في ظل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء يقبل الكثيرون علي لحوم أخري قد تكون مرتبطة أيضا بالذبيحة أيا كانت «بهيمة أو ماعز أو خراف» لكنها تأخذ المستوي الأقل والدرجة الثانية في اللحوم وهو ما يطلق عليه «السقط» وهو كل ما يتعلق بالذبيحة من فشة وكرشة ومومبار وطحال وكوارع. داخل المذبح الآلي بالبساتين.. كل ما له علاقة باللحمة يبدأ العمل في الرابعة صباحا وحتي السادسة مساء، الجميع يذبح هنا تحت رعاية وزارة الصحة ويتم ختم اللحوم المذبوحة لبيعها في الأسواق، ولا ينتهي المشوار بل يبدأ، يبدأ من هنا علي بعد خطوات من المذبح الآلي مكان كبير افترشه الباعة أمام بعضهم البعض خلفهم مساحة كبيرة غير مستخدمة تضم قضيب قطار لا يمر من عليه سوي الحيوانات الضالة يجلسون هم أمام بضاعتهم وكلهم أمل في بيعها. داخل «سوق الحتت» رصدت «الأهالي» الموقف عن قرب.. «لحمة رأس يا مدام ب 15 جنيها، يا مدام، طب عايزة إيه؟ شايفة يا أستاذة اللي احنا فيه.. حتي لحمة الرأس مش عايزة تتباع»، هكذا كانت أولي تجاربي داخل مجزر البساتين أو «المدبح» قبل أيام قليلة في عيد الأضحي المدبح شبه خاو رغم شهرته بالازدحام السنوات الماضية خاصة في موسم اللحوم، حتي وإن كان يتواجد في مكان جبلي بعيدا بالقرب من جبل المقطم إلا أنه معروف، وعلي بعد أمتار في فيلل وعمارات المقطم التي تراها بالعين وأنت داخل المدبح وقف عم سيد النبوي يضع الثلج علي البضاعة «الكثيرة» المتبقية آخر النهار حتي لا تفسد ويبيعها في اليوم التالي.. عم سيد يقول ل «الأهالي» الأسعار قلت هذا العام 30% عن العام الماضي فلحمة الرأس تباع الكيلو منها ب 15 جنيها بدلا من 25 جنيها العام الماضي والفشة والكرشة ب 15 جنيها و7 جنيهات والكوارع ب 20 جنيها ورغم ذلك الزبون قل، الناس معهاش فلوس.. أو المكان بعيد مش عارف، وعندما سألته عن حالهم أثناء بيعهم في مدبح السيدة زينب قال إنه كان أفضل من ذلك خاصة مع بعد المكان والزبالة المحيطة به، إضافة إلي الحرامية التي تسرق العدد «الميزان، النصبة، الأواني» في فترة غيابهم، حاولنا نشتكي أكثر من مرة ولم يسمعنا أحد. عم سيد يبيع بميزان شُكك لأن ميزانه تمت سرقته، عم سيد يتحدث عن مكسبه في أي كيلو يبيعه والذي لا يتجاوز جنيها واحدا، ويحدثني أيضا عن أحد أسرار الصنعة قائلا: «فيه ناس تبيع الفشة وهي مليانة ميه علشان توزن أكثر، وفيه زبون بيفهم فبيطلب ياخدها قبل أن توضع في الميه». المجزر الآلي بالقرب من مكان بيع «الحتت» أو «الدهن» كما يطلقوا عليه وهو مختص ببيع فواكه اللحمة «الفشة، الكرشة، المومبار، الكوارع، الطحال» أحمدناصر الذي يساعد والده ووالدته ويرتدي «كوزولوك الجزارة» ويضع بداخله كل أنواع السكاكين المطلوبة يقول «الزبون قليل، الناس معهاش فلوس بس قبل العيد بيومين أو يوم الوقفة الكبيرة ربنا بيكرم». أما عم عيد الذي يعمل في بيع الفواكه الخاصة باللحوم منذ ثلاثين عاما يقول: «أبيع الرأس الضاني ب 20 جنيها، والرأس البتلو ب 30 جنيها، وفيه كوارع ضاني «رجول خراف وماعز» الواحدة بجنيه، مكسبه في اليوم ساعات يكون 80 جنيها وساعات 50 جنيها يفسر عم عيد عدم الإقبال علي سوق الحتت قبل عيد الأضحي بأيام قليلة بأن «الناس لسه مقررتش هاتشتري لحمة ب 65 جنيها ولا هاتشتري «حتت» وتقضيها؟، زيادة أسعار اللحوم رغم أنها قد تنفعه لإقبال الناس علي البديل لكنها تضره أيضا لأن تاجر اللحمة يعطيه البضاعة بسعر أعلي». أثناء تواجدنا بالمدبح لاحظنا تلك السيدة المسنة ذات الجسم النحيل والبشرة السمراء والتي تجلس علي مقعد أرضي تراقب بضاعتها دون أن تنطق بكلمة وللعلم بضاعتها بسيطة جدا فلم يتواجد لديها «فاترينة» مثل البعض أو دولاب حديدي، هي تبيع بضاعة موضوعة داخل طشت كبير وبعد سؤالي عنها جاءتني الإجابة «دي إمبراطورة المدبح» وبسرعة قفز في خيالي فيلم نادية الجندي وأنا أردد «الإمبراطورة»؟ علمت أنها كانت أغني بائعة لحوم حتي لقبت بالإمبراطورة ولكن قبل أن تأتي إلي البساتين، حين كانت في مدبح السيدة زينب المدبح القديم سألتها.. إيه اللي حصل؟ فأجابتني مفيش كان عندي 3 عربيات بيجو و2 كيلو ذهب كله راح لأن الحال واقف بقالنا 12 سنة هنا في المدبح الجديد بنبيع «بالضالين»، ماحدش بيشتري وماحدش بيجي تركت الإمبراطورة وهي تبكي بالدموع وتنادي علي «الفشة».. صادفنا بعض السيدات اللاتي جئن ليشترين «الحلويات» جئن من حلوان خصيصا لشراء الكوارع والمومبار تقول أم أماني «كل عيد بنيجي نشتري لأن أسعار هنا أرخص، العيد الكبير فرصة أني أطبخ أكثر من يوم لحمة وأحسس الأولاد كل يوم فيه حاجة من الأضحية مرة كوارع ومرة كبدة ومرة مومبار وهكذا «بدلا من ذبح أضحية مرة واحدة لأنها غالية جدا علينا».. عم محمود يتذكر أيضا تاريخ المدبح القديم في البساتين ويردد «منها لله مرات مبارك نقلتنا في صحرا» يبيع عم محمود الكبده والكلاوي والسقط والكوارع ويفسر لنا يعني إيه كارع مش نضيف وكارع نضيف ويطالب الزبون بالوعي من خلال ضفر الكارع لو أحمر يبقي تمام لكنه لو رمادي أو غامق بلاش يشتريه.. أحد أهم المحلات الموجودة في سوق «الحتت» محل السكاكين الذي يصنف السكاكين ما بين سكينة الذبح، سكينة التشفية والسلخ وأيضا الكزلك والسنجة والساطور.