شهد مسرح الجمهورية علي مدار ثلاثة ليال من 10-12 ديسمبر الجاري حشدا هائلا من الإعلاميين و رجال السياسة و الثقافة و الفن ،احتفاءا بالعرض الرقص المعاصر" مولانا"، المعد عن رواية الكاتب الكبير إبراهيم عيسي الشهيرة بذات العنوان ، العرض إنتاج فرقة الرقص المسرحي الحديث التابعة لدار الأوبرا ، و إخراج و تصميم رقصات مناضل عنتر . "مولانا" هو الجزء الأول من ليلة عرض شهدت تقديم عرضين من تصميم و إخراج مناضل عنتر المدير الفني للفرقة ، أما الثاني فهو "حلم البصاصين "عن رواية "الزيني بركات" للكاتب جمال الغيطاني ،تصميم الديكور والإضاءة / عمرو الأشرف ، و بطولة أعضاء فرقة الرقص المسرحي الحديث محمد مصطفى، محمد سيد، محمد عاطف، محمد عبد العزيز، عمرو البطريق، أحمد محمد، نور حمدي،باهر امجد ، عمرو عاطف ، كريم عزت و محمود مصطفي و الراقصات رشا الوكيل ، رضوه صبري ، منة محمود ، ريم احمد ، و سماح مبارك و استعان المخرج من خارج الفرقة بالفنان طه خليفة لدور الشيخ في عرض" مولانا" . يناقش عرض "مولانا"حالة الازدواجية عند رجل الدين العصري، خاصة الداعية التليفزيوني مستعرضا نماذج من علاقة رجل الدين بالسلطة ، و نتاج هذا التقارب من تنكيل به بسبب اقترابه من مناطق أسرار الكبار، وفق ما أشارت له الرواية ، و تحول بعض الدعاة إلي بوق إعلامي ينطق بلسان السلطة و خاضعا لهوس وسطوة أضواء الإعلام ، كما ركز العرض علي إظهار الهواجس التي تصيب هؤلاء الدعاة، بما يشبه ازدواجية الشخصية بين رغباته و شخصيته و الصورة التي يقدمها للآخرين عن ذاته ، مستعينا بمقتطفات من الرواية عكست حرص المخرج علي الوصول بعرضه للجمهور بعيدا عن التجريد المعتاد في عروض الرقص الحديث ، و قدمت تلك المقاطع في إطار أداء تمثيلي راقص تميز بجمال و تعبيرية الحركة ،و في ذات الوقت وضوحها ووصولها للجمهور، في لوحات راقصة تكشف ملامح شخصية الشيخ حاتم بطل الرواية الذي لعب دوره اثنان من الراقصين لعكس حالة التشظي الداخلي ، و اختار المخرج موتيفات من الفن الإسلامي لديكور بسيط و جميل زادته جمالا إضاءة الفنان عمرو الأشرف ، و اعتمد في الموسيقي علي عدد من الأغاني الصوفية من عدة دول فيما ركز علي مطربين شباب من المغرب العربي . و في العرض الثاني " حلم البصاصين "، استلهم المقارنة بين الثنائي الذي قدمه الغيطاني في روايته الشهيرة " الزيني بركات "، و التي تدور في العصر المملوكي بين ناظر الحسبة الشريفة الزيني بركات الذي وصل بدهائه السياسي إلي منصب عزيز مصر و كبير البصاصين زكريا بن راضي، الذي بلغ درجة مخيفة في عمله للتجسس علي الناس ، انطلق المخرج من ثنائي السياسي الماكر إلي رجل الأمن الداهية الذي يستخدم طرقا مرعبة في استنطاق الناس و السيطرة عليهم ، فقدم ثنائيات تستلهم فكرة السلطة و السياسي و التجسس علي الآخرين، وضعها في إطار عصري في علاقة ثنائيات حولها إلي مواقف عصرية أكثر تجريدا بملابس بسيطة تقتصر علي ثنائية الأبيض و الأسود، و استعرض في هذا العرض مهارات راقصيه و قدراتهم في تشكيل لوحات فنية بأجسادهم تعكس العلاقة و الصراع علي السلطة بين الشخصيتين ، و تألقت الفنانة ريم احمد "التي اشتهرت منذ صغرها بدور هدي ابنة ونيس الصغرى في المسلسل الشهير "،في دور أتاح لها مساحة للتعبير التمثيلي بجانب الرقص و عكس خفة ظلها التي تفاعل معها الجمهور ، و كالعرض الأول استمر استخدام المخرج للاغاني الصوفية و التراتيل و قصائد لعدد من أفضل الأصوات العربية الشابة و منهم دينا الوديدي التي اختار لها أغنية "بعد البيبان" التي تحتفي بالشجاعة في مواجهة الحياة و المجهول ، كأنها كلمة المخرج في نهاية عرضين استعرضا نماذج من ممارسة القوة سواء بسطوة الإعلام و استخدام الدين في العرض الأول، أو من خلال صراع سلطة الأمن و التحكم في حياة الناس و سلطة الدهاء السياسي، إلي دعوة لمواجهة الحياة و عدم الخوف من الأبواب المغلقة في أغنية دينا الوديدي لان "الحياة ما تجوزش غير لطموح "كما تقول كلمات الأغنية .