقى فى الرحلة سوى الإذاعة، أقلب محطاتها، وحين وصلت إلى بيت الشاعر الكبير، وجدته مفترشاً الأرض وسط الأشجار والخضرة، متجرداً من متع الدنيا، مبتعداً بجسده العليل عن صخب المدينة وضجيجها، ولكن عقله وقلبه ما زالا يتابعان كل شىء يدور فى حياتنا السياسية والثقافية والفنية والإعلامية.
وخلال جلسة هذا الحوار الشامل ل«الوطن»، اكتشفت أن الأبنودى ليس شاعراً فذاً فقط، بل كان فيلسوفاً يمتلك عشرات الرؤى، التى تحتاج إلى مئات الجلسات وملايين الكلمات.
وبلغة بسيطة كحياته، وواضحة كشخصيته، ومباشرة كأشعاره، تحدث «خال الشعراء» فى قضايا السياسة والاقتصاد والفن والأدب.
الأبنودى الذى أعلن تمسكه بتأييد انتخاب السيسى رئيساً للبلاد، لأن مصر تحتاج لقائد قوى، مؤكداً أيضاً أن مصر محاصرة من الداخل والخارج.
وقال: حمدين صباحى ليس صديقى فقط، بل صديق جيلى كله كباراً وصغاراً، وانتخبناه فى المرة السابقة، لكن ليس لنا الآن إلا أن نلتف حول السيسى ونصدقه..
■ لماذا أعلنت تأييدك لترشح المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا لمصر؟
- أنا مؤيد للمشير السيسى منذ أول لحظة، وثقتنا فيه كبيرة، لكن الشىء الذى لاحظته حين أعلن ترشحه عكس عندى إحساساً سلبياً، وذلك بسبب الهيئة التى خرج بها إلينا، إذ لم يبتسم، وهو رجل بسام، ولديه من الهموم ما لم يفصح عنه، وهذا يعنى أنه يدرك اللحظة التى نحن فيها، فنحن فى لحظة حصار، نحن محاصرون من كل جانب، ومن الداخل بصورة أكبر، وأعتقد أنه حتى ثورة 30 يونيو تسرق الآن، علناً، أمامنا وبكل فجور، دون مداراة أو خجل، وأعتقد أن الرجل كان يرى وهو يعلن ترشحه أننا محاصرون من الجنوب بإثيوبيا، وبالسودان المتذبذب، وهو سلوك غريب على السودان الذى كان فى حالة ضمانة دائمة، بأنه الأخ الشقيق، وبأننا البلد الواحد الذى لا ينفصل، ولكن يبدو أن المساومات العالمية، والدور تلعبه أمريكا وأوروبا فى هذه البلاد أثر كثيراً على موقف السودان من مصر، أما من الشرق، فنحن نرى ما يحدث من ليبيا، وتقريبا نحن فى حالة حرب غير معلنة مع ليبيا، وهذا شىء لم يكن تاريخنا يتوقعه، لأننا عشنا دائماً على أساس أن هؤلاء الأشقاء حماة لنا وليس ضدنا، وهناك الشرق بكل «بلاويه» التى لا تحتاج منا إلى تفصيل، وهناك أيضاً الشمال حيث البحر الأبيض المتوسط المؤدى إلى أوروبا، وحيث نتوقع كل الشرور، وكل ذلك فقط لأن مصر تقاوم، وترفض أن تكون لقمة سائغة للأطماع العالمية والإقليمية.
نحن فى حالة حصار، نحن محاصرون، وهو ما ظهر على وجه «السيسى»، وهنا يحضرنى بيت شعر لمحمود درويش يقول فيه: «حاصر حصارك»، لأننا إذا لم نحاصر حصارنا المحكم من حولنا، سنصبح لقمة سائغة، وقد نبه الرجل لهذا كثيراً فى الحقيقة، قائلاً إنه إذا سقطنا، لا قيامة لنا، ولذلك فإنه منذ أن ظهر «السيسى» فى حياتنا لم يحدث أن ترك فى صدورنا هذا الانطباع الموتر، كما حدث يوم لمح إلى ترشحه، وفى الوقت نفسه، وعلى الرغم من أنه أعلن ترشحه للرئاسة، فإنه كان حريصاً ألا يستغل موقفه لعمل دعاية لنفسه، فسار كأنه يمشى على الحبال، ويقول: «أياً كان من اخترتموه»، وذلك حتى يبعد المسألة عن أن تصبح دعاية فجة له، لأن المتربصين يملأون الأماكن فى داخلنا، كما ابتذلت كلمة الثورة ابتذالاً لم نعرفه من قبل، كل فريق الآن يدعى أنه الثورة، وأنه الثورى، وأنه الذى يحمل مفتاح المستقبل، وشعبنا فى حالة مزرية جداً، والأحوال المعيشية شديدة القسوة على الناس، و«النخبة» لا تبصر، بل تشمت فقط، وتحرض على الإضرابات، وهذا يسعدها كثيراً، تماماً مثل «الإخوان»، فالقوى الرجعية والمتطرفة وأصحاب المصالح صاروا جميعاً فى صف، ونحن فى صف آخر.
ليست لنا من أسلحة إلا إيماننا بهذا الشعب من ناحية، وتصديقنا لهذا الرجل من ناحية أخرى، الكل يعلم أن حمدين صباحى ليس صديقى فقط، بل صديق الجيل كله، الكبار والصغار، وقد انتخبناه فى الانتخابات السابقة وكنا فخورين به، وكنا نتمنى أن ينجح فى وسط هذه «الدورميغة» التى كانت، هرباً مما حدث بعد ذلك، هرباً من مجىء «الإخوان»، وهرباً من المصير الذى أنقذنا منه المشير «السيسى»، إذ لم نكن نتخيل على الإطلاق أننا قادرون على أن ننتزع مصر مرة أخرى من هؤلاء الهمج، المتوحشين، الذين «أخونوا» البلد فى عام، وصبغوا الحياة بصبغتهم الجاهلة، النهمة، الشرهة، العميلة، البائعة.. إلى آخره.
طبعاً «يعز» علينا أن يكون حمدين صباحى فى الساحة ولا نعطيه أصواتنا، ولكن القضية لم تعد صديقى وصديقك، وأن أقف إلى جوارك، وأن تقف إلى جوارى، لكن القضية أن مصر فى لحظة أخطر من اللحظة التى أدت بنا إلى النزول فى الشارع فى 30 يونيو، فنحن فى حصار محكم ولا بد من قائد قوى وليس رومانسياً، فلم يعد ثمة مجاملة فى رأينا الآن، لأن كل حركة من الممكن أن تؤدى إلى خطأ أكبر، وخاصة فى وسط هذه الحالة من التمزق الشديد جداً بين النخبة، وبين أصحاب المصالح، وبين المضحوك عليهم، وبين الحقيقيين، وبين من يدور ويلف بين كل هذه الفئات.. إلى آخر كل هؤلاء، وكأننا لا ندرك ما يحيق بمصر، وما ينتظرنا، وهذا ما رأيته على وجه «السيسى»، فأدركت أن هذا التجهم هو محصلة وعى كبير بما يدور حولنا.
■ يقارن الكثيرون بين «السيسى»، و«عبدالناصر» كيف ترى هذه المقارنة؟
- ذلك زمن، وهذا زمن آخر، الزمن صنع جمال عبدالناصر، وهذا الزمن يصنع رجاله، ومن ضمنهم المشير «السيسى»، فهو ابن فترته، ثم إن «السيسى» فى كل الأحوال لن يمكنه العالم من أن يكون جمال عبدالناصر، ولن نمكنه -نحن- من أن يكون جمال عبدالناصر، فقد أصبحنا قليلى الإيمان بالقيادة وبالصداقة وبالجبهة وبالدفاع عن الوطن.
لقد أصبحنا الآن نحب الكلام، كلنا جميعاً بلا استثناء غارقون فى بحور الكلام، حتى الضيوف الذين يظهرون على شاشات الفضائيات جميعهم يقول إنه يجب أن نفعل كذا وكذا، وكذا، وما إن ينتهى البرنامج، ويذهب الضيف إلى بيته حتى ينتهى الأمر ولا يتحقق شىء من هذا، رغم أن كثيراً من الأفكار لامعة وجميلة، ولكنه بسبب عدم وجود إطار يجمع هذه الأشياء ويضعها فى لبنة، أو بناء متخيل أصلاً، مثل مشروع قومى كبير، حتى يصبح للكلام فائدة، أما ونحن «فرط»، فنحن فى وضع مخيف، وقد قلت من قبل إن مأساة مصر أن فيها 90 مليون زعيم، والنخبة بعيدة عن الناس بشكل لا يتخيل، وقد كنت متفائلاً بثورة 30 يونيو، كما كنت متفائلاً بثورة 25 يناير، حيث كنت أول من كتب قصائدها قبل أن يتخلى «مبارك» عن منصبه، ونددت بدولة العواجيز، ولكن نحن نختار منذ ذلك بين عواجيز وعواجيز، تختفى وجوه عواجيز، وتأتى وجوه عواجيز، حتى الشباب أحس فيهم أنهم أصبحوا عواجيز، ربما أنا على خطأ، حتى فى شعرى بعض الشعراء، يقولون إننى أكتب شعراً مباشراً عن الوطن، وأنا أشرف بذلك، لأنى «لو طلت أصرخ وأمزق هدومى»، لكى ينتبه الناس إلى الأخطار المحدقة بنا لفعلت، فأنا الذى أقبع فى هذا المكان بعيداً عن منتصف المدينة لدى بالتأكيد رؤيتى الخاصة، ولكنى أعتقد أن داء الحركة الثقافية والثورية، وداء النخبة هو المرض بمنتصف المدينة، فهؤلاء آخرهم هو ميدان التحرير وباب اللوق ومقاهيهما، وهم يملأون الدنيا كلاماً وغضباً وثورة، ثم يذهبون إلى بيوتهم فى آخر النهار، والداء الأكبر هو أنهم يبثون أفكار الهزيمة والعداء للشباب الصغير، الذى اعتاد على تصفح الإنترنت كل صباح، حيث يجدون أفكار وكلمات هؤلاء، تلك الكلمات التى تبتعد بهم كثيراً عن شاطئ الوطن.
■ هل ينتابك شعور بالقلق لعودتنا إلى ما قبل 25 يناير من ناحية الدولة الأمنية والنظام القمعى؟
- أعتقد أنه بمجرد تبوء «السيسى» لمكانه رئيساً للجمهورية، سأعود لمكانى فى المعارضة، أنا مع «السيسى» الآن، لأن الوطن يحتاجه، وهذه جملة لا يزايد عليها أحد، ولا يستطيع أن ينكرها أحد أصلاً، ونحن أعلم الناس بأنفسنا كما نعلم، نحن كثيرو الكلام ولا نفعل شيئاً، وقد قلت من قبل إنه من الممكن أن ننتخب حمدين بعد مدة، أو مدتين للمشير السيسى، حيث تكون الأمور قد استقرت، وخيضت معارك لا يستطيع «حمدين» أن يخوضها، لأن قضاياه ثقافية، وإذا كانت رؤيته «ناصرية» فإن أبناء عبدالناصر أنفسهم كانوا أكثر تقدماً باختيارهم للسيسى، فهل كانت هذه انتهازية منهم، أو أن «الكاكى» على جسمهم «حن»؟ طبعاً لا، فعبدالحكيم عبدالناصر يرى جيداً، وهدى عبدالناصر تعرف جيداً ماذا تختار، وماذا تقول، وأنا أعلم أن أبناء «ناصر» شتموا فى تجمعات تيار «حمدين»، وهذا أمر محزن، لكنه نتيجة التطرف والعمى السياسى، وهنا لا أتكلم عن «حمدين»، بل عن شباب «الفيس بوك»، هؤلاء الذين يدعون أنهم صنعوا ثورة 25 يناير، كيف أرى الوطن بهذه الصورة، وكل ما يهمنى فيه هو نفسى، أو أن أنفذ مخططات لا يعلم بها سوى الله تعالى، وأشعر الآن بأن كثيراً من القوى التى تدعى الثورية هى اليوم أكثر رجعية من «الإخوان»، وتنفذ كل مآربهم، وأحلامهم، وأهدافهم، بقصد أو دون قصد.
■ لماذا أيدت الخروج على الرئيس المنتخب محمد مرسى بعد عام واحد من حكمه.. ألا تخشى تكرار هذا السيناريو مستقبلاً؟
- الصدف والأقدار هى التى جاءت بهذا الرجل، ولكن بمجرد إصداره للإعلان الدستورى الذى خان به الأمة سقط فى داخلى، لا صلة له بالشارع، ولا القانون، ولا الدستور، ولا الدولة، كما أن «مرسى» من الأصل دخل الحكم على باطل، وكلنا يعلم أن الانتخابات «عبث بها»، وكان من الممكن أن نغفر، لأن المرشح الآخر، أحمد شفيق، كان من النظام الذى ثرنا عليه، وكان من الممكن أن نقبله، لولا أن «الإخوان» لم يصبرهم الله جمعتين فقط، فبدأوا من أول لحظة، مثل المحروم الذى يرى «اللحمة» لأول مرة، ولننظر إلى هذا الشره فى الطعام والشراب، والغرور الذى كانوا يخرجون به فى التليفزيون بأقدامهم التى تدوس على رقاب الناس والمثقفين، ولا يمكن أن تعيش مع مصر مغروراً، لا تقبلك مصر مغروراً على الإطلاق، والغرور سمة من سمات «الإخوان»، لأنهم يعتقدون أنهم أبناء الله، وأنهم فى الجنة، وإحنا كلنا زبالة، ووقود النار، ولذلك كنت من المتحمسين جداً لحركة «تمرد» وما زلت أدين لها بالفضل، رغم انقسامهم وإصابتهم بالأمراض نفسها، وما زالت مصر مدينة لهم بالفضل، لأنهم نزلوا إلى الشارع، فلأول مرة ينزل المثقفون إلى الشارع، والقرى، والمدن بشكل حقيقى، وقد رأينا جميعاً هؤلاء الشباب الذين كانوا يوقفون السيارات ليوزعوا عليهم استمارات «تمرد»، حتى إن لى أقارب وأهلاً فى البلد كانوا يوزعون عليهم أيضاً هذه الاستمارات، وهكذا التحمت النخبة لأول مرة فى التاريخ مع الجماهير، فمنذ أيام ثورة 1919 لم نر ما حدث قبل 30 يونيو، منذ أيام عبدالله النديم، والدور الذى لعبه فى وسط الناس، وأعتقد أنه كان لا بد من استمرار هذا، فما دام الشباب عرفوا سكة الناس كان عليهم أن يستمروا وسط الناس، ولا يقطعون صلتهم بهم، على الشباب أن يكونوا مع البشر «تحت»، لأن «اللى فوق» مهمته أن يغمى عينيك، اقعد مثلا مع واحد بسيط من أهالينا، وقل له إيه الحكاية يا عم الحاج، فيقولك: الحكاية.. .ويبدأ فى الحكى، وإذا بدأ، قرأ لك العالم كله، لا مصر فقط، عيبنا هو الغرور الذى أعمانا، فلم نعد نستمع لهؤلاء الناس البسطاء، فجيرانى هنا مجموعة من الفلاحين البسطاء، ونعقد منذ سنوات ندوات دائمة، زمان كنت أنا الذى أتحدث وهم لا يتكلمون، بسبب القميص والبنطلون اللذين أرتديهما، أما الآن فهم الذين يتكلمون وأنا أستمع وأنصت، وذلك لأن الثورة لمستهم بالفعل، والناس كلها أصبحت مخلوقات مهتمة بالسياسة، رغم أن عمرهم ما كانوا كذلك، إلا فى لحظات نادرة، أيام سعد زغلول وأحمد عرابى وعبدالناصر، ومن هنا أتفهم قول المشير «السيسى» الذى قال إنه إذا لم نتكاتف، وإذا اعتقدتم أن الرئيس يستطيع أن يصنع بمفرده المعجزات، فتأكدوا أن ما هى إلا فترة ويثور الناس فى الشوارع مطالبين بإسقاط الرئيس من جديد.
فالجماهير أمام لقمة عيش وحياة أولادها ليس لديها عزيز، فإذا لم نتكاتف جميعاً مع القيادة التى سوف تكون بينكم، فإن مصر ستسقط، ولو سقطت هذه المرة فلن تقوم مرة أخرى.
■ هناك جزء من الشعب خارج المشهد، ممن يسمون أنفسهم «مؤيدى الشرعية»، يأخذون «ركناً» بعيداً؟
- براحتهم.. ولا يجب أن ننظر إليهم من ضمن القوى التى سوف تشكل المستقبل، حتى فى أيام «عبدالناصر» حين حبسوا، ودخلوا إلى المعتقلات، واعتقلت وظللت معهم لمدة 6 شهور، كانوا مكسورين ومهزومين، ولكن بمجرد أن خرجوا بدأوا التسلل للتنظيم مرة أخرى، هذا داء وعلينا أن نتعامل معهم كأعداء إلى أن يثبتوا بالدليل القاطع أنهم صاروا بشراً مرة أخرى، فأنا ضد هؤلاء بهذه التكوينة، ضد الشباب الذى يحرق المؤسسات والمنشآت والجامعات، ضد هؤلاء الفتيات، بنات مصر اللائى تحولن لوحوش ضارية، سافلة، فنحن مع مصر، وكل من يقف ضد مصر نحن ضده، مع مصر العلمية، مصر التصنيع، مصر الزراعة، مصر الحرية، مصر الديمقراطية، مصر الساعية نحو الشمس، مصر المؤمنة بالغد، وتسعى إليه، وتعمل من أجله، نحن جنود متواضعون وخدم لهذا الهدف، أما هؤلاء الذين يريدون العودة بالوطن إلى غياهب القرون الوسطى فنحن ضدهم لا شك ومهما كلفنا الأمر.
■ هل أنت مع الذين يرون أن هناك مؤامرة على مصر داخلياً وخارجياً؟
- نعم.. هناك مؤامرة داخلية، ومؤامرة خارجية، ومؤامرة مشتركة، وهذا هو الحصار الذى أعنيه، مصر مستهدفة لأنها الدولة الوحيدة الباقية، والواقفة على قدميها حتى الآن، ولننظر إلى ما حدث لسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، لم يبق إلا مصر، وهذا سر وقوف دول الخليج معنا، لأنهم يعلمون أن سقوط مصر يعنى سقوط المنطقة بأكملها، والاستعمار لا عزيز له، ورأس المال بلا قلب.
■ بمناسبة «الجزيرة» والفضائيات هل تشاهد برنامج «البرنامج» الذى يقدمه باسم يوسف؟
- نعم أراه وأضحك، فهذا لون من السخرية الحادة، ونحن شعب ساخر بطبعه، ونسخر حتى من أنفسنا، لكن «باسم» يفض غلالة التابوه والستائر التى ندارى بها عوراتنا، صحيح أننا غضبنا عندما «لمس» المشير السيسى، والرئيس المحترم عدلى منصور، وقلنا إن هناك حدودا للسخرية، خاصة أن «السيسى» لا يحكم والرئيس فى مرحلة انتقالية مؤقتة، ولكن الصحيح أيضاً أن إيقاف البرنامج كان خطأ، والسؤال: هل نريد ديمقراطية أم لا؟ كان يجب أن ننبه لا أن نوقف البرنامج الذى يكشف عورات موجودة فى الواقع السياسى والاجتماعى، فحين تندر -مثلاً- على جهاز علاج فيروسى سى والإيدز، كان واحداً ممن تندروا لأن المسألة عرضت بشكل خاطئ، ثم إنه يتندر على كل من يغيرون مواقفهم أيضاً، حيث ينبع الضحك من هذا «التضاد» بين ما نقوله اليوم وما نقوله غداً، هو لا يفعل أكثر من أن يضع هذه التناقضات أمام بعضها البعض، بأسلوبه الساخر ولا شك، فننفجر من الضحك، وأرى أنه حالة جميلة، صحيح أنه يمكن أن يكون معاديا للجيش، ويميل لهؤلاء الذين يميلون ناحية الغرب، لكن رأيى أن يظل مستمراً فى برنامجه، لأن منعه وإغلاقه يسىء لنا، وعلى المتضرر تغيير القناة.
■ ما رأيك فى المسار الذى اتخذته ثورة يونيو وخصوصاً بعد القبض على عدد من شباب الثورة؟
- أسوأ ما حدث بعد 30 يونيو هو القبض على الشباب الثورى، مهما كانت سوءاتهم، لأننى أرى أنك تقبض على مجموعة من الثوار المتظاهرين فى شارع طلعت حرب، بحجة أنهم لم يحصلوا على ترخيص مسبق وموافقة من «الداخلية» على التظاهر، ولكن لماذا سمحت لنا بالتظاهر دون تصريح فى ميدان التحرير، إذن فأنت تستهدف هؤلاء الشباب، وقبل مسألة أحمد دومة وأحمد ماهر وشباب 6 أبريل، رأينا أن الكثيرين من شباب «الإخوان» أطلقتهم المحاكم وأفرجت عنهم، فلماذا هؤلاء؟ أعتقد أن المسألة مريبة، وأنه فى هذه الظروف لن يستطيع أحد أن يمنعنا من قول إن هذا سلوك مريب، هذا إلى جانب تلك الأنباء التى تتواتر عن التعذيب فى أقسام البوليس، والذى يشاع أنه يتم بطريقة قاسية جداً، وكأننا لم نقم بثورتين فى 25 يناير و30 يونيو، ولذلك حين يتحدث ذلك الشباب النافر والخارج عن الصف، والذى كون صفه الخاص ليتحدث ويدين الأساليب البوليسية والحلول الأمنية، لا نستطيع إلا أن نقول له «آمين» فنحن معك فى هذا. ورغم أننى من مؤيدى «السيسى» ومن الذين يتمنون أن يقود هذه الأمة، ولكن لا يصح أن نكيل بمكيالين، وخاصة أن المكيال الأول خاص بالشباب الثورى. وأذكر هنا أن شقيقة أحد الشعراء فى الإسكندرية اتصلت بى وقالت إن الشرطة قبضت على شقيقها الطالب من الشارع، وهو ليس من «الإخوان»، كما قبضت على أحد أصدقائه حين سأل عنه، أى أنها بدلاً من أن تذهب لتقبض على الشباب والطلاب الذين يمارسون العنف فى الجامعات، ذهبت لتلتقط من الشارع، ليثبت هذا الضابط أو ذاك أنه نشيط، وأنا أرى أنه يجب أن ينظر إلى هذه المؤامرة، وأن يطلق سراح هؤلاء الشباب بقانون أو بغير قانون، لأن للثورة قوانينها، وإلا ستكون هذه نقطة سوداء فى ثورة 30 يونيو، صحيح أنهم ضد هذه الثورة، لأنهم قاموا بثورة 25 يناير، ومن حقهم أن يعترضوا على 30 يونيو، بمثل ما أنه من حقنا أن نؤيد 30 يونيو، دون أن تصل المسألة إلى القبض عليهم والزج بهم فى السجون.
