همس في أذنها: - اليوم وأنا عائدٌ من السوق وقعت من سلتي الصغيرة ليمونة، كانت جافة متشققة وجلدها ملئٌ بالبثور.. تدحرجت وتدحرجت.. وأنا أجري وراءها حتى وقَفَتْ أمام بابكِ..وصلتُ إليها والتقطتُها وعيني لا تفارق شباكك.. رأيتُها ذهبيةً تخطفُ الأبصار..ذُقتُها فوجدتها تقطر شهداً وعسلا.. ردت: - خرجت من داري في الظهيرة..وجدت أمام بابي ليمونة جافة متشققة وجلدها ملئٌ بالبثور.. ليس فيها ما يغري أحداً أن يذوقها أو أن يعضها بأسنانه..أما القطرات القليلة التي اعتصرتُها منها بعد جهدٍ مميت..فكانت شديدة المرارة.. ............................................ 2-ذوبان:- بينهما مائدة وكوب ماء ... وحائط من الصمت ... قفزت في كوب الماء وسبحت حوله عدة مرات ثم اتكأت على حافته بمرفقيها وقالت: - سأسبح في الكوب حتى أذوب .. وعندها اشربني حتى أتوحد بك وأظل معك دون أن أضايقك ... أومأ برأسه في موافقة صامتة .. تابعتها عيناه وأجزاء جسمها تختفي بالتدريج حتى تلاشت تماماً.. رفع الكوب إلى شفتيه ثم – بعد لحظة تفكير – سكبه حتى آخر قطرة في حوض الزرع القابع على يساره ..................................... 3-لسان عصفور:- عصفورٌ أزرق حط على شباكي وانطلق يغرد لحناً يجسّد كل جمال الوجود .... لما انتهت أنشودته قال: - اسقني .... أتيتُ بماءٍ بسكر وماءٍ بشهد وماءٍ برحيق الكرز وماءٍ بعصير الورد، هز رأسه وهمس: - لا يروي عطشي إلا الدموع .... .................................................. 4- حصار:- كالعادةِ، الغزاة يحاصرون المدينة. يمنعون عنها الطعام والدواء. يقطعون عنها الماء. يغرقون ليلها في ظلامٍ داجٍ لا تلتمع فيه إلا ألسنة اللهب المتصاعدة من البيوت المحروقة. ترميها مجانيقهم بالصخور. ويسودُّ نهارها بسحب الدخان ... في الداخل يقف أهل المدينة؛ يبنون الأسوار المتهدمة. يطفئون نيران الحرائق. يداوون الجرحى ويدفنون الموتى. يخبزون الأرغفة بما تبقى لديهم من طحين. يأكلون الحيوانات النافقة إذا اشتد بهم الجوع. وفي الليل يتبادلون القبلات والأحضان وينجبون أطفالاً يملأون المدينةَ المحاصرةَ بهجةً وأغانٍ ... وشهداء ... ................................................. 5-محاكمة:- قال القاضي بنبرة صارمة ووجه متجهم: - أنت متهم بقيادة السيارة اليابانية متجاوزاً كل السرعات المقررة في محاولةٍ للوصول إلى الجرة الذهبية عند نهاية قوس قزح، مذنب أم غير مذنب؟ - يا جناب القاضي...دعني أفسر.. قاطعه: - مذنب أم غير مذنب؟ - مذنب.. نظر القاضي في عينيه وقال: - ظللت تطارد الوهم كالمجنون رغم وجود منجم ذهب في قلبك ما كان يحتاج منك إلا إلى قليلٍ من الصبر والدأب حتى تفتح ممراته المسدودة وتغترف منه ما تشاء.. مذنب أم غير مذنب؟ - مذنب.. - إذن حكمت المحكمة عليك أن تظل ترى ذهب قلبك بعينيك وألا تمسه أبداً بيديك، وكلما اقتربت منه خطوة يبتعد عنك خطوتين، وتقضي بقية عمرك في لوعة التوق إلى ما تملكه ولا تستطيع أن تصل إليه ولا يسعك أن تنساه.. رفعت الجلسة.. قال متضرعاً: - الرحمة.. وجاءه الرد القاطع: - لا رحمة للأغبياء