في فيلم" فيلا 69″رجل خمسيني وحيد – حسين – ينتظر موته في صمت و إنكار وعنف في مواجهة الآخرين الذين يعتبرهم دخلاء علي عالمه المغلق الضيق الذي يستمتع فيه بطقوس خاصة في وحدته وسط جو كلاسيكي بدءا من الفيلا القديمة التي يسكنها، إلي انعزاله عن التكنولوجيا، إلي الأغاني القديمة التي لا يسمع سواها ، كيف سيتحول عالمه حين تقتحمه الحياة في أبهي صورها مع اثنين من المراهقين تتفتح الحياة لتوها في عالمهم ، تأتي أخته نادرة لتعيش معه و بصحبتها حفيدها سيف الذي يستدعي صديقته آية التي تشاركه في استكشاف عالم الجد وفي فك شفرة انعزاله عن الآخرين و من خلال علاقتهما به تتكسر حواجز الشرنقة التي يحيط نفسه بها و يستعيد انفتاحه علي الحياة . وهو أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرجة أيتن أمين،نال مؤخرا جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم من العالم العربي من مهرجان أبو ظبي السينمائي، سيناريو و حوار محمد الحاج و محمود عزت ، تصوير حسام شاهين و مونتاج عماد ماهر ، موسيقي سمير نبيل ، بطولة خالد أبو النجا في أهم و أفضل دور قدمه حتى الآن ، لبلبة ،اروي جودة ،و للمرة الأولي هبه يسري ، عمر الغندور و سالي عابد في دور الحفيد وصديقته ،عكس حضورها العذب في الفيلم مهارة المخرجة في إدارة ممثلين في أدوارهم الأولي . يقدم الفيلم حسين كشخص طيب حاد الطباع يخفي بعنفه تجاه الآخرين هشاشة و رقة ، يرفض مصارحة اقرب الناس له بحالته خوفا من إحساس الشفقة وتظهر حقيقة شخصيته في علاقة إنسانية وحوار مرح يجمعه بممرضته في دور جميل للممثلة لأول مرة هبه يسري، التي عرفناها مخرجة أفلام تسجيلية متميزة وقدمت أداء رائع لدور الممرضة المرحة المقبلة علي الحياة رغم الصعوبات و عنف أخيها ضدها ،و التي يجمعها بحسين ود وعشرة و مشاعر الصداقة والأبوة. في الفيلم ما هو ابعد كثيرا من الحكاية ، بطريقة للسرد تتفتح فيها شخصيات الفيلم بشكل تدريجي في غزل دقيق يجمع بين الأشخاص و المكان ، تتفتح شخصية بطل الفيلم تدريجيا كلما اتسعت مساحة تواصله مع حفيده ،و تتكشف المساحات المجهولة من الفيلا القديمة من خلال عيون الحفيد الذي يجول أرجائها وحده أو مع صديقته . تعكس الموسيقي ذوق بطل الفيلم المهندس عازف العود عاشق الموسيقي القديمة ، وتتكامل معها الصورة التي تمنحنا مساحات للتأمل والكثير من الظلال وتحتفي بالمشاعر ، لتمثل الكاميرا عينا تتأمل في التفاصيل و تفكك رموز عالم صامت و تحتفي بجماليات أزمنة أقدم حتى من جيل حسين نفسه ، لتمنحنا صورة شديدة الرهافة و العذوبة في كل التفاصيل و ابسطها حتى في المشاهد الناعمة للستائر قديمة الطراز التي يحركها النسيم ،و نتابع من خلالها حالة حسين الساكن في صمت في وحدته مع موسيقاه في سلام عالمه الخاص . هذه الحالة الهامسة يبلورها مونتاج ناعم يدخلنا عالم الفيلم بسلاسة في فيلم يلعب الزمن عاملا هاما فيه ،و يفسح لنا كمشاهدين مساحات للتأمل يزيدها عمقا استخدام الشعر المبرر دراميا في الفيلم ، و مع أشعار أمل دنقل تنفتح في الفيلم مساحات أخري لتأمل تساؤلات الحياة و الموت . ديكور الفيلا قديم خالي من البهرجة ومن عناصر الرفاهية العصرية ،تنويعات من موتيفات قديمة تحيلنا إلي رمزية ترتبط بالزمن وتعكس انحياز بطلنا إلي زمن خاص اختار أن يعيش فيه ولا يقبل الخروج منه حتي في المشهد الأخير الذي يقرر فيه الخروج من الفيلا للمرة الأولي في الفيلم يخرج في سيارة والده القديمة الطراز ، و لا تحل أزمة علاقته بأخته التي يرفض وجودها طوال الفيلم إلا بعد حديث بينهما يجريانه داخل سيارة والدهما المركونة في الجراج . يستدعي خيال حسين ثلاثة من أصدقائه من زمن السبعينات لتأكيد انسحابه وجدانيا و فكريا إلي زمن آخر غير الذي يعيشه فعليا ، كبديل ضد واقع لا يرضيه أو مواقف تضايقه ، ولا يخرج حسين من عالم خياله إلا حين يأتي البديل مع حفيده ،و رغم رفضه لوجوده في البداية إلا انه سرعان ما يرتبط معه بعلاقة تكشف عمق الصلة بينهما ، كلاهما يحب الموسيقي الحفيد يعزف الجيتار اليكتريك مع فرقة روك و الجد يلعب العود مع أشباح الأصدقاء الذين يمثلون فرقة صغيرة تلعب الموسيقي العربية الطربية . في الفيلم عذوبة مؤلمة ،لا يمر وقت طويل حتى يخبرنا هامسا دون تصريح و بالصورة فقط أن بطلنا ينتظر موته و يخفي أخباره عن الجميع حتى صديقته السابقة التي يستدعيها رغم فترة الابتعاد الطويل بينهما وهي شابة تصغره كثيرا كأن علاقته بها استمرار لاستدعائه لعالم الشباب الذي يستدعيه في خياله . ورغم قراره بالانسحاب إلا انه يشعر بالغيرة من جاره المفعم بالصحة و الذي يتابع تدريبه اليومي علي العدو باهتمام و دقة ويحسب له سرعته و تطور أداؤه في مثابرة تكشف زيف ما يدعيه من الانسحاب من الحياة و يكشف رغبة قوية في الحياة يخذلها جسده المريض الذي يذوي في انتظار النهاية و تنتصر للحياة بقراره بالخروج من الفيلا في المشهد الأخير في جولة بسيارة والده القديمة بصحبة حفيده و صديقته .