"الحلويات" أو "فواكه اللحوم" مسميات لا تعرفها عزيزي القاطن الزمالك أو مصر الجديدة، بل يعرفها هؤلاء البسطاء الذين نسوا شكل وطعم اللحمة، هؤلاء الذين يعيشون علي هامش هذه الحياة، يفصل بينهم ساعات على عيد الأضحى المبارك ولكنهم لا يستطيعون أن يحتفلوا به كالآخرين من شراء اللحوم الاضحية بالخراف، ولكنهم يمتلكون الرضا والسعادة يجعلهم يتحايلون علي هذه المعيشة الشاقة ويحتفلوا بالعيد على طريقتهم من شراء لحمة الرأس والفشة والبمبار والكوارع، فإذا كان الأغنياء يستولون على جسد الذبيحة الخارجية، فهؤلاء الفقراء المهمشين يتعاملون مع ما يتبقى من الذبح على أنه حلويات تلون أيامهم التعيسة بفرحة العيد. تجولت "البديل" في مدبح السيدة زينب لتتعرف على مظاهر استقبال عيد الأضحى المبارك، ورصد حركة البيع والشراء من المواطنين لمستلزمات العيد. الحلويات هى بديل الغلابة عن اللحوم في عيد الأضحى ارجل عجوز يتجاوز من العمر 60 عاما بسرواله الصوف الملطخ بالدماء ويرتدي حزام حول خصره مليء بالسكاكين ذات الأحجام والأشكال المختلفة، ولكنه يقف أمام عربته الصغيرة بكل حيوة ونشاط وسط زبائنه، يقطع الكوارع على "الأورمة" بمنتهى القوة والعزم، التفت إلينا والابتسامة تملأ وجه المليء بالتجاعيد صائحا.. كل سنة وأنتم طيبين" ..إنه المعلم حماده البديوي – بائع فواكه اللحوم – بمذبح السيدة زينب. وبسؤاله عن بضاعته قال "لو لفيتي المدبح كله مش هتلاقي زحمة إلاعند بائعي الحلويات، إحنا الغلابة بنقول على "عفشة" الخروف أو الدبيحة حلويات أو فواكه اللحوم، يمكن نضحك شوية بها علي حالنا المايل وفقرنا وعدم قدرتنا علي شراء اللحوم، والحلويات عبارة عن الفشة والكرشة والبمبار ولحمة الراس والكبدة. أضاف أن أسعار فواكه اللحوم هي الأنسب للمواطن محدود الدخل و"اللي معندوش دخل أصلا"، لأنه يستطيع شراء كيلو لحمة الرأس ب20 جنيها، ويأكل لحمة زي المواطن الغني بالضبط، ويفرح عياله بالعيد، "ربك مش بينسي حد، ومحدش بيبات من غير عشا". أما عن الاسعار قال بديوي "الفشة – أي رئة الذبيحة- الكيلو منها 15 جنيه، والكرشة ب10 جنيه، واللسان ب25، والكبدة 45، أما رأس الخروف كاملة ب15 جنيه، والقلب ب30 جنيه، والكارع الواحد ب15 جنيه. «البمبار»..سجق الغلابة وعلى بعد خطوات يقف "سيد رفعت" أمام طاولة صغيرة تحوي فوقها طشت مليء بالكرشة والبمبار قائلا، إن الكرشة تعتبر لحمة الفقراء، يمكن تناولها بأكثر من طريقة سواء مطبوخة في طواجن أو سلقها وتحميرها، فضلا عن رخص سعرها، فيوجد الكرشة النظيفة ب20 جنيها بعد إزالة الفضلات الموجودة بها، أما الأخرى 15 جنيها، والبمبار هو سجق الغلابة فهو غير مكلف، تستطيع ربه المنزل شراء 2 كيلو منه ب30 جنيها، وتجعل أطفالها يشعرون بفرحة العيد، ومكوناته بسيطة من أرز وطماطم للحشو فقط. بينما يقول "إبراهيم محمد" بائع حلويات، المدبح أسعاره رخيصة جدا مقارنة بالجزارين القطاعي في الأحياء، فالجزار جشع وحرامي يستغل الزبون، أما نحن كبائعي جملة نتحدى بأسعارنا استغلال الجزارين، فمثلا البمبار يباع في المدبح ب15جنيها، عند الجزار ب35، وهكذا في باقي الأنواع. «الكارع الجملي»..يخلي العجوزة صبية والضعيف حصان من المعتاد أن تري الكوارع البقري أو الجاموسي بحجمها الصغير ولونها الأبيض، ولكن الغريب أن تجد تلك الرجول البنية الكبيرة ذات المخالب الضخمة، وبالاقتراب منها هتف البائع – كوارع جملي تخلي العجوزة صبية والضعيف تحوله لحصان. إنه المعلم "حسام عيد" الذي قال "الكوارع الجملي مفيش أحسن منها، صحية وخفيفة وغير دسمة كالكوارع الجاموسي أو البقري، ومن مميزاتها شوربتها الصاروخ التي تشفي المرضى، وتقوي أعصاب الضعيف، والكوارع الجملي منتشرة من فترة ليست كبيرة ولكن عليها إقبال، حيث تستخدم في طهي الطواجن وشوربة للمحشي والأرز، اما الكوارع البقري مخصصة لفتة العيد المصنوعة بالخل والثوم". والتقطت منه الحديث "فريدة علي" موظفة: "أنا بشتري الكوارع الجملي كل موسم مع عيد الأضحى، وعيلتي بتفضلها عن الكوارع البقري لأنها أخف وأطعم، خاصة الجمل معروف بأن لحمه صحي فهو يأكل الأعشاب ومراعيه جيدة نظيفة، اما شوربتها يمكن استخدامها في طهي أنواع مختلفة من المأكولات، فضلا عن سعرها رخيص، فالكارع الواحد بعد فصالي مع الجزار حصلت عليه ب20 جنيها بعد 35. الحلويات هي الوحيدة اللي بتسد جوع العيال وبسؤال الزبائن عن أسباب إقبالهم على "الحلويات" قال عم فتحي محمود –عامل محارة – تسد جوع العيال يابنتي، مفيش أرخص منها، لدي خمس أطفال، وأنا وأمهم ،لا يكفينا إلا 5 كيلو لحمة، واللحمة أسعارها مرتفعة جدا، لا يمكنني شراء كيلو لحمة 60 أو 70 جنيها، لكن عندما اشتري 3 كيلو لحمة راس ب 60 جنيه، و2 كارع، نستطيع أن نفرح بالعيد مثل الآخرين، فالأم يمكنها طهي الكوارع واستخدام شوربتها في الفتة مثل اللحمة تماما، أما لحمة الرأس نستخدمها في الطواجن ومحمرة. وقالت علية صابر- ربة منزل – "الحلويات هى مأكولاتنا سواء في العيد أو الأيام العادية، نحن نسينا طعم اللحمة من زمان، وهي أفضل من اللحمة المستوردة، فهذه الفشة والبمبار منتجات لحوم بلدي، لأن عيلتي لا تطمئن للحوم المستوردة ولا نأكلها، وأولادي يفضلون تناول البمبار والكرشة والفشة أكثر من اللحمة لأنها سهلة وسريعة، وفي كل الأحوال تناسب أسعار أي أسرة بسيطة"