اختتمت أول أمس فاعليات الدورة السابعة لمهرجان' أبوظبي السينمائي الدولي', وهي الدورة التي شهدت عرض العديد من الإنتاجات السينمائية المتميزة. سواء تلك الأفلام التي حصلت علي أهم الجوائز من كبريات المهرجانات الدولية, مثل' كان وفينسيا وبرلين', أو الأعمال التي تمثل التجارب الأولي لعدد من المخرجين المصريين والعرب المتميزين, حيث مثل مصر في المسابقة الرسمية فيلم' فرش وغطا', بطولة آسر ياسين والمخرج أحمد عبدالله, وفي الأفلام الوثائقية فيلم' القيادة في القاهرة' للمخرج شريف الكاتشا, وفي مسابقة' آفاق' عرض فيلم المخرجة الشابة أيتن أمين وبصفة عامة يلاحظ التفاوت في مستوي المشاركة المصرية هذا العام, حيث لم يحظ فيلم' فرش وغطا' برضا نقدي أو جماهيري كبير, نظرا لاستغراق مخرجه في الأسلوبية الشديدة, في محاولة لصنع تجربة مختلفة عن الأنماط السينمائية التي اعتاد الجمهور التعاطي معها, لذلك جاء الفيلم شديد الافتعال, ويحمل قدرا من التعالي علي الجمهور, وتدور أحداث الفيلم حول أحد السجناء الذين فروا من سجن القناطر في أحداث جمعة الغضب. وتدور أحداث الفيلم في قالب' ديكو دراما', وبدا بناء الفيلم مرتبكا, في شكله الفني النهائي, حيث يأخذنا ذلك السجين معه في رحلة منذ لحظة هروبه حيث يلتقي سجينا آخر مصابا ويحاول مساعدته, ولكنه لايستطيع فيعطيه المصاب الذي يشعر باقتراب أجله خطابا لأسرته وهاتفه المحمول, حيث يؤكد له أنه يكشف حقيقية ما حدث, وقد اختار مخرجنا لبطله السجين الهارب الذي لا يتحدث طوال أحداث الفيلم, فهو صامت وكأنه يؤدي بطريقة البانتوميم, وإذا تحدث فهي مجرد همهمات غير مفهومة في أغلب الأحيان. كما أن المخرج قد اختار أحداثا بعينها رغم التباعد الزمني بينهما, ومنها واقعة هجوم البلطجية علي حي الزبالين, وهي الواقعة التي لم تحدث في أعقاب' جمعة الغضب', الإطار الزمني الذي اختاره المخرج من البداية, وأيضا واقعة ملفقة عن اقتحام قوات من الشرطة العسكرية لأحد المساجد بعد وشاية أحد البلطجية؟, وهي الاختيارات التي تثير العديد من التساؤلات حقا, ناهيك عن المبالغة في عدم وجود حوار من قبل عدد من شخصيات الفيلم بدا غير موظف بشكل جيد, بل في بعض اللحظات الدرامية شكل عبئا علي أحداث الفيلم, لذلك كان رد فعل الجمهور باردا مع الفيلم, غير متعاطف معه. وإذا كان المخرج أحمد عبدالله, قد اختار أن يجرب في جمهوره, إلا أن المخرجة الشابة أيتن أمين والتي تقدم تجربتها الروائية الطويلة, والتي عرضت ضمن مسابقة' آفاق' بعنوان' فيلا96', الشكل الدرامي التقليدي, حيث تدور الأحداث في أحد الفيلات التي تغادرها طوال مدة عرض الفيلم, والتي يغشي فيها بطلنا' المهندس حسين', العاشق للقراءة والموسيقي, والذي تجاوز الخمسين من العمر بقليل, ولكنه يبدو أكثر تقدما في العمر بسبب المرض, ولا يتردد علي' حسين' سوي ممرضه تجسدها' هبة يسري', و'سناء' تجسدها' أروي جودة' المصورة الفوتوغرافية, والتي تصغره بنحو عشرين عاما, والتي حرص علي استعادة علاقته معها بعد قطيعة,والمهندس حيدر والذي يعمل معه في مكتبه الهندسي, وخادمه الذي يعيش معه منذ وقت طويل,وفجأة يستأذنه في إجازة بسبب مرض والده. ولكن سرعان ما يجد' حسين' نفسه وجها لوجه أمام شقيقته' نادرة' تجسدها الفنانة الكبيرة لبلبة, والتي تقتحم حياته فجأة وتطلب منه أن تجلس عنده لبعض الوقت, لأنها تقوم بإعادة توضيب شقتها مصطحبة معها حفيدها' سيف', ويجد' حسين', والذي اختار العزلة بكامل إرادته نفسه وسط ناس هو لا يرغب في وجودهم, ولكن سرعان ما تتبدل حياة' حسين', والذي نكتشف بمرور الوقت أنه مريض بالسرطان, وعلي وشك الموت. اختيار موقع تصوير واحد تدور دا خله أحداثه الفيلم يمثل تحديا لأي مخرج, فما بالك بمخرجة تخطو أولي تجربتها الأولي بعد فيلمين روائيين قصيرين, وهما' رجلها,وربيع89', ويبدو أن' أيتن' كانت قادرة علي التحدي حيث استطاعت أن تصنع أجواءه بصرية وإيقاعا سينمائيا يتماشيان مع شخصية البطل, والذي فرض علي نفسه عزله إجبارية, وكأنه كان يرغب في ان يموت وحيدا, ودون أن يسبب ألما لأحد, لدرجة أنه لم يخبر حبيبته ولا شقيقته بمرضه, ويسير السيناريو بمنطق التفاصيل الدرامية الصغيرة, والتي يتم صياغتها لتصب في النهاية في تطور أحداث الفيلم, أو لتكتشف جانبا غائبا عن شخصية حسين, والذي يبدو منذ اللحظات الأولي أنه شخص صعب المعشر, قاس, يتعامل مع من حوله بعصبية وعنف غير مبررين في بعض الأحيان, ولكن شخصيته تتبدل تماما عندما تأتي إليه الممرضة' هناء', والتي يتعامل معها بإنسانية ورقي شديدين, ونري وجها أكثر رقة مع حبيبته وكأنه في لحظة يأخذ من روح المكان الذي ظل متمسكا به, تلك الفيلا القديمة والتي تحمل كل ذكرياته وروح الماضي, والتي باتت أيضا مثل شرنقته, التي صنعها لنفسه, فنري قاع يكون هدوءا ناعمافي مشاهد مراجعته لكتبه في المكتبة وجلوسه للعمل, في حين يتحايل بإيقاع أسرع مع دخول شقيقته والمناقشات الحامية بينهما, ويستبدل كليا مع علاقته بسيف الحفيد وصديقته. وطوال أحداث الفيلم بدا أن المخرج الشابة أيتن أمين موهبة حقيقية تملك أدواتها الفنية, تعرف كيف تدير ممثليها, وتختار زواياها وحركة الكاميرا الناعمة والدافئة إلي أن تتكشف لنا الحقيقة, وهي أن حسين في طريقه للموت, وقد جاءت شقيقته لتقيم معه بعد ان أخبرها الخادم بحالته الصحية المتردية, قد يكون سيناريو الفيلم به بعض الهناء, بمعني أنه كان يحتاج إلي شغل أكثر علي التفاصيل الخاصة بشخصية' حسين', وعلاقته بنادرة شقيقته, وأيضا أصدقاؤه والذي كان يستدعيهم من مخيلته في لحظات وهنه الشديد, وهي اللحظات التي كانت تكشف الجانب الآخر في شخصية حسين, تلك الشخصية المحبة للفن الرقيقة. كانت تلك المناطق تحتاج إلي عمل من جانب كاتب السيناريو لإعطاء عمق أكبر ومعاني أكثر رحابة, ولكن الفيلم تحمل العبء الأكبر فيه إلي جانب المخرجة بطل الفيلم خالد أبو النجا, الذي لا يستطيع أحد أن ينكر حجم المجهود الذي بذله في تجسيد الشخصية وصياغة تفاصيلها, بدءا من إنقاص وزنه وتفصيلية مثل انحناء ظهره, ونبرة صوته, والتي ترق حينا وتصبح خشنة صارمة عصبية في مشاهد أخري, حيث يبدو أن خالد وقع في غرام الشخصية ودرسها بشكل كبير, لذلك استطاع أن يتكلم فيها بالميزان, خصوصا في اللحظات التي يقرر فيها أن يبعد أحدا عن عالمه, أو يدخله فقط في اللحظة التي يريدها, وتعبير وجه في مشهد قبل النهاية والنهاية والذي جاء كمشهد أقرب الي رغبته في ان يكسر عزلته, ويخرج من شرنقته الي النور,عندما قرر أن يخرج الي الشارع مصطحبا معه الحفيد وصديقته في سيارة والده,وكيف اتسع الكادر, وكأنه يري الدنيا لآخر مرة, وهو سعيد بذلك ولا يخشي مواجهة الموت. وسواء حصل خالد أبو النجا علي حائزة أحسن ممثل أو لم يحصل عليها فهو قد أدي دوره ببراعة واجتهاد حقيقي, والفيلم إنتاج محمد حفظي, سيناريو محمد الحاج ومحمود عزت, وتصوير حسام شاهين, ومونتاج عماد ماهر وموسيقي سمير نبيل وبطولة خالد أبو النجا, ولبلبة, وعمر الغندور, يسرا الهواري, وأروي جودة, وسالي عابد, وإخراج ايتن أمين. أما في الأفلام التسجيلية الطويلة فقد مثل مصر فيلم' القيادة في القاهرة', للمخرج شريف الكاتشا, وشريف ولد في أمريكا ثم عاد الي القاهرة لفترة,إلي أن قرر العودة للعيش في بروكلين, وقد أخرج العديد من الأفلام القصيرة إلي أن قدم فيلمه' غرفة التحكم', ومن بعده' قمامة في القاهرة', ويبدو أن شريف الذي عاد إلي القاهرة بعد فترة قد صدمه حال المرور داخل العاصمة, لذلك اختار أن يصور فيلمه عن تلك الظاهرة, والتي قد لا يوجد مثيل لها في العالم, من حيث العشوائية والفوضي التي تحكم الشارع في مصر, وبالطبع للذين اعتادوا علي العيش في القاهرة, بحيث أصبح ما يحدث في شوارع القاهرة جزء من عاداتهم اليومية, في وقت أصبحنا فيه لا نندهش. لذلك فإن اختيار المخرج لتلك الفكرة هو اختيار ذكي بكل تأكيد, وهو ما انعكس علي إحساسه بالحالة, ولاختياراته الذكية أيضا لسائقي التاكسي والميكروباص, حيث اختار' محيط وسط البلد- المعادي- طريق آلاتوستراد', وكانت كاميراته كاشفة لحالة الفوضي تلك, ولكنه عكس أيضا خفة دم المصريين في تعاطيهم مع الزحمة وكيف يتعاملون, واعتمد علي المفارقة في مونتاج الكثير من المشاهد والتي أعطت الفيلم حسا كوميديا كان يجعل صالة العرض تضج بالضحك. ومنها مشاهد تسجيله حول لقاءات مع عدد من قيادات' ضباط المرور', وحديثهم عن ضرورة ايجاد جيل جديد يملك وعيا بالمرور, وكيفية قيامهم بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم, والقطع علي مدرسات يعلمن الأطفال أغاني عن المرور وآدابه, وشكل الشارع, وهؤلاء الذين يجرون بسيارتهم علي الأرصفة, وأيضا المصريين وكيف يصفون الطرق وفي الأغلب يضللون من يسألهم,ومنذ اللقطات الأولي صور لنا شريف مشاهد القاهرة التي يقطنها02 مليونا, ويفد إليها51 مليون يوميا, كأنها مدينة سريالية يتداخل البشر مع السيارات, والميكروباصات, والتوك توك, والموتسيكلات, حيث ترك كاميراته تجوب الشوارع الرئيسية منها والجانبية, لكنه في الوقت نفسه لم ينس أن يرصد حالات التفاوت الطبقي في المجتمع المصري, وتأجيل بوضوح في الشارع, ولم ينس أيضا حس السخرية لديه عندما صور مشاهد القاهرة في وقت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي مصر في عهد الريئس الأسبق مبارك, وكيف تحملت القاهرة وصارت خاوية كأنها مدينة أخري, وفي مشاهد آخر, ومن خلال شهادات عكس الأساليب الملتوية كيف تلعب دورا في استخراج الرخص وأيضا الرشاوي التي تقدم فيلم شريف معبرا عن مدينة القاهرة بكل تناقضاتها, أثقله فقط الإطار السياسي, والذي ركز عليه المخرج في الثلث الأخير من الفيلم, والذي تناول فيه الأحداث التي مرت بمصر منذ نهاية حكم مبارك وحتي إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية, بعد فوز المعزول محمد مرسي, ولكنه يظل فيلما وثائقيا شديد الأهمية والحيوية, والفيلم تصوير ومونتاج وإخراج شريف الكاشطا.