على مساحة 58 كيلو مترًا مربعًا تمتد منطقة الضبعة النووية شمال غرب جمهورية مصر العربية، تلك المنظقة التي ثار حولها جدل علمي وسياسي واقتصادي طويل منذ الإعلان عن اختيارها لإقامة محطة للطاقة النووية.. "البديل" ذهبت إلى المنطقة لاستكشاف الأمر على طبيعته ومعرفة وضعها الحالي.. عند زيارتنا للمنطقة، لم نجد بها إلا 3 منشآت متهالكة تابعة للهيئات النووية والسور المنهدم الذى وضعته الهيئة حول المنطقة قبل ثورة يناير. وبالتجول داخل الأرض وجدنا الآلاف من الأفدنة البور عليها جذور من شجر الزيتون والتين الخصيب "الميت"، وبعض الأهالى يرعى الغنم والجمال على مناطق متفرقة، والبعض الآخر نصب شبكته على الشجر لاصطياد الطيور المهاجرة، وآخرين ينتظرون على الشاطئ لاصطياد الأسماك عن طريق "الديناميت". والتقت "البديل" بالأهالى فى المشروع، لتعرف موقفهم من تنفيذ المحطة، وما بنود الاتفاقية مع مكتب المخابرات الحربية والقوات المسلحة ومطالبهم التى بناء عليها تم تسليم الأرض؟ إضافة إلى التوقف على مساحة الأرض وماهيتها والزراعات التى كانت عليها قبل التفكير فى إنشاء المشروع، وما حجم الخسائر التى شهدها الموقع بعد اقتحامه أثناء ثورة 25 يناير. يقول أبو بكر الجرارى شيخ الدعوة السلفية بمحافظة مطروح، والمتحدث الرسمى باسم أهالى أرض المشروع النووى "إننا قمنا بتسليم الأرض للهيئة النووية بعد تفاوضنا مع مكتب المخابرات الحربية بمحافظة مطروح والقوات المسلحة والاتفاق على عدة شروط من بينها ضمان سلمية المحطة وعدم تأثيرها السلبى على حياة المواطنين، وأن يكون للأهالى الأحقية بالتوظيف فى المشروع، وضمان مشاريع استثمارية ينتفع منها جميع الملاك للأراضى، وكذلك تعويض مادى عادل لهم، إضافة إلى إلغاء الحزام الأمنى حول المنطقة، وأن تقلص مساحة المشروع ليمتلك الأهالى جزءًا من الأرض تكون بناحية البحر". وأضاف الجرارى أن القوات المسلحة وافقت على جميع الشروط، مع التأكيد على البدء فى تنفيذ المحطة حال ضمان سلمية المشروع تمامًا، موضحًا أنهم وقعوا وثيقة بذلك، "حيث وعدنا الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع أن القوات المسلحة ستهدينا بجانب تلك المطالب منطقة سكنية استثمارية بالقرب من أرض الضبعة؛ لجعلها مسكنًا لنا تعويضًا عن أرض الضبعة". وتابع الجرارى "نشأنا على هذه الأرض منذ وجود القبائل العربية فى الصحراء الغربية، أى قبل قيام الدولة بعهديها الملكى والجمهورى، والمعيشة كانت على مياه الأمطار وزراعة القمح والشعير"، مشيرًا إلى وجود عدد من الآبار الجوفية منذ عهد الرومان والتي ينتفع بها الأهالى. ولفت الجرارى إلى أن الأهالى بمنطقة الضبعة يعانون من عدم توفر المتطلبات الأساسية فى المعيشة من "المسكن والمأكل والصحة والتعليم" بعكس باقى مواطنى الجمهورية الذين يبحثون عن الرفاهيات وكيفية تطوير حياتهم. وأشار إلى أن تعداد سكان منطقة الضبعة يصل إلى 85 ألف مواطن، مصححًا ما صوره بعض الإعلاميين من أنها قرية صغيرة، وليس لنا أى حق من حقوق المواطنة. وعن بدء فكرة المشروع النووي قال أبو بكر الجرارى "إن أول علمنا بإقامة المشروع النووى كان عام 1981 فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث كانت بداية القرار أن تكون المحطة على أرض برج العرب بمحافظة الإسكندرية، وبعد رفض المحافظة وقتها إقامة المشروع على هذه الأرض لخطورته وقربها من المنطقة السكنية، تحول المشروع إلى أرض الضبعة". وتابع أنه في البداية تم تحديد مساحة 15 كيلو مترًا مربعًا طولاً مع عرض 4 كيلو مترات بالمنطقة، حيث تم شراء الشجرة وقتها من الأهالى بقيمة 5 جنيهات والبيت ب 600 جنيه، وتم حصد جميع الزراعات وإزالة جميع المبانى من المنطقة، مشيرًا إلى أن الأهالى لم تأخذ جميع ما نص عليه من التعويضات إلا عام 1997، وأن بعض الأهالى رفضت أخذ التعويض وقتها وما زال هناك البعض الرافض للمشروع تمامًا. وأضاف أنه بعد حادث مفاعل تشيرنوبيل الروسية عام 1986، تم وقف المشروع للمرة الأولى؛ ليفاجأ الأهالى بعدها بتحويل المشروع الذى كان من المفترض أن يكون نوويًّا إلى مشاريع زراعية؛ لتوقع الهيئة النووية عقودًا مع وكالات الخضار لشراء "التين والزيتون"؛ حيث إن أراضى الضبعة من أفضل أراضي إنتاج هذه المحاصيل في العالم، وكذلك إنشاء مشاريع سياحية على شواطئ الأرض، مع منع أهالى المنطقة من دخولها. وأوضح الجرارى أنه في عام 2003 تم طرح إنشاء المشروع النووى مرة أخرى، وقاموا بطرد جميع الأهالى بطريقة وحشية من المنطقة، وهدمت قوات الأمن البيوت فوق أصحابها، حيث إن بعض السكان طالبوا بأخذ تعويضات بديلاً عن المقتنيات التى كانت تحت الأنقاض. وأشار إلى أنه بعد إخلاء قوات الأمن المنطقة من جميع المتواجدين بها، تم بناء سور حول المشروع، وبدأت الهيئة النووية فى عمل الدراسات، وتهديد كل من يقترب من الأهالى بناحية المشروع من الاعتقال. وأوضح الجرارى أنه خلال هذه الفترة قام جميع الموظفين بالمشروع من المحافظات الأخرى بالتوسط لتعيين أقاربهم؛ لنجد جميع العاملين بالمشروع من خارج المحافظة، إضافة إلى قيام الهيئة النووية برفع قضايا على الأهالى بدون أسباب واضحة. وتابع الجرارى "كل هذا الظلم الذى تعرضنا له خلال هذه الأعوام خلق حالة من الاحتقان بين الأهالى الذين كان مصدر رزقهم الوحيد رعى الأغنام وصيد السمك، إلى أن قامت ثورة 25 يناير؛ لنقرر بعدها الاعتصام السلمى أمام المحطة؛ للمطالبة بحقوقنا المهدرة والشرعية، حيث كان ملاك الأراضى وهم 15 قبيلة قد فوضونى للتحدث باسمهم. وعن مطالبهم قال الجرارى إنها أثناء الاعتصام كانت السماح للأهالى بدخول الأرض التى لم يُبْنَ عليها شيء من الأساس؛ لرعى أغنامهم، وكذلك صيد السمك من على الشاطئ، إضافة إلى التوظيف بالمحطة. وأوضح الجرارى أنهم أثناء الاعتصام شكلوا لجانًا شعبية لحماية المواقع المهمة بالمشروع من "محول الكهرباء، ومنطقة الزلازل، ومحطة تحلية المياه"، مشيرًا إلى أنهم قاموا بالاتصال بالهيئة النووية للحضور لاستلام هذه الأجهزة. وتابع "بعد ذلك استغل بعض تجار الخردة حالة الانفلات الأمنى التى كانت تعيشها مصر ليقوموا بالسطو على المشروع وسرقة بعض محتوياته"، مشيرا إلى أن أهالى المنطقة قبضوا على العديد منهم وسلموهم للشرطة، ليفاجؤوا بقيام الأمن بتركهم بعد فترة بسيطة دون عقابهم. وأضاف أنه "خلال العامين الماضيين وبعد تخوف عدد من شباب المنطقة من المشروع النووى زادت مطالبنا؛ لنقرر عدم موافقتنا على إقامة المحطة إلا بضمان سلامته". وأكد الجرارى أنم لم يعترضوا يومًا على إنشاء المشروع النووى، "حيث إننا ذهبنا إلى الرئيس المعزول محمد مرسى والدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء وقتها أكثر من مرة، للاتفاق على عدد من المطالب بناء عليها ينفذ المشروع، ولم يتم الاستجابة لنا". وأشار إلى أنهم اجتمعوا مع بعض علماء الطاقة النووية التابعين للهيئة، والذين انقسموا إلى مؤيدين لبناء المشروع، ومعارضين بسبب تخوفهم من الإشعاعات النووية، وهو ما خلق حالة من الريبة بيننا، ليكون أول اتفاقنا مع القوات المسلحة عدم بناء المشروع إلا بضمان سلامته، وبناء على ذلك سلمنا الأرض. فيما أكد مستور بو شكارة المنسق العام لأهالى الضبعة أنهم اتفقوا مع القوات المسلحة على البقاء بالأرض لممارسة الزراعة ورعى الأغنام لحين إقامة المشروع كاملاً، وقال "لا يوجد لدينا اعتراض على إقامة المحطة النووية، ولكن يجب أن نضمن حقوقنا المشروعة، وعدم إضرار أحد من الأهالى". ولفت مستور لخطورة تهجير أهالى المنطقة وما نجم عنها من تحول كبير في طبيعة حياتهم ورزقهم قائلاً "كان الأهالي يعتمدون على الزراعة ورعى الأغنام وصيد السمك، وحينما تم تهجير الملاك من الأرض، بدأ البعض منهم فى البحث عن مصدر رزق ولم يجدوا سوى تجارة الأسلحة والممنوعات الأخرى"، موضحًا أنه توجد مساحات شاسعة خالية من السكان بالصحراء الغربية، فلماذا لم يتم استغلال هذه المساحة وترك أرض الضبعة للأهالى للعيش من خلالها؟! وتابع مستور "نريد أن نحافظ على هويتنا وتراثنا ولغاتنا، فإذا أرادت الدولة بناء مشروع، فيجب عليها تعويض الأهالى وإيجاد عمل بديل لهم؛ لكى لا نضيع مثل أبناء النوبة". وأشار إلى أن أكبر مشاكلهم تتمثل فى عدم توفير المياه، "حيث إننا نأخذها خلسة من المواسير التى تمر علينا متجهة إلى أهالى مدينة مطروح، متسائلاً "كيف نحرم من المياه وهى تمر بأرضنا؟!". وعن الأضرار الاقتصادية يقول مستور إنه "كان توجد سابقًا بالأرض زراعات تتمثل أهمها فى أشجار "التين والزيتون"، ولكن بعد اقتراح العمل بالمشروع تم تبوير الأرض، وحتى الآن لم ينفذ المشروع، ولم نستفد بشيء سوى تهجيرنا وحرماننا من حقوقنا"، قائلاً في حسرة "الدولة أماتت فينا روح الوطنية بحرماننا من التعليم والصحة وتوفير العمل، حيث إنه لا يوجد بالمنطقة موظف حكومى واحد". وأوضح مستور أن "ما يخيفنا هو تأكيد الخبراء النووين أن المشروع طرح للتنفيذ قبل الانتهاء من جميع الدراسات الخاصة بسلامته، وهو ما يعرض المشروع للخطر"، مشيرًا إلى أنه لم يتم الانتهاء حتى الآن من دراسة الكهوف والفوالق بالتربة، الأمر الذى سيؤدى إلى كارثة فى حال عدم اكتمال دراسة هذه الأشياء. وقال فايز رشوان أحد أهالى منطقة الضبعة "إننا لا نريد شيئًا من الدولة سوى توفير حقوقنا المشروعة"، موضحًا أنهم لم ولن يقفوا يومًا فى طريق مصلحة الشعب المصرى، "مع العلم أنه يوجد شعور مؤكد لدينا أن المشروع لن يقام بسبب صرف الدولة الملايين عليه أكثر من مرة منذ عام 1981، وإيقافه بعدها أكثر من مرة بدون أسباب واضحة، وهو ما خلق حالة من اليأس داخلنا بسبب مخالفتهم للوعود، وشعرنا بالإحباط، خاصة بعد خسارة أراضينا التى لم نستفد منها بشيء حتى الآن". وأضاف رشوان أن "تخوفنا الوحيد هو خطورة المشروع، ففي خلال الفترة الماضية حضر الدكتور خليل ياسو رئيس هيئة المحطات النووية إلى الأرض وأمرنا بهدم مبنى كان به إشعاع نووى، وهذه الحادثة جعلت بداخلنا شيئًا من الشك". وأوضح رشوان أنه لا يوجد لديهم اعتراض على تحويل الأرض إلى مشروع سياحى، مشيرا إلى أن شاطئ المنطقة من أجمل شواطئ العالم؛ حيث تستطيع السباحة به على مسافة داخلية تصل ل 800 متر بارتفاع لم يتعدَّ مترًا واحدًا، إضافة لجمال شاطئه ونقاء هوائه. وقال عبد المنعم إسرافيل، المتحدث الرسمى لمقر مجلس العمد والمشايخ بمطروح، إنه من حق الأهالى أخذ جميع حقوقهم وتنفيذ متطلباتهم، مشددًا على أنه إذا أرادت الدولة بناء مشروع، فيجب عليها تعويض الأهالى. وأضاف إسرافيل أن على الدولة توفير السكن المناسب، وتخصيص مصالح حكومية ومستشفيات لعلاجهم، ومدارس لتعليم أبنائهم، مختتمًا "وهي أقل الحقوق التى يجب أن يحصل عليها الأهالى".