كثرت في الآونة الأخيرة أفلام الزومبي مع تعدد قصصها و اختلاف أنواعها و يطرح معظمها أسئلة باتت ملحة في الفكر الإنساني بشكل عام، و في الحضارة الغربية بشكل خاص. قصص الزومبي تنتمي إلى أدب ما بعد نهاية العالمPost-Apocalyptic fiction))، هو فرع من الخيال العلمي يهتم بنهاية الحضارة بسبب كارثة وجودية، تبدأ القصة بوجود جنس جديد غير الجنس البشري يتغذى على لحوم البشر كي يستمر وجوده، فوجوده مستمد من فناء البشر و من ثم كان الدمار للدول و المجتمعات التي نعرفها الآن، فتغيرت و تبدلت الأحوال و أصبح البشر يعيشون في عالم من الفوضى (Chaos)و إنعدام القوانين. وتبدأ هنا التساؤلات الوجودية لدى الإنسان: هل يتحد البشر ضد هذا العدو الذي يهدد وجود البشرية؟ طبعا ستكون الإجابة المنطقية نعم؟! ولكن للأسف هذا لا يحدث فالعوامل النفسية و الاجتماعية على مدى العقود الماضية جعلت من الإنسان مجرد آلة تتحرك لكي يؤمن لنفسه و لعائلته الحد الأدنى من المعيشة، وسط المنافسة الشرسة التي لا ترحم، وجعلت منه مخلوقا انتهازيا إنطوائيا مقتصر في علاقاته الإنسانية، لا يثق إلا في نفسه، وضخمت لديه النزعة الأنوية (الأنا)، فقلصت الرؤية لدى الإنسان من إقامة مشروع حضاري أو الوصول لهدف يسمو بالمجتمع إلى هدف تحقيق الأسطورة الذاتية بغض النظر إن كان سيؤدي هذا إلى أذى كل من حوله نتيجة هذا الطموح الجارف، فنقلت الصراع من صراع الحضارات والمجتمعات إلى صراع الأفراد. لنتجاوز هذا السؤال إلى السؤال الأكثر أهمية في حاله انعدام المؤسسات و القوانين هل سيلتزم الإنسان بالقوانين الإنسانية الذي ظل يحافظ عليها و يجتهد في إقامتها منذ أن عرف التاريخ أم سيحكم العالم مرة أخرى قانون الغاب (حاكمية القوة)؟. هذا التساؤل هو الرئيسي في هذا المشهد، فهومن يحدد الإنسان بما هو إنسان، لأنه من المباحث الوجودية لدى الإنسان منذ القدم؛ هل الإنسان يلتزم بالأخلاق لكونها جيدة في ذاتها و تساعده هو ومجتمعه على التكامل أم أنه متلزم بها خوفا من العقاب الذي توقعه القوانين عليه إذا ما خالفها؟ قبل الإجابة على هذا السؤال علينا أولاً الرجوع إلى ما هو مصدر القوانين و الأخلاقيات في المجتمع الغربي هل هي الأديان أم شيء آخر؟. مع بداية عصر النهضة كان أهم أولويات هذه الحقبة هو الخروج من سيطرة الكنيسة، و تسلط رجال الدين، و كانت ردة الفعل من مفكري هذا العصر عنيفة، حيث قام مفكري عصر النهضة بإقصاء الكنيسة عن الحياة السياسية و الاجتماعية و نظّروا بوجود مذهب جديد يعتمد على الحس و التجربة (الفلسفة المادية)، و التي تنكر وجود أي بعد روحي للإنسان، و من هنا بدأ الصراع فبعد تنحية الكنيسة عن الحياة الإجتماعية، و عدم وجود أي مرجعية كيف يتم وضع القوانين و تحديد الأخلاقيات و المُثل التي يحذو المجتمع حذوها. وهنا جاء دور فرانسيس بيكون، وهو يعتبر من أهم رواد المدرسة التجريبية، و معروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على "الملاحظة والتجربة"، و هو من أوائل من أنكر المنطق الأرسطي الذي يعتمد على القياس(الانطلاق من الكل إلى الجزء)، و قال بيكون أن الإنسان لا يوجد لديه أي معرفة سابقة، أي أنه كالصفحة البيضاء، و لا يمتلك أية بديهيات، لهذا لبناء القوانين و المُثل يجب أن يلجأ إلى الاستقراء(الإنطلاق من الأجزاء لتكوين نظرية كلية) للوصول إلى أفضل قوانين و مُثل التي تنظم مجتمعنا، و هنا يكمن بيت الداء، فهو جعل من الأخلاق أمور نسبية، و متغيرة باختلاف الزمان و المكان … وبعد هذا الاستطراد التاريخي الممل لنرجع إلى المشهد الذي أمامنا، هنا في العالم ما بعد النهاية سيتعامل البشر في هذا الموقف طبقا للمصلحة لأن الظروف الزمان تبدلت و تغيرت ولم تعد هناك قوانين تحكمهم. إذاً البناء الأخلاقي و الحقوقي للإنسان الذي ظل يبنيه تراكميا لعقود طويلة تناثر في أول أزمة يواجها، و تراجع الفكر البشري إلى النقطة الصفر حيث الحاكمية للقوة. ما هو المخرج من هذا المشهد؟ كيف تعد لبناء أخلاقي يصمد أمام الصدمات المتوالية؟ كيف تبني إنسان على الإيمان بالأخلاقيات لذاتها و ليس طمعا في ثواب أو خوفا من عقاب؟ هناك طرحان في طرق البناء الأخلاقي لدى الإنسان: الأولى: و هي طريقة قديمة و موجودة تقريباً في جميع الفلسفات القديمة و الأديان السماوية وهي القاعدة الذهبية، وهو مبدأ "المعاملة بالمثل"، أو "ذات اتجاهين"، والعلاقة بين الذات وغيرها من الجهات وبطريقة متبادلة على حد سواء. شريعة حمورابي(1)وهي من أقدم الشرائع المكتوبة في التاريخ البشري، (1780 قبل الميلاد)نصت على التعامل بالمثل، عن طريق عدة طرق، كما فعلوا المفاهيم من العقاب حرفيا "العين بالعين والسن بالسن". في التعاليم كونفوشيوسية(2) "سئل زي قونغ قائلا:"هل هناك كلمة واحدة يمكن أن تكون بمثابة قاعدة لممارسة الحياة؟" فأجاب كونفوشيوس قائلا: "أليس المعاملة بالمثل هي الكلمة؟". "لا تفرض على الآخرين ما لا يمكنك أن تختاره لنفسك" –كونفوشيوس في المسيحية إنجيل متى [7:12] :"فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء." في الإسلام عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". و قد قام الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت(3)بتطوير هذه القاعدة لتشمل جميع الجوانب الحياتية و تكون قانوناً عاماً و أسماها الأمر المقولي (Categorical imperative) "إعمل ولكأنك تريد على أن تكون قاعدة عملك أو سلوكك قانوناً عاماً للبشر كلهم" الثانية: الطريقة الدينية في تعليم الأخلاق وهي أن هناك خالق لهذا الكون له كل الصفات الكمالية المطلقة و أن الأخلاق تستمد إطلاقها من هذا الخالق، فما هي إلا فيض من نوره سبحانه و تعالى، فالله أمرنا بهذه الأخلاق لأنها خير في ذاتها (العدل، الصدق، الرحمة…) و الله نهانا عن أشياء أخرى لأنها شر في ذاتها. وعموما فلا تعارض بين الطريقتين لأن الدينعموماً قد صدق على كلاهما كما بينا و لا مانع من الجمع بينهم لأن الأولى تقوم على البناء العقلي الفلسفي وهو الأساس المشترك بين جميع البشر و الثانية تقوم على البناء الروحي فإن اختلفوا في الأديان و الشرائع فيظل هناك رابط بين البشر يجمعهم، ولهذا فلابد من البنائين للتكامل الإنساني. .