لا تبحث عن قصائد رومانسية ل «يوسف برودسكي» الشاعر الروسي صاحب نوبل الآداب 1987، فهو لم يكتبها إلا نادرًا. في مثل هذا اليوم منذ 18 عامًا رحل عن عالمنا «بروديسكي»، الذي عرف لعشاق الشعر الروسي الحقيقي، منذ ظهوره في الأفق الشعري مطلع الستينات، حيث شغل مكانة ثابتة في صف شعراء مدينة بطرسبورغ إلى جانب زملائه المبدعين، مثل آنا اخماتوفا واوسيب مندلشتام وغيرهما. "برودسكي" لم ينظم شعرا سياسيا ينتقد النظام السوفيتي، لكن استقلال قصائده شكلا ومضمونا، ناهيك عن تحديه في التصرف، أثار غضب ممثلي الرقابة الأيديولوجية السوفيتية الذين أقاموا محاكمة له واتهموه بالاتكالية. وقبل ذلك فرضوا عليه العلاج الإجباري في مستشفى الأمراض النفسية. وحكم عليه بالنفي إلى منطقة ارخانغيلسك الشمالية لمدة خمس سنوات بعد محاكمته بتهمة الصعلكة. ومما يستحق الاحترام تصرفه في جلسات المحكمة حيث دافع عن حقه بنظم الشعر من دون ممارسة أي نشاط اجتماعي. وبفضل إحدى كاتبات العدل التي سجلت محضر تلك المحاكمة المهينة ذاع صيت "برودسكي" في الأوساط الواسعة للمثقفين السوفيت وحتى خارج البلاد. ووجه بعض الكتاب والفنانين السوفيت مثل دميتري شوستاكوفيتش وأخماتوفا وغيرهما، رسائل إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي واتحاد الكتاب السوفيت، طالبوا فيها الإفراج عن برودسكي. قضى 18 شهرا في المنفى ثم أطلق سراحه، وسمح له بالعودة إلى بطرسبورغ. وأصر بعض الشعراء على أن ينشر قصائده الثماني في مجلة "يونوست" السوفيتية. فوافق رئيس تحرير المجلة على نشرها، لكنه طلب حذف قصيدة واحدة منها، فرفض برودسكى وقدم بعد ذلك طلبا بمغادرة البلاد، وسمحوا له بذلك فهاجر إلى الولاياتالمتحدة حيث تأقلم بسرعة شأنه شأن الكاتب الروسي الأمريكي المشهور فلاديمير نابوكوف مؤلف قصة "لوليتا" المعروفة عالميا، حتى صار ينظم الشعر بالإنجليزية، وانتخب عضوا فخريا في أكاديمية الفنون الأمريكية لكنه انسحب منها احتجاجا حين عرف أن الشاعر السوفيتي يفتوشينكو قبل عضوا فيها أيضا. توفي يوسف برودسكي في أمريكا عام 1996، لقد طرده وطنه ولكن لم يحب موطنه الثاني، كتب "برودسكي" في إحدى قصائده: لا أريد اختيار بلد ولا مقبرة/ سأحضر إلى جزيرة فاسيليفسكى لأموت فيها"، لكنه لم يحضر إلى مسقط رأسه، لأن ما من أحد يعود إلى مكان أهين فيه، كما قال هو نفسه. واختار مكانا آخر يدفن فيه وهو مدينة فينيسيا الإيطالية.