■ هل صحيح أن 30 يونيو ثورة على 25 يناير؟
- لا، أرى أنها ثورة تصحيحية ل25 يناير، بعد أن لقفها أو التقطها أو سرقها «الإخوان»، فلو كانت 6 أبريل مثلاً، بكل الاتهامات الموجهة لها، هى التى وصلت إلى الحكم، كنا سنناضل بشكل عادى ضدها، بصفتها فصيلاً وطنياً وصل إلى الحكم، ولكن أن يأتى «الإخوان» ولا نغضب جميعاً لهذا الوطن الذى يرتد قروناً فى الماضى المظلم، فهذا ما نختلف فيه مع من يدعون ملكية 25 يناير، فأنا الرجل العجوز من أبناء 25 يناير وأبناء 30 يونيو، كما كنت من أبناء ثورة يوليو من قبل.
■ متى تنتهى فى تصورك حالة العنف التى تكاد تصل إلى مرحلة الإرهاب فى الشارع المصرى؟
- فى المراحل الانتقالية يصبح الانفلات هو السمة الرئيسية للمرحلة، بسبب عدم وجود رئيس، ولا برلمان، ولأن الشرطة منغمسة فى محاربة الإرهاب، وهى ليست قوية بالشكل الذى تحكم فيه الداخل والخارج، والبلد منقسم، نخبه فى ناحية، وكل مجموعة فى ناحية، و«البلد مالهاش صاحب»، وهذا كله يسهل ما يحدث، ولذلك يجب أن نتضافر ونتكاتف جميعاً لإنقاذ بلدنا، حتى يتم انتخاب رئيس جديد، حازم، وقوى، ونأتى بمجلس نواب نقى إلى حد كبير، لا يأتى فيه نفس الأعضاء المزمنين للحزب الوطنى القديم، ولابد من وضع حدود فاصلة حتى نضمن ألا يصل أحد من كل القوى التى وقفت ضد الشعب إلى البرلمان، وخاصة أن هناك قوى متربصة بمجلس النواب من الآن، تدبر وتخطط لكى تستولى عليه، وأقصد بهم «السلفيين»، الذين تركوا كل شىء وتفرغوا لإقامة الأمسيات والندوات والمحاضرات من أجل مجلس النواب المقبل، فمصر متربص بها من كل جانب، الجميع لا يرى مصر، بل يرى نفسه، ويرى مصالحه، وينوى أن يقتنص أكثر ما يستطيع أن يقتنصه من هذه «الغلبانة» المريضة الملقى بها على قارعة الطريق.
■ ما الرسالة التى يمكن أن توجهها ل«الإخوان»؟
- لا أريد أن أوجه لهم أى رسالة، وليس بينى وبينهم أى كلام.
■ هل أنت متفائل بالمستقبل؟
- جداً، صحيح أننا سوف نمر بفترة شديدة القسوة والمعاناة، ولكنى أؤمن دائماً بالغد، حتى فى عز ظلام النكسة قلت: أبداً.. بلدنا للنهار، أغنية عبدالحليم «عدى النهار»، وفى عز النكسة الناس ماصدقت وجدت أغنية تتشبث بها، لتعدهم بأن هناك «نهار قادم»، وما يحدث الآن أهون مما حدث فى 67، ورغم كل المنغصات من الأعداء والأصدقاء فإن الغد آت، وسوف نكون على قلب رجل واحد إن شاء الله، وكل هذه الحواشى سوف يقصها الزمن، وسوف تزدهر شجرة مصر العظيمة اليانعة.
■ هل ترى أن المثقفين لعبوا دورهم فى تشكيل وعى الناس؟
- هناك عيب جوهرى فى المثقفين، وهو أنهم يخاطبون بعضهم بعضاً، يخاطبون أنفسهم، حتى اللغة «صعبوها»، وكلما سهلت وسلست بحثوا عن ألفاظ أخرى أكثر تعقيداً وبعداً عن البشر.
وتجربة «ميدان التحرير» كانت تجربة ساحرة بالنسبة لى، حيث أخرجت لنا شعراء رائعين، أذكر منهم مصطفى إبراهيم الذى كتب أغنية «فلان الفلانى» عن ذلك الشهيد الذى كان ملاصقاً له فى الميدان، كما ظهرت الكثير من الفرق الغنائية، فالميدان كان يكتشف نفسه، ومصر كانت تكتشف نفسها من خلال الميدان، ولكن ما يحدث الآن أجهض الكثير من نورانية تجربة التحرير، وأشعر أن هناك مجموعة كبيرة من المثقفين الرائعين الشرفاء يحققون ما يستطيعون، ولكن كما قلت لك نحن فى عالم بعيد عن البشر «اللى تحت»، وربما أنا من القلائل الذين كسروا القشرة التى تحجبنا عن الناس، وذلك لأنى واحد منهم، وكانت انتماءاتى دائماً لهؤلاء الفقراء البسطاء، فأنا لا أسعى لتثقيف أحد، ولا أدلى بمعلومات، وإنما أبوح بما هو فى ضميرى، وبما هو فى أعماق وعيى، وبلغة بسيطة، ولهذا إذا سألت أى واحد من الحفاة العراة فى أى مكان فى مصر: تعرف مين من المثقفين؟ سيقول لك: الرجل بتاعنا الأبنودى، هذا ليس لأنى بسيط، ولا مبتذل، ولا مباشر.. بل بالعكس، فأنا شعرى كما يقرأه قمة المثقفين، يقرأه أيضاً البسطاء، وحين يكون لك رؤية متطابق معها، وترى الدنيا بصورة حقيقية تستطيع أن تعبر عنها ببساطة لكل الناس، ولكن حين تكون أنت نفسك «متلخبط» وفى حيرة من أمرك، ماذا ستقول للناس، هل تقول: أنا محتار؟ هذا هو الشعر الذى يطالبوننا بأن نقوله، أن تعبر عن ذاتك و«لخبطتك»، ولكن أنا «مش متلخبط»، بل واضح جداً، ولا يوجد شىء حولى «يلخبطنى»، الشجر أمامى، وأعرف موعد رشه وزرعه وطرحه، بشكل واضح، لذا ليس لدى الحيرة ولا اللخبطة العالمية التى لدى الأدباء الكبار، لذا أنا راضٍ بموقعى مع الناس الغلابة «اللى تحت».
■ ما رأيك فى اختيار محمد صابر عرب وزيراً للثقافة للمرة الرابعة؟
- أولاً علينا أن نعرف أننا فى فترة انتقالية، ومجىء وزير ثقافة استراتيجى الآن لا مبرر له، وكل ما نريده وزير لتسيير الأعمال حتى نسترد الدولة المصرية.
ثم إن عندنا عيباً رهيباً وهو أننا لو عينا وزيراً للثقافة من خارج وزارة الثقافة لن يستطيع أن يدخل من الباب، بل يجب أن يكون الوزير من داخلها، يعرف «دخانيقها» ودكاكينها ومؤسساتها وهيئاتها وموظفيها، وإلا فإنه سيدمرها، مهما كانت ثقافته ومهما كان وضعه فى حياتنا الثقافية والسياسية والعلمية، الحكاية ليست أن تكون مثقفاً أم لا، ولكن أن تعرف كيف تدير، وإلا سيضيع المجهود الذى يبذله المهندس إبراهيم محلب، فالرجل جاء لرئاسة الوزارة وهو لا يعرفنا، وقد حيرناه بالفعل، لدرجة أنه قال لى «هو مفيش حب ليه فى الدنيا»، فقلت: بسبب عدم وجود ظروف إنسانية، فالظروف هى التى تصنع الإنسان، ومن أجل ذلك علينا أن نصنع ظروفاً ملائمة ومناسبة للإنسان، والناس «مش لاقية» و«بتخطف من بعض» فكيف نريد منهم أن يكونوا أنبياء وسط هذه الظروف.
أما عن قضية اختيار وزير الثقافة فلى معها قصة، حيث اعترضت على اختيار د. أسامة الغزالى حرب، وهذا كان من أجله، سواء كان يعلم ذلك أم لا، ولكن البعض اعتقد أننى أفعل ذلك من أجل د. أحمد مجاهد، رئيس هيئة الكتاب، حيث اختلطت الأمور، وخاصة بعد أن أرسل البعض «تليغرافات» لرئيس الوزراء يطالبون فيها باختيار «مجاهد» وزيراً للثقافة، وهناك من ادعى أننا اتفقنا على «مجاهد»، وكل هذا لا صلة لى به، أنا لست مع أحد، وأنا فى هذا المكان البعيد أرقب وأنظر، لا مصلحة لى، فكل كتبى مطبوعة خارج وزارة الثقافة، وأنا مطلوب عند كل الناشرين، وليس لى مطالب، وحتى حين أعطى أحد دواوينى للهيئة أفعل ذلك لأنه «واجب علىّ»، حتى زمان أيام جمال عبدالناصر، كنت أكتب لعبدالحليم فى شركة «صوت الفن»، كما كنت أكتب لشادية وفايزة أحمد فى شركة «صوت القاهرة»، وطبعاً كنت أجنى مع الأولى أكثر بكثير من الثانية، ولكنه كان مبدأى من يومها وحتى الآن، لهذا فإن رأيى فى هذا الموضوع نظيف ونزيه، فأنا لا أصلح أن أدخل وزارة الثقافة، ولا يصلح محمد صبحى أيضاً، الذى سعدت باعتذاره، لأنه رجل من خارجها، وابن نشاطه السياسى والاجتماعى الذى يقوده الآن، ولا يصح أن يعرض علىّ عمل، وأقبله، وأنا أعرف مسبقاً أننى سوف أفشل فيه.
■ هل أنت مطمئن على مستقبل شعر العامية المصرية؟
- لا شك، فما زالت قصيدة العامية هى الباقية، وما زال قنديلها لم ينضب بعد، وما زالت هى التى تشيع فكرة الشعر أصلاً فى الواقع المصرى، فبعد رحيل شعراء كبار مثل محمود درويش ونزار قبانى، احتل شعر العامية المكان، وخاصة أن الاحتدامات السياسية والصراعات تتطلب شاعراً صلته بالناس قوية ويتنظرون كلامه، وحتى لو همد قليلاً الشعر فهو يهمد لنظريات فى أذهان الشعراء وليس لأن المناخ لا ينتج شعراً، فشعر العامية المصرية، وحتى شعر الفصحى الآن، هناك أجزاء كبيرة منه فى حراكها وتخبطها، يعنى مثلاً الشعر الفصيح ما بين قصيدة النثر وما بين الفصحى، يفتح فى رفاهية لا تملكها بلادنا، وأريد أن أقول إن الشعر الذى يبقى هو الذى يعكس اللحظة، ويعبر عنها بأمانة وصدق، وكثير من شعراء الفصحى كتبوا فى زمن بيرم التونسى، وظلت أشعار «بيرم» باقية، وكثير من الأغنيات غنيت، ولكن ظلت أغنيات سيد درويش وبديع خيرى لأنهما كانا يكتبان اللحظة، بينما من حلقوا فى السموات، وفى الأجواء ذهبت أشعارهم معهم، فنحن الآن بين قصيدة النثر وبين قصائد ذاتية بعيدة مغرقة فى غرابة اللغة وغرابة الأجواء ومتأثرة بالشعر الإنجليزى والفرنسى، وكل هذا يبتعد ويسلب الشعر حرارته وصدقه، وشعر العامية ما زال على قيد الحياة والعطاء، وهناك شعراء كثيرون أخذهم شعر العامية واحتضنوه وأعتقد أن لهم مستقبلاً جميلاً.
■ كعاشق للفن كيف ترى حاله اليوم؟
- الفن، مثل كل الأمور الأخرى فى حياتنا، فى مرحلة انتقالية، فالمسرح حالته سيئة جداً، وتقريباً لا يوجد مسرح، والسينما الموجودة هى التى تخطف الأنظار، وأقصد بها سينما الفتوات والعاهرات والمخدرات.
وأيضاً الأغانى، فكثير من أغنيات الشباب تنتهى مثل المواد الاستهلاكية مثل السيجارة أو زجاجة المياه الغازية، باستثناء بعض الأغنيات القليلة المهمة، كما ظهرت موجة عارمة مما يسمى الأغنيات الوطنية، أغنيات ملأت الحياة، ولكن ماذا يتبقى من هذه الأغنيات؟ أعتقد أنه لن يبقى إلا الشىء الأصيل.
■ لماذا توقف مشروعك فى تدوين السيرة الهلالية؟
أعتبر أننى وقد بلغت من العمر أرذله قمت بجهد نادر فى تاريخ الدراسات والأعمال التراثية، وكنت دائماً أقول لنفسى: نعم إننى شاعر جيد وسوف يظل شعرى كثيراً، ولكن العمل الذى سيخلدنى حقيقة أننى جمعت إلياذة العرب، وهى الآن مطبوعة ومغناة، وقد نشرتها بكافة أشكال النشر، وهناك آخرون بدأوا يهتمون بدراسة السيرة الهلالية، وأعتقد أننى - دون فخر - كان لى السبق فى التنبيه إلى هذا العمل الإبداعى.
■ أخيراً.. هل ورثت ابنتاك «آية» و«نور» روح الشعر وحب الكتابة منك؟
- لا.. صحيح أن «آية» تحب قصائد محمود درويش وتحفظ الكثير من الأغنيات الجبلية اللبنانية، وتحفظ كثيراً من قصائدى، و«نور» تكتب قصائد باللغة الإنجليزية، بحكم دراستها للعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، وهى قصائد لا أستطيع تقييمها لأنها «مش لغتى»، ولكنى لا أعتقد أن تجربتى سوف تستنسخ لأنى كنت دائماً ضد المثقفين الذين يريدون أن يحولوا أبناءهم إلى نسخة منهم، فأنا ابن «الشيخ» الأبنودى طلعت شاعر عامية، والأفضل أن نترك أبناءنا يلتقطون مواهبهم، أو ما يحبونه فى الحياة، والدور الذى يريدون أن يلعبوه بعيداً عن السطوة، أو السيطرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.