كاتب النقوش (الهيروغليفية) على حجر باليرمو, هو أقدم المؤرخين, بإجماع بين الأثريين وعلماء المصريات في العالم, إذ يحتوي ذلك الحجر على أقدم قوائم لحكام العصور القديمة, مقترنة بشرح لعدد سنوات حكم كل منهم, والإنجازات الكبيرة والأعياد والإحتفالات, وسنوات الفيضان المميزة بالغزارة والخير الوفير. كُتب الحجر في عصر الأسرة الخامسة من الدولة القديمة, وترجمت نصوصه بأكثر من لغة, مع حرص –ربما متعمد- على عدم إنتشار تلك الترجمات كاملة. إحتوت قائمة ملوك مصر على إسم أول وأقدم الملوك, "حورس" (صاحب أول محاولة توحيدية لأرض النيل 7500 ق.م), كما تضمن إسم "سبا-سركت" الشهير بالملك العقرب الذي أعاد للبلاد هيبتها وقوتها بعد فترة من الصراعات, فهو صاحب التوحيد الثاني (4500 ق.م), كذلك بالقائمة الحجرية إسم الملك "آمون" الذي إعتمد الكتابة وأمر بنشرها عن إقتناع بعد معارضة سنوات لمخترعها الفذ "تحوتي", كذلك تضمنت القائمة إسم الملك الشهير "مينا" المعروف بموحد القطرين, بينما هو في الحقيقة أعاد البلاد لوحدتها وقوتها وقام بتأديب مثيري القلاقل من سكان البحر المتوسط المتسللين وسط أهالي الشمال, وصور ذلك في صلايته المعروفة بإسم "لوحة نارمر". تكرر عرض إحتفالات الملوك بذكرى توحيد الأرضين, تحت إسم "سما-تَاوي", و"ضُم-تَاوي", و"حِب-تاوي", مدمجة مع إحتفالات الجلوس على العرش, يوم 21 بابه, وذلك لثلاث مرات متفرقة, بحيث يصبح الثابت المحقق هو المناسبة "توحيد الأرضين", وموعدها المُرجح 21 بابه, بينما تحديد إسم صاحب ذلك الإنجاز ليس بنفس الدرجة من الحسم, عكس الشائع بين العامة والخاصة. في قوائم الملوك بحجر بالرمو, لم يقترن ذكر توحيد القطرين بالملك "مينا" وحده, بل أظنه مفهومًا ومنسوبًا ضمن الأعمال الجليلة لكل الملوك العظام, بداية من "حورس", أول ملوك مصر الموحدة, مرورا ب "سبا-سركت", وحتى "أحمس" و"أمنحتب الأول" و"تحتمس الثالث", إذ تصفه نقوش معبد "موت" في الكرنك بموحد القطرين, وذلك بمناسبة إحتفاله ب"حِب-تَاوي", أو عيد الأرضين. لا أعرف سبب تركيز الكتاب, خاصة الحكوميين, على إعتماد تاريخ مصر إعتبارًا من الملك مينا, وباقي الأسر الثلاثين, فقط, إعتمادًا على قوائم المؤرخ السمنودي "مانيتون", رغم عدم العثور على الأصل المكتوب بإسم ذلك المؤرخ, وإنما المتداول منها هو رواية منقولة عنه لمؤرخ عبراني من سكان الإسكندرية إسمه "يوسفيوس", لم تسلم كتاباته من دس الأخبار والروايات العبرانية ضمن الوثائق القديمة, وأشهرها تلك التي يروج لها –الآن- البعض تحت إسم "الجيبتانا" عن رواية شفاهية أو رؤيا لمنام أحد الكهان الحالمين من ريف الدلتا. أظن تاريخ مصر, يجب أن تعاد كتابته, وفقًا لما أصبح متوافرًا الآن من أكوام الوثائق, إعتبارًا من عهد "حورس", وأن يتم تقسيم المراحل التاريخية, وفقًا للإنجازات الحضارية, مرورًا على أسماء الملوك, وليس العكس, وهذه المهمة أصبحت أكثر سهولة بعدما تجمع للباحثين في العالم من وثائق وقرائن متعددة يمكن الإعتماد عليها, وبناء تسلسل زمني حضاري, يفيد في التعامل مع أحداث المستقبل. كما أظن أنه حان الوقت لعمل جماعي قد يبدأ من نشر ترجمة موثوقة لنقوش حجر باليرمو, ولا مانع من تمكين أصحاب المدارس والرؤى المختلفة من شرح تلك الترجمات وفقًا لرؤاهم, فمن ذلك كله يتم إيضاح الحقائق بشكل أفضل, خاصة لو إقترنت تلك الترجمات والدراسات بغيرها من القوائم القديمة, كقائمة تحتمس الثالث في معبد الكرنك, وقوائم معبد سيتي الأول في أبيدوس, وقائمة رمسيس الثاني في سقارة, وبردية تورين, ولوحة العائلات (شجرة الأنساب) في متحف لندن, وغيرها من القوائم والوثائق والقرائن, ولا مانع من مضاهاة كل ذلك على القائمة المنسوبة للمؤرخ المصري "مانيتون السمنودي", على الأقل لتنقيتها من المعلومات المدسوسة عليها من أهل الغرض والهوى. ولربما يأتي الوقت لتصحيح بعض الأخطاء الشائعة, المجبرين على التعامل معها, لنقول: عيد توحيد الأرضين___إيد واحدة من عهد حورس http://www.facebook.com/events/494407373917806/