مجلس النواب يناقش الموازنة العامة للدولة «2025/ 2026» الأسبوع القادم    صناعة الدواجن «بيضة من ذهب»|«بيرما».. سر الصناعة أكبر معقل لتربية الطيور فى مصر منذ 100 عام    مظاهرات الهجرة تجتاح أمريكا |تأهب للعرض العسكرى.. وترامب يتوعد المحتجين    سقوط نظام الأسد يضرب "الهلال الشيعي" ويفتح صفحة جديدة لسوريا    رياضة ½ الليل| أسباب اعتذار الخطيب.. خوف من الأهلي.. سيراميكا بطلا للكأس.. وأكرم محاربا بالشمال    حملات رقابية مكثفة وتحرير 114 محضر تمويني بالدقهلية    الملحن مدين يتعاون مع مي فاروق وزينب حسن في أغنيتين جديدتين    القومى للبحوث يعقد مؤتمره السنوي بشعار «من الرؤية إلى الواقع.. لغد بصحة أفضل»    مانشيني: أريد العودة إلى تدريب منتخب إيطاليا    «قصر ديل».. شوبير يرد على أزمة تذاكر مباراة الأهلي وإنتر ميامي    ترامب يصف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي ب"الأحمق"    مدرسة السكة الحديد فى الجيزة.. تعرف على شروط التقديم والمستندات المطلوبة (تفاصيل)    «هنعمل إيه» ل آدم البنّا تتصدّر التريند على منصة «إكس» وتتجاوز نصف مليون مشاهدة    4 أبراج أكثر تنظيمًا ودقة.. هل برجك من بينها؟    بيان رسمي.. فلسطين تتقدم بشكوى إلى فيفا بسبب ضربة جزاء عُمان    محافظ قنا: وضع لوائح انضباط على مداخل المستشفيات لبيان حقوق وواجبات المرضى    الأحد.. ثقافة الفيوم تقيم ورشة مجانية لتعليم كتابة القصة    حقوق إنسان النواب تبحث مع وفد الحوار المصري–الألماني سبل تعزيز العدالة والمواطنة    الجيش الإسرائيلي يوجه تحذيرًا عاجلا لسكان عدة مناطق في غزة    الاتحاد الأوروبي يفرض رسوما جديدة على الواردات الزراعية من روسيا وبيلاروس    تجدد الجدل حول اكتشاف مزعوم بشأن مدينة تحت الأهرامات.. ما الحقيقة؟    لعلاج دهون الكبد- تناول هذه المشروبات على الريق    "الشؤون الإسلامية" تكثّف جهودها التوعوية في مسجد التنعيم تزامنًا مع توافد المعتمرين    السفير الأمريكى فى إسرائيل يعلن انحيازه لبن جفير وسموتريتش بعد فرض عقوبات عليهما    الداخلية تكشف حقيقة احتجاز «مُسنين» والتعدي عليهما بالضرب في المنوفية    متحور كورونا الجديد «NB.1.8.1».. تحت المراقبة العالمية    القصة الكاملة لسرقة الدكتورة نوال الدجوي.. من البلاغ لحفظ التحقيقات    غودار وفلسطين.. حين عاد التجريبى الأكبر فى تاريخ السينما إلى «القضية» بعد صمت طويل    ضياء السيد: زيزو لن يكون أساسيا في مباراة انتر ميامي.. وكوكا الأجدر بقيادة الظهير الأيسر    الأزهر للفتوى يعلق على شغل الوقت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي    القطار الخفيف يقلل زمن التقاطر يوم الجمعة من كل أسبوع للتسهيل على الركاب    وزير الاستثمار: الدولة تولي اهتمامًا كبيرا بتطوير قطاع التأمين    وفد عمل مصر الثلاثي يُشارك في منتدى «التحالف العالمي للعدالة الإجتماعية»    وزير الري: مصر تقوم بإدارة مواردها المائية بحكمة وكفاءة عالية    إنارة رافد جمصة على طاولة التنفيذ بتنسيق مكثف بين الجهات المعنية    أشرف صبحي: نادي سيتي كلوب إضافة نوعية لخريطة المنشآت الرياضية بدمياط    قافلة جامعة المنوفية توقع الكشف الطبي على 440 من أهالي «ميت أم صالح»    عبد العاطي يؤكد ضرورة الحفاظ على السودان وصون مقدّراته    انخفاض تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لأدنى مستوى في 3 سنوات    محافظ المنيا: إزالة 215 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة والبناء المخالف    "دخل حسابي 1700 يورو؟".. أحمد حمدي يثير الجدل بمنشور جديد    ريال مدريد يحسم صفقة الأرجنتيني فرانكو ماستانتونو حتى 2031    حجز والدي عروس الشرقية على ذمة التحريات في واقعة زفاف عريس متلازمة دوان    عبد الخالق فريد مديرًا لمهرجان بورسعيد السينمائي الدولي    بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" بالعبور الجديدة الأحد 22 يونيو    ملك زاهر توجه رسالة مؤثرة من داخل المستشفى    مصر تعرب عن خالص تعازيها لجمهورية الهند في ضحايا تحطم طائرة غرب البلاد    وزير البترول: مشروع إنتاج حامض الفوسفوريك تحرك هام لتعزيز الصناعات التحويلية    رسميًا.. رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد للغة الإنجليزية    التحفظ على سلع غذائية ولحوم فاسدة في حملات تموينية موسعة ب قنا    حقوق الإنسان بمجلس النواب تستضيف رئيس الطائفة الإنجيلية وأعضاء الحوار المصري الألماني    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    20 مليون جنيه مخدرات وسقوط 5 خارجين عن القانون.. مقتل عناصر عصابة مسلحة في مداهمة أمنية بأسوان    إسرائيل.. المعارضة غاضبة لفشل حل الكنيست وتهاجم حكومة نتنياهو    وكيل الأزهر يعتمد نتيجة الدور الأول لشهادات القراءات للعام 2025    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثريا عاصي: "ثورات" الإسلاميّين وذاكرة اللاجئين
نشر في البديل يوم 08 - 01 - 2014

كان مخيّم اللاجئين الفلسطينيين هو المدخل الوحيد إلى القضية الفلسطينية، وكانت «العودة» عنواناً وحيداً لبرامج الحركات والأحزاب السياسية في بلاد الشام والعراق ومصر على اختلاف مشاربها ومناهجها! وكان النقاش سوريالياً، عن الأخطاء والخيانات التي مكنت المستعمرين الإسرائيليين من إنشاء دولتهم على 78% من أرض فلسطين وإفراغها من جزء كبير من سكانها الأصليين!
ولكن ما قبل هزيمة يونيو/حزيران 1967 ليس كما بعدها. ضاعت البوصلة وغشيت الرؤية. تعددت المداخل وتبدلت العناوين. ضمرت الحركات والأحزاب السياسية وامّحت برامجها تحت نعال أنظمة الحكم التي أنكرت أسباب عجزها وقصورها عن تفادي الهزيمة. وكأن شيئا لم يتغير ويتبدل منذ 1948، حيث كان التصدي لقوات المستعمرين الإسرائيليين، وبالتالي اجتناب النكبة مستحيلاً.
ليس لأن مقاومة المستعمر غير ممكنة، ولكن لأن الغموض ما يزال يكتنف تجلياته. كأن هويته مجهولة ومواقعه مخفية وخططه مكتومة القصد. ما يزيد الطين بلة أن الذهنية السلفية ليست حكراً على من يتلفّعون بالدين رياءً أو إخلاصاً، وإنما هي متأصلة أيضاً في مجال النشاطات الاجتماعية والسياسية. هذا لم يسمح طبعاً، باستنباط الوسائل والأساليب الملائمة، ليس فقط لكفاح المستعمر ولكن لفهم طبيعة الاستعمار والمناخات التي تهيئ الظروف اللازمة لتمدد نفوذه وتقويته.
خذ إليك القضية الفلسطينية. احتل المستعمرون البريطانيون فلسطين سنة 1917، وكان وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود على أرضها من صلب الخطة التي توكلوا بتطبيقها. من البديهي أنه لولا الاستعمار البريطاني لما وقعت النكبة. يستتبع ذلك أن المستعمرين الإسرائيليين ورثوا فلسطين عن المستعمرين البريطانيين الذين مهدوا لهم الطريق وأنشأوا لهم دولة. يبني عليه أن هؤلاء الأخيرين ليسوا وسطاء أو حلفاء، بل هم أعداء يتحملون المسؤولية عن «الجريمة ضد الإنسانية» التي ارتكبت في فلسطين سنة 1948 وها هي تتكرر منذ ثلاث سنوات تحت مسميات مزيفة وحجج واهية. فالمستعمرون لا يأتون بالحرية والديموقراطية ودين الحق.
بالرجوع إلى المسألة الفلسطينية، من المرجح كما لمّحنا أعلاه أن مخيم اللاجئين لم يعد المدخل الوحيد إليها. صار للمسألة الفلسطينية بوابات خارج المخيمات. توجد واحدة منها في رام الله حيث السلطة الفلسطينية التي تدير بعض «المحميات» في الضفة الغربية تحت ظل قانون الفصل العنصري «الأبارتهايد»، الإسرائيلي. لا شك في أن هناك بوابة ثانية في مشيخة قطر، تفضي بالقطع إلى فراغ. نذكر هنا، لعل الذكرى تنفع، أن بوابة قطاع غزة مغلقة بأمر من المستعمرين الإسرائيليين. أما بوابات فلسطين في مخيمات سوريا ولبنان فلقد سدها الإسلاميون بجدران عالية وأجبروا اللاجئين على إخلاء هذه المخيمات من منافذ المطابخ… في إطار سياسة، من المحتمل أنها مبرمجة مسبقاً، الغاية منها هدم هذه المخيمات وتذويب اللاجئين الفلسطينيين، في البيئة التي لجأوا إليها!
لم يكن المخيم مكاناً تجمّع فيه عشوائياً، الفلسطينيون الذين طردهم المستعمرون الإسرائيليون، بل كان صورة عن منطقة من المناطق الفلسطينية. بمعنى أن المخيم كان يضم سكان بلدة أو مدينة فلسطينية وجوارها، اضطرهم المستعمرون بالوسائل الإرهابية المعروفة إلى النزوح معاً، فأقاموا في نفس المخيم وحافظوا الى حد ما، على النسيج الاجتماعي الذي كان يلفّهم وعلى الذاكرة أيضاً. مجمل القول إن المخيّم كان كمثل المجسّم، لذاكرة، لمنطقة أو جهة من جهات الأرض الفلسطينية المحتلة. طبيعي أن يحاول المستعمرون من دون هوادة، طمس رمزية مخيم اللاجئين وقطع العلاقة العضوية الموجودة بينه وبين فلسطين. فهما من آثار جريمتهم. الغريب أن المخيم صار في زمان «الهزيمة والاعتدال والتطبيع والاستهتار وفقدان الاحتشام والحياء» مصدر قلق ليس فقط للمستعمرين الإسرائيليين، ولكن لأنظمة الحكم العربية أيضاً، بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. منذ أن أدارت هذه الأخيرة ظهرها للجماهير العربية وحركاتها التقدمية لتحاكي نظام الحكم العربي التقليدي، الذي كان لا يختلف من قطر إلى آخر إلا بالشكل والاسم.
أكتفي من هذا الاستطراد، فأنا لست بصدده لأقول إن من غير المستبعد أن تكون الغاية من الغزوات التي تتعرض لها بلاد الشام، ليس فقط إسقاط الكيانات الوطنية، وتجزئة البلاد على قاعدة الانتماء الطائفي والمذهبي، والعرقي إذا لزم الأمر، وإنما الهدف أيضاً هو هدم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ومحو آثار الجريمة الاستعمارية الإسرائيلية ضد الإنسانية.
من البديهي في هذا السياق أن من المفترض أن متغيرات كثيرة دخلت البنية الاجتماعية لكل مخيم من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وفي لبنان بوجه خاص، نتيجة وجود فصائل المقاومة الفلسطينية، وللحروب والمعارك و«الثورات»، التي اشتركت فيها هذه الأخيرة، انطلاقاً من المخيمات أو في المناطق المحيطة بها. يمكن القول إن خمسة مخيمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان على الأقل، تم محوها كلياً أو جزئياً ابتداءً من مخيم النبطية الذي أزيل بالكامل، وانتهاءً بمخيم نهار البارد الذي كان مسرحاً لمواجهة طويلة ودامية ومدمرة بين فرع من فروع الوهابية الجهادية من جهة، وبين الجيش اللبناني من جهة ثانية، مروراً بمخيمي صبرا وشاتيلا اللذين اقترفت فيهما يد الإجرام الإسرائيلية آخر أكبر مجازرها!
لن يتسع المجال هنا لإيفاء البحث في هذا الموضوع. ولكن يمكننا الإشارة، من دون حرج الى أنه تأوي إلى مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة صيدا، جماعات إسلامية جهادية ذاعت شهرتها، أثناء حرب نهر البارد وخلال المواجهة مع أنصار الشيخ الصيداوي الفارّ أحمد الأسير، ثم بمناسبة الهجوم على السفارة الإيرانية في بيروت، وبعد ذلك بخصوص السيارة التي استخدمت لاغتيال الوزير محمد شطح، وأخيراً يبدو أن المخيم كان محطة للإرهابي الوهابي ماجد الماجد مسؤول «كتائب عبد الله عزام» التي أعلنت الحرب على حزب الله في لبنان. أما في الأزمة السورية، فما من شك في أن فصائل فلسطينية تشارك في القتال الدائر هناك، انطلاقاً من مخيم اليرموك في دمشق، ومخيم الرمل في اللاذقية، كما تناهى إلى العلم. بالإضافة إلى هذا كله، تشير الدلائل والتصريحات إلى وجود أزمة وربما اصطدامات مسلحة في سيناء، بين الجيش المصري من جهة وحركة حماس من جهة ثانية. ألا يحق لنا من بعدُ أن نقول إن أخشى ما يخشى هو أن تمحو ثورات الإسلاميين ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين وتشتّت شملهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.