كما هو حال كثير من مفردات المشهد المصري العام، فإن الجدل لن يتوقف أيضا بشأن حروب الجيل الرابع التي استهدفت مصر على مدار أعوام، واستغلت الغليان الشعبي لتتسلل بنعومة للعمق المصري ناشرة الفوضى، عبر الانترنت والفضائيات ومنظمات المجتمع المدني، لكن اللافت كان انتقال الجدل الغربي إلى مربع المشهد الأمني المصري وما يكتوي به من عمليات إرهابية، ضربت الأطراف وامتدت إلى العمق، وبات التساؤل قويا حول إذا كانت تلك حرب جديدة أسموها الجيل الخامس، أم جبهة متقدمة وإصدار جديد من الجيل الرابع. المفارقة، أنه في مقابل انصراف المصريين للأسف الشديد الى لغو "أحاديث الكفتة" والحوارات السطحية، كانت جدلية حروب الجيل الرابع أم الخامس هي جوهر ما تعكف دوائر الاستخبارات الغربية على رصده الآن، وترددت أصداؤه في مواقع بحثية أميركية، وقد كان للصديق العزيز والخبير الأمني العميد خالد عكاشة رأي بالقول، إن كل المطروح الآن لا يتجاوز التنظير والاجتهاد لمرحلة جديدة، لكنه يذهب إلى شروط لتصبح تسمية "حروب الجيل الخامس" حقيقية، منها أن تنتج متغيرات على الأرض، وتتبنى ذلك المصطلح الجهات الأكاديمية، كما كان الحال عليه مع مصطلح الجيل الرابع. أيا كان الأمر، فإن شروط وأهداف الحرب قائمة وإن اختلفت أسماؤها، ولعل القدر المتيقن من الحقيقة حتى الآن هو ما مثلته ثورة 30 يونيو من قطع ل"شريان" المرحلة الأولى من استراتيجية تلك الحروب غير التقليدية، عبر الإجهاز على المشروع الإخواني كأحد جبهاتها المتقدمة، لكن قطع الشريان لم يكن ليعني نهاية المباراة بالضربة القاضية، فجعبة الأميركي والصهيوني خبأت ما يعرف تقليديا باسم "العمليات الزائفة"، وهي عمليات إرهابية تقوم به مجموعة واحدة غامضة مجهولة الهوية، ليس لتحقيق أهداف استراتيجية بقدر نشر الإرباك والفوضى وأجواء التشكك وعدم الثقة، وتختلف في تركيبها وبنيتها عن الموجة الإرهابية التي استهدفت مصر في التسعينات، حيث كان العدو معروفا ومكشوفا وسهل الاصطياد. بديهي إذا القول إن سقوط الإخوان في امتحان 30 يونيو الثوري تبعه ملحق لحروب الجيل الرابع، أو بالتحديد اندلاع العمليات الإرهابية المسعورة في سيناء وعمق مصر، وهو ما أشارت إليه التهديدات الصريحة التي خرجت على لسان خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان قبل الثورة، وكان ذلك بموازاة الموقف الأمريكي الممالئ والداعم لهذا الإرهاب القاعدي والتكفيري، والذي بلغ ذروته في تحركات إعلامية غربية مريبة، وتجميد المساعدات العسكرية الأمريكية عن مصر، ثم امتناع واشنطن عن تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية. لابد إذا من شيء من إعادة اعتبار للتاريخ، والذي يكشف أن حرق الأمريكي لكارت (بن لادن) في مطلع (الخريف العربي)، هو قص لشريط المرحلة الأولى من خلال توظيف أدوات الفوضى واستهداف مؤسسات الدولة، بموازاة احتواء ما توصف بالجماعات الدينية المعتدلة (جماعة الإخوان وشقائقها)، وذلك في مقابل الحد من دور أبناء الإخوان الشرعيين من الجماعات الجهادية والتكفيرية وعلى رأسها القاعدة، شريطة الإبقاء على خلاياها نائمة وضبط ساعة الصفر لإعادة لاستخدامها وفقا للميقاتي الأمريكي. الأخطر في المرحلة الراهنة، هو تغذية ودعم الإرهاب في دوائر الأمن القومي المصري سواء عبر البوابة الشرقية في ليبيا، أو عبر الأنفاق في غزة، أو من خلال مساندة السودان وأثيوبيا والصومال لهذا الإرهاب، بدعم تركي قطري وتدريب في بعض المناطق، وتشير معلومات مؤكدة إلى اتصالات أميركية بشكل شبه رسمي مع الجماعات الإرهابية، بعد ما كانت تجري تلك المحادثات تحت جنح الليل. ويشير محللون إلى أن واشنطن تحاول تصدير صورة ذهنية توحي بأن اتساع دائرة الإرهاب في المنطقة، جاء نتيجة سقوط الإخوان في مصر، ومن ثم يصبح عودة الإخوان للحكم ضروري لحماية أوروبا من امتداد عدوى الإرهاب لأراضيها. وبالتالي ضرب طوق حصار سياسي على مصر. لا مفر إذًا من الإقرار بأنه الإصدار الجديد من حروب الجيل الرابع، ولعل ما يكشفه طالع الأحداث الآن أن التكليف السري بالاستمرار في استخدام العمليات الزائفة بمساندة أدوات الإصدار القديم حتى تتضح الأمور، وفي ذلك يبقى للدور القطري والتركي والضغوط الأميركية وجودها وأهميتها، وتبقى لقناة الجزيرة ودعايتها القذرة دورها في تلك الحرب، وفيما يبدو فإن المباراة مستمرة وممتدة بالنقاط وليس بالضربة القاضية، ولا يمكن الفوز دون الحفاظ على نصاب الضربة القاضية. [email protected]