بعض الأمور حين لا نفهمها فإن العيب قد لا يكون فى عقولنا [ قول مأثور ] لم يفاجئنى فيديو ظهور المشير طنطاوى بالملابس المدنية فى وسط القاهرة ؛ وهو يمشى وسط الناس فى الطريق العام ويصافحهم بابتسامة وود وهدوء . فقد كنت أتوقع وفقاً لفهمى المتواضع للنهج العسكرى فى الفعل ورد الفعل ؛ بأنه لابد من تحرك ميدانى ما لامتصاص رد الفعل السلبى ؛ المترتب على شهادة المشير التى صبت فى مصلحة مبارك . ونظراً لأنه وفقاً للمنطق العسكرى القائل : بأن أفضل وسيلة للدفاع هى الهجوم ؛ فإن استخدام القوة الهجومية الناعمة وخصوصاً إذا كان الميدان هو قلوب المواطنين يصبح هو الوسيلة المثلى لإصابة الهدف بدلاً من العشرات من التصريحات والبيانات ؛ ودون أى خسائر تذكر . وبالفعل فقد ظهر المشير مترجلاً يمشى بين الناس بكل تواضع ؛ ويبادلهم المصافحة والابتسام . ولكن بعض الخبثاء ؛ بالإضافة إلى بعض الموالين لكراسى السلطة أياً كان من يجلس عليها ؛ فسروا جولة وسط المدينة ؛ بأنها الخطوة الأولى فى تقديم المشير كرئيس مدنى محتمل لرئاسة الجمهورية . ولكن سواء كانت الجولة لامتصاص رد الفعل السلبى المترتب على الشهادة ؛ أو كانت للتمهيد للتقدم لمنصب الرئاسة ؛ فإن التفسيرين يمكن أن يتكاملا ليصب كل منهما فى مصلحة الآخر . ولكن السؤال الأولى بالطرح فى هذا المقام يدور حول : مدى جدارة المشير بمنصب الرئاسة ؛ انطلاقاً من تقييم أدائه فى العمل العام طوال 20 عاماً مضت ؛ وانطلاقاً من تقييم أدائه على مدار الشهور التالية للثورة باعتباره رئيس المجلس العسكرى المنفرد بالسلطتين التشريعية والتنفيذية طوال الفترة الانتقالية . والواقع أن المشير المولود فى 31 أكتوبر 1935م لأسرة نوبية ؛ قد تقلد – على مدى مشواره العسكرى – العديد من الأنواط والأوسمة والميداليات والمناصب الرفيعة خارجياً وداخلياً . فبعد حصوله على نوط الشجاعة العسكرى عقب حرب اكتوبر 1973م لقيادته الكتيبة 16 مشاة أثناء الحرب ؛ تم اختياره في عام 1975 ليعمل ملحقاً عسكرياً لمصر في باكستان ثم في أفغانستان . وترقى فى المناصب حتى تم اختياره رئيساً لهيئة أركان الجيش الثانى الميدانى ؛ وفى عام 1987 أصبح قائداً للجيش الثانى الميدانى . وبعدها فى عام 1988م تم اختياره قائداً لقوات الحرس الجمهورى واستمر فى ذلك المنصب لمدة 3 سنوات حتى عام 1991م ؛ حيث تم اختياره وزيراً للدفاع برتبة فريق ثم صدر قرار جمهورى عقب ذلك بشهر بترقيته إلى رتبة فريق أول ؛ ثم إلى رتبة المشير عام 1993م . ومنذ عام 1991م حظى المشير بثقة الرئيس المخلوع على مدى خمس حكومات ؛ شغل فيها منصب وزير الدفاع ؛ بدءً من حكومة عاطف صدقى ثم كمال الجنزورى ثم عاطف عبيد ثم أحمد نظيف انتهاءاً بحكومة أحمد شفيق . وللوهلة الاولى ؛ فقد يبدو أن كل تلك المناصب تشير إلى كفاءة قيادية وإدارية فى المجال العسكرى ؛ فضلاً عن خبرة عميقة فى القدرة على اكتساب ثقة القيادة السياسية . لاسيما وأن السمعة التى يحظى بها الجيش المصرى لدى الرأى العام فيما يتعلق بالانضباط والقدرة على الانجاز حتى فى المجالات المدنية ؛ فضلاً عن المظهر المشرف لكافة منشآت القوات المسلحة بدءً من النوادى مرورا بالعمارات السكنية وانتهاءا بالوحدات والمناطق العسكرية . لاشك بأن كل ذلك يعزز من شأن السيرة الذاتية العسكرية والسياسية للمشير باعتباره قائد ناجح عسكرياً وسياسياً . ولكن التحليل المتعمق لمسيرة المشير العسكرية السياسية ؛ قد يصل بنا إلى نتيجة أخرى ؛ ذلك أن الكفاءة فى القيادة العسكرية ليست بالضرورة عنواناً على توافر نفس القدر من الكفاءة فى القيادة السياسية . فضلا ًعن أن انعدام أى معلومات موثقة عن التطور التكنولوجى والعملياتى والقتالى والتدريبى والإدارى فى القوات المسلحة خلال ال 20 عاماً الماضية ؛ نتيجة مناخ التعتيم المترتب على النصوص القانونية السارية التى تمنع أى اقتراب من شئون هذه القوات ؛ أو نتيجة غياب النصوص الدستورية والقانونية التى تسمح بمراقبة ميزانيتها وأوجه انفاقها . كل ذلك يجعل معايير الكفاءة على ستوى القيادة العسكرية تظل محل مراجعة نتيجة انعدام المعلومات. أما فيما يتعلق بالكفاءة على مستوى القيادة السياسية ؛ فإن القدرة على اكتساب ثقة ديكتاتور عنيد متشبث بالسلطة ؛ لأكثر من 20 عاماً هو أمر يخصم من رصيد أى رجل سياسة ولا يضيف إليه. ورغم أن الكثير من القصص والحكايات بدأت ترشح فى الفترة الأخيرة على ألسنة بعض المخلصين أو المناوئين للثورة – عن دور المشير فى منع بيع بنك القاهرة ؛ أو عن معارضته لمشروع التوريث وفقاً لبعض تحليلات الدبلوماسية الأمريكية . إلا أن عدم مبادرة المشير بالخروج – طوال 20 عاماً – من وسط صفوف سلطة فاسدة مستبدة والتبرؤ منها ؛ يجعل كل تلك القصص غير قادرة هى أيضاً على الإضافة إلى ذلك الرصيد . ولكن ؛ نظراً لأن الأعمال بخواتيمها ؛ فقد يجادل البعض بأن مساندة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلى رأسه المشير للثورة ؛ وعدم الانصياع لرغبة مبارك فى إجهاضها ؛ تظل هى الإضافة الحاسمة لرصيد المشير . ولكن الأمر الذى يتضح كلما مر الوقت ؛ أن مساندة المجلس العسكرى والمشير للثورة ؛ كانت لأسباب مصلحية وليست ايماناً بمبادئ هذه الثورة . ذلك أن أغلب ممارسات المجلس العسكرى تندرج تحت عنوان تجاهل أو معارضة مطالب الثورة ؛ أو المماطلة والتسويف فى تلبيتها ؛ أو تنفيذها بصورة مشوهة تفرغها من مضمونها . مما يرجح أن المجلس والمشير تماشوا فقط مع الثورة لأن حساباتهم أكدت بأن الوقوف بجانب مبارك سيضعهم أمام طوفان شعبى سيطيح بكل من يواجهه . ولعل ما يعزز هذا ؛ هو أن تقييم الآداء العسكرى والسياسى للمجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية ؛ يخصم كثيراً من رصيد المجلس ورصيد المشير باعتباره رئيسه . فعلى المستوى العسكرى ؛ تبدو تفجيرات خطوط الغاز المتتالية دون أى رادع عسكرى أو أمنى ؛ أو الهجوم على قسم شرطة ثان العريش ؛ أو عدم الإعلان عن أى معلومات عن التحقيقات الجارية مع الجانب الاسرائيلى بشأن مقتل ضابط وجنود مصريين على الحدود المصرية الاسرائيلية ؛ أو استمرار الانتهاكات المتوالية لحقوق الانسان التى يرتكبها ضباط وأفراد الشرطة العسكرية ؛ كل ذلك يشير إلى إدارة عسكرية اعتادت منذ سنوات على عدم مواجهة أزمات حقيقية ولذلك يصبح الارتباك وربما الذهول هما العنوان لمعظم ممارساتها . أما على المستوى السياسى ؛ فإن الأداء السياسى للمجلس العسكرى برئاسة المشير هو أداء يمكن وصفه بأنه لاسياسى بامتياز . بمعنى أنه أداء ينتقل من فشل إلى آخر ؛ إلى الحد الذى بات ينذر بتصفية أهداف الثورة . ذلك أن كم التخبط والارتباك واللامنهجية واللامنطقية فى الإدارة السياسية للفترة الانتقالية ؛ بدءً من مهزلة الانتخابات أولاً والدستور ثانياً والرئيس ثالثاً ؛ مروراً بالإصرار على بقاء مجلس الشورى ونسبة 50% عمال وفلاحين ؛ والاستمرار فى تعيين معظم الوزراء والمحافظين من رجال النظام السابق ؛ والعجز عن استعادة التواجد الامنى ؛ وصولاً إلى فضيحة مد وتوسيع مدة ونطاق قانون الطوارئ ؛ والتحرش بالصحف والقنوات الفضائية ؛ وإصدار قانون قبيح للانتخابات ؛ وتعديل الإعلان الدستورى سراً ؛ وتوزيع الدوائر الانتخابية بنظام سمك لبن تمر هندى . وبالتالى ؛ فإن هذا الأداء اللاسياسى البائس المستمر طوال الفترة الانتقالية والذى قد يمتد بهذه الفترة إلى مدة العام أو العام والنصف أى 18 شهراً بدلاً من 6 أشهر يستهلك كل الرصيد الذى ظنه الناس يصب فى مصلحة المشير والمجلس العسكرى . وهنا نأتى إلى إجابة السؤال ؛ حول مدى جدارة المشير بمنصب الرئاسة انطلاقاً من تقييم أدائه العسكرى والسياسى قبل الثورة أو بعدها . وفى تقديرى ؛ فإنه ينبغى ترك الإجابة للمصريين ؛ ذلك ان الثورة قامت ليتعلموا كيف يختاروا ؛ ثم عليهم بعد ذلك دفع ثمن هذا الاختيار . ولكننى ؛ عن نفسى ؛ وعملاً بحقى فى حرية التعبير بموجب المادة رقم 12 من الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس العسكرى ؛ أستطيع أن أقول بأننى لن أعطى صوتى للمشير فى حال ترشحه لمنصب الرئاسة انطلاقاً من كل الأسباب السابق ذكرها . فضلاً عن إننى لو كنت موجوداً فى وسط البلد عندما فوجئ الناس بالمشير مترجلاً ببدلته المدنية ؛ لو كنت موجوداً هناك ؛ ما سلمت عليه ........ ******* دكتور / محمد محفوظ [email protected] ت : 0127508604 هوامش : موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة .. مختصر السيرة الذاتية للمشير http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86_%D8%B7%D9%86%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A المنشور بأحد االمواقع الالكترونية عن نص شهادة المشير http://www.journal-ap.com/Article.aspx?AID= المنشور عن وقائع الهجوم على قسم ثان العريش http://www.dostor.org/crime/11/august/11/50847 http://www.ahram.org.eg/incidents/news/92586.aspx