تقول الحكاية .. أن رجلاً كان يركب عربة يجرها حمار .. كان الحمار مشاكساً بعض الشيء، ويبدو أن الرجل كان لا يقبل أن يمنح حماره أي شيء مقابل جعله يستقر فوق عربته باطمئنان، فكر الرجل كثيراً ثم عاد بعصا طويلة، أمسك بأحد طرفيها، وبالآخر علق جزرة صغيرة، متدلية أمام فم الحمار وعينيه، على الفور طمع الحمار في الجزرة، وإذ به يلهث وراءها دون أي مجهود يذكر من الرجل، فيجر العربة، ليستقر من يجلس عليها، ويستمر في مكانه، بينما الحمار لا يحصل على أي شيء .. فقط أمل بأن يحصل عليها يوماً ما. لا ينكر أحد على الحزب الوطني تطوره الشكلي الذي بدأ منذ قرابة العقد من الزمن، أي ثلث الفترة تقريباً التي قضاها مبارك في السلطة، فمن “الفكر الجديد” و حتى “من أجلك أنت” و “عشان تطمن على مستقبل ولادك”، مروراً برئيس يتخلى لأول مرة عن جاكيت بذلته، ويكتفي بالظهور بقميص أبيض وكرافته “شيك”، وإذا كان الأمر كذلك، فإنني لا أنكر أيضاً على الحزب الوطني تطويره نظرية “العصا والجزرة” لتصبح “عصا بدون أي جزرة” ثم “جزرتين وعصا واحدة”!. قد لا يختلف اثنان في مصر على أهمية البرلمان القادم – الذي تحول بقدرة قادر من برلمان مصر إلى برلمان عز – فنوابه هم من سيمنحون شرعية الترشيح لرئيس مصر المقبل، أو هم من سيمررون التوريث ويباركونه في أغلب الأحوال، لذا فإن اكتساب البرلمان شرعية من خلال مشاركة أكبر من قبل الأحزاب السياسية في مصر، وخاصة الكبرى منها كالتجمع والوفد والناصري، بالإضافة إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، ضرورة لتشكيل البرلمان الذي سيمنح الشرعية للوريث. على الجانب الآخر، كان الطرف الثاني يدرك الأمر جيداً، كان في انتظار الجزرة، لكنه كان واثقاً من أن الجزرة لن تظل معلقة أمامه دون أن يكون في استطاعته الوصول إليها، كان يراوده شعور أقرب لليقين، أن هذه الجزرة تختلف عن سابقتها، وأنه بالتأكيد سيحصل عليها، وسينال عدد من مقاعد البرلمان، تصور أن الحزب الوطني يحتاجها لإسباغ شرعية عليه وعلى الوريث. أدرك البعض اللعبة، من بدايتها، طالب بعدم الوقوع في الفخ، والانزلاق وراء أي جزرة أو حتى عظمة يلقيها النظام، إلا أن جزرة 2010 يبدو أنها كانت مغرية جداً. لهث الجميع وراء الجزرة، وإذ بالنظام يرفع الجزرة من العصا، ويلجأ لنظرية العصا بدون أي جزرة، ينهال ضرباً على الجميع، بعدما حصل على كل ما أراد، – قال لي أحد البسطاء بلغته البسيطة “الحكومة أخدت شرفكم من غير ما تديكم حاجة” -، وقعت الكارثة إذن .. فوجئ من لهثوا وراء الجزرة أنهم سيعودوا بخفي حنين، هذا إن سمح لهم النظام بهما أصلاً، الآن عليهم أن يفكروا ماذا سيقولون لكوادرهم وقواعدهم التي كانت تطالب من الأساس بمقاطعة الانتخابات، وعدم اللهث وراء جزرة النظام؟!. هنا، يفتح الحزب الوطني ونظامه منفذ صغير، ولكن الثمن جزرة أخرى!، لازالت هناك إعادة في العديد من الدوائر، ولازال للقوى الرئيسية على الأقل كالإخوان والتجمع والوفد، مرشحون يخوضون انتخابات الإعادة في عدد من الدوائر، ويبقى على الجميع الاختيار، إما فضح ممارسات النظام والحزب الوطني، وعدم المشاركة في منح “برلمان عز” شرعية زائفة، أو اللهث وراء الجزرة الأخرى، التي علقها لهم الحزب الوطني مرة أخرى على ذات العصا التي أسقطت 20 قتيلاً وعشرات المصابين وهتكت عرض مصر. مواضيع ذات صلة 1. د. أحمد الخميسي :هرش قفا برلماني 2. بلال فضل: المشكلة في الهيدّ! 3. أحمد صبري: يوسف والحرب القذرة 4. محمود طرشوبي: نسوان و أحزاب و كوتة 5. إلهامي الميرغني يكتب: الوطني ينافس الوطني