صرخ محمود الجندي في فيلم “حكايات الغريب” قائلا: (اللي يسرق قوتك زي اللي بيسرق أرضك، واللي يسكت عن سرقة قوته يبقي خاين وجبان). تذكرت هذه العبارة حين كنت أشاهد المسلسل العربي، الممل، والملئ بالحشو، المسمي (حوار يسري فودة مع حسام بدراوي)...!!! سأحاول علي قدر الإمكان عدم انتقاد يسري فودة، لتصوري بأنه منحاز بوضوح للثورة، ومازال برنامجه اليومي، قطعة أرض محررة للثوريين، ولا ينبغي خسارتها سريعا، بالرغم من مالك القناة ورغبته المحتملة في أن نخسر هذا الموقع. لكنني أتساءل، بما أننا بدأنا بالإشارة لفيلم يتناول حرب أكتوبر وما حولها، هل يسمح خيالنا بنسج المشهد التالي: يتم الاحتفال في أحد البرامج التلفزيونية بانتصار أكتوبر، بعد هذا الانتصار بستة أشهر، فتتم استضافة “مناحم بيجين” لحوار طويل جدا، يبيع لك فيه كل أنواع الأكاذيب. ويقول لك أنه القائد الفعلي للانتصار المصري ضد عدوك الإسرائيلي!!! هل من الممكن تخيل هذا المشهد؟ هذا هو تصوري كملخص “لحادثة” استضافة حسام بدراوي في الحلقة المشار إليها، بمناسبة مرور ستة أشهر علي انتصارنا علي المخلوع. ربما يخرج الآن أحد أعضاء أو مؤيدي تيار “إحنا آسفين يا طوب الأرض” ليقول لي: لا داعي للمبالغة، كيف تساوي بين حسام بدراوي ومناحم بيجين؟ في هذه الحالة سأحيله لجملة محمود الجندي المشار إليها سابقا. فأنا ممن يظنون أن من يسرق أرضنا ويحتلها، لا يختلف عمن ينهبنا، ويمنع عنا حريتنا، ويشارك في الفساد السياسي أعواما طويلة. لم يكن حسام بدراوي خصما سياسيا في يوم من الأيام، كان منتميا لنظام هو عدو للمصريين، وبما أنه ينتمي لجبهة العدو ويعمل لصالحه، فبماذا نصفه؟ كان لدي هذا الوضوح منذ المرة الأولي التي سمعت فيها باسمه، خلال انتخابات مجلس الشعب عام 1995. كان هو مرشح النظام بدائرة قصر النيل، وكنت متطوعا في الحملة الانتخابية لمرشح اليسار وقتها في هذه الدائرة. انتصر حسام بدراوي في الانتخابات التي لا يمكن القول بأنها كانت نزيهة. وفي نفس الوقت، من الصعب أن أصفها بالمزورة، لعدم امتلاكي أدلة مادية علي التزوير. لكنني أشهد بأنه فاز في هذه المعركة بفضل كل الأساليب المعروفة لتزييف إرادة الناخبين، بداية بالتدخل الأمني، وصولا للرشