تداول المصريون في أحاديثهم، وعلى صفحات فيسبوك ومواقع الإنترنت اسمي المقدم عصام شوقي، واللواء حسن عبد الحميد، بإعجاب وحب يصل إلى اعتبار كل منهما بطلا قوميا. بعدما أدليا بشهادتي حق ضد المخلوع ووزير داخليته المتهمين بقتل المتظاهرين. ففي ذروة إحباط أهالي الشهداء والمصريون جميعا أهالي الشهداء إثر تغيير بعض شهود الإثبات أقوالهم في المحكمة عن شهاداتهم في النيابة، وتردد أقاويل عن ضغوط تمارس ضد شهود الإثبات، جاء الشاهد الثامن المقدم عصام شوقي ليؤكد على إصدار أوامر للشرطة قبل يوم 28 يناير باستخدام “أي وسيلة” لمواجهة المتظاهرين، وقدم قرصا مدمجا عن ملابسات إطلاق النار على المتظاهرين. كما شهد اللواء حسن عبد الحميد مساعد وزير الداخلية لقوات الأمن والتدريب الشاهد التاسع أن التعامل، الذي تم مع المتظاهرين أثناء الثورة يفوق الحد المسموح به في فض المظاهرات العادية، وأنه شاهد بنفسه دهس المتظاهرين. وتعالت تكبيرات أهالي الشهداء واهتزت قلوب المصريين طربا بشهادة الحق يقولها اثنان من ضباط الشرطة، أثبتا أن من أبناء الشرطة أحرارًا لم يبيعوا ضمائرهم لطاغية. كما اهتزت قلوب المصريين شفقة وقلقًا على الرجلين، وانتشرت الدعوات على مواقع الإنترنت تطالب بحماية الشاهدين؛ حتى قبل أن يعلن أعلن اللواء حسن عبد الحميد في حديث تليفزيوني عن تلقيه تهديدات تليفونية بالقتل! ولعل هذا الموقف، إذا ما أحسنت وزارة الداخلية استغلاله، يكون بداية لعودة ثقة المواطنين في ضباط الشرطة، بعدما محتها عقود من ممارسات القمع والتعذيب، قام بها ضباط تمت برمجتهم على أن وظيفتهم الأولى هي حماية المخلوع ونظامه الفاسد بأي ثمن. وفي سبيل ذلك، تركت لهم حرية ممارسة الفساد، والتعامل بسادية مع المواطنين لتعويض إحساسهم بالمهانة من الرتب الأكبر. ولعلها تكون فرصة يثبت فيها ضباط الشرطة أنهم بالفعل أبناء وأخوة لمواطنيهم؛ بعدما أظهرت الفترة الأخيرة أن هناك من ضباط الداخلية من لم يصدق بعد أن ثورة قد قامت؛ ويتعامل كما لو أن هناك ثأر بينه وبين المواطنين، لأنهم انتفضوا على القهر والقمع وامتهان المواطنين وإذلال كرامتهم. وهؤلاء للأسف يفعلون كمن يفقأ عينيه بأصابعه ثم يشكو من عدم قدرته على الرؤية. فهم يحتجون على ما يقوم به بعض المواطنين من تمرد واستهانة بهيبة الشرطة.. متجاهلين أن “من بدأ المأساة ينهيها” أو كما يقول المثل الشعبي “اللي يحضر العفريت يصرفه”.. وأن “من طالت عصاته قلت هيبته”.. فلم يكن جهاز الشرطة في عهد المخلوع ووزيره للتعذيب، سوى أداة بطش تظهر أنيابا وحشية وجبروتا في وجه البسطاء، وتغمض عينيها في مذلة واستكانة أمام جرائم النافذين.. وهو وضع لا يسبغ أي هيبة أو احترام على صاحبه؛ خاصة وقد زكمت الأنوف فضائح رشى وتستر على الفساد قام بها أفراد من هذا الجهاز. وينبغي أن يعلم هؤلاء أن الحل الصحيح للأزمة بينهم وبين المواطنين، هو الاعتراف بخطأ ما كان سائدًا من ممارسات مهينة لمواطنيهم.. وقد ظل بعض الضباط يبررون تراخيهم وتقاعسهم عن أداء واجباتهم الوظيفية بعد الثورة ما ساهم في استشراء الانفلات الأمني بأنهم مجروحين من تطاول المواطنين عليهم.. وطالب بعضهم المواطنين أن يدركوا أن ضباط الشرطة أبناؤهم وأخوتهم، ناسين أنهم هم من بدأوا معاملة مواطنيهم بالقسوة والقهر والامتهان.. ولن يقلل من هيبتهم أن يبدأوا هم التدليل على أنهم بالفعل أبناء وأخوة، ليسوا عصيا في أيدي الطغاة أو أسواطا تجلد ظهور أهلهم.. على قادة الداخلية أن يدركوا أنه لم يعد مقبولا إلقاء مسئولية الانفلات الأمني على الثورة والثوار، وأن استمرار هذا الانفلات الأمني سيفقدهم ما بقي من هيبتهم، وسيظل سبة في تاريخهم ودليلا على عجزهم. ولن يستعيدوا هذه الهيبة إلا بأداء واجبهم الحقيقي في إعادة الأمن وحماية المواطنين، لا بقمع المعارضين، وإنما بملاحقة البلطجية الحقيقيين، وفي نفس الوقت تحسين أسلوب الضباط في التعامل مع مواطنيهم. فقد ثبت أن القمع لا يخلق هيبة ولا يبعث على الاحترام. ولتكن البداية الصحيحة بتوفير الحماية والاحترام اللازمين للمقدم عصام شوقي واللواء حسن عبد الحميد؛ وتسليط الضوء على ما يتمتعان به من نزاهة واحترام أكسباهما حب المواطنين، الساخطين على سلوكيات الشرطة طوال عقود القمع. وعلى الداخلية أن تقدم المزيد من النماذج التي تعيد للمصريين الثقة في أن أفراد الشرطة أبناؤهم بالفعل، لا أدوات لقهرهم. عليها أن تمد يدها بالسلام أولا، وأن تكون البادئة في غرس الثقة مرة أخرى في قلوب المصريين، عبر تعديل منهجها في التعامل مع المواطنين باعتبارهم في المقام الأول أهل يستحقون الحماية لا مجرمين يستحقون العقاب. وليس أطيب من قلوب المصريين ولا أقدر منهم على التسامح، إذا شعروا فقط بحسن النية في إزالة ما علق في الذاكرة من ممارسات استمرت عقودًا. تحية احترام واعتزاز وحب للابن المقدم عصام شوقي، وللأخ اللواء حسن عبد الحميد، حفظهما الله من كل شر، فقد أثبتا بالفعل، وليس بالقول، أن من أفراد الشرطة من نشرف أنهم أبناؤنا وأخوتنا.