شهدت الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر وحتي أوائل القرن العشرين الكثير من المشروعات النهضوية والإصلاحية التي أعدها المفكرين والعلماء ، وكثيرا ما تثير كلمة " النهضة" جدلا واسعا في مجتمعاتنا العربية ، ربما يرجع السبب في ذلك الي فشل بعض هذه المشروعات أو عدم تحقيقها التأثير المتوقع ، وفي ظل ما يشهده العالم العربي والإسلامي الآن من تغييرات سياسية، ومن ثم اجتماعية وثقافية ، أصبح من الضروري تأمل التجارب النهضوية لمعرفة مواطن القوة والضعف فيها ، وكذلك لمعرفة كيفية الإستفادة منها في إحداث تغيير فعال ودائم في المجتمع فلا شك أن الكثير من هذه التجارب قد حققت تأثيرا إيجابيا ما في مجتمعنا، وإلا ما كانت محلا للنقاش الآن من جانب المحللين والمفكرين. " ما هي نتيجة المحاولة النهضوية للرواد الإحيائيين " عبدالرحمن الكواكبي ، جمال الدين الأفغاني ، محمد عبده ، رشيد محمد رضا " هل حققت النجاح المتوقع؟ وما أكثر هذه التجارب نجاحا؟ حول هذه الأسئلة دار النقاش في الجزء الأخير من الحلقة النقاشية التي نظمها فريق معرفة بالتعاون مع وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية. وقد أجمع الباحثين المشاركين في الندوة علي أنه رغم الجهد الذي بذله الرواد الإحيائيين ورغم التضحيات التي قدموها في سبيل انجاح أفكارهم ومشروعاتهم من نفي وسجن وتشريد إلا أن تجاربهم لم تحقق نجاحا يتناسب مع حجم ما حملته مشروعاتهم من أفكار نهضوية وإصلاحية ، مشيرين الي أن السبب في ذلك يرجع الي تركيزهم الكبير علي النخبة، وعدم التفاتهم الي عامة الناس، ومن ثم عزلت الجماهير سواء بقصد أو بغير قصد وأقصيت عن المشاركة الفعالة في صيرورة النهضة. وقال الباحث بسام سالم أن أغلب الرواد كانوا يركزون علي النخبة وكانوا يرون أن إعداد نخبة مثقفة واعية حلا لتطوير المجتمع ومن بين هؤلاء الرواد " عبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده اللذان كانا يرا أن الصفوة هي التي لابد وأن تمسك شؤون البلاد مشيرا الي أنهم لم يلتفتوا لعامة الناس. كما أضاف سالم الي أن الخطابات النهضوية للرواد الإحيائيين كان يسودها الغموض في الكثير من الأحيان وأن هذا الغموض كان يثير الإشكاليات حول أفكارهم من جانب المتشددين ،مؤكدا علي أن السبب الرئيسي في عدم تحقيق مشروعات النهضة النجاح المتوقع هو الإفتقار كذلك الي التوفيق بين النظرية والتطبيق. وأوضح قائلا: " الكثير من الأفكار التي طرحها الإحيائيين في مشروعاتهم لم تخرج عن نطاق التنظير فلم ينزلوا الي الشارع ليتناقشوا ويتبادلوا الحديث مع عامة الناس ومن ثم لم تصل هذه الأفكار الي الجماهير ، ومن ناحية أخري كانت السلطة تسعي الي عدم تسريب أو وصول هذه الأفكار النهضوية الي الجماهير ". ومن ناحية أخري رأت أستاذة التاريخ الحديث بجامعة الإسكندرية " أميرة إبراهيم" أن الخطاب النهضوي للإحيائيين لم يحقق النجاح المتوقع لأنه خطاب مرتبط بظرفية التدخل الإستعماري في العالم العربي، ومن ثم يمكن أن نطلق عليه خطاب رد فعل أو خطاب معركة سياسية حيث ارتبط من البداية بقضية الإستعمار. بينما رأي " رامي إبراهيم" مؤسس فريق معرفة أن الأفغاني ومحمد عبده نجحا في التوفيق بين العناصر المتضادة في المجتمع العربي، والتي شكلت صراعا عنيفا منذ بداية الحقبة الإستعمارية، وذلك من خلال المناداه بضرورة التمسك بالهوية الإسلامية، وكذلك الأخذ من الغرب ما يتناسب معها، مشيرا إلى أن ذلك أتاح للفكر العربي أن يتطور كما أدى الي تأسيس قواعد سليمة للحوار ، غير أن إبراهيم يري أن هذا التوفيق لم يستمر طويلا، وذلك من خلال عودة إنقسام الخطاب النهضوي بين تيار سلفي عاش على أفكار الأصالة الإسلامية وقد مثله محمد رشيد رضا ، وتيار حداثي عاش علي الأفكار الليبرالية لمحمد عبده مثل لطفي السيد وطه حسين ، لينفتح الباب أمام مرحلة طويلة بين أفكار الحداثة والآصالة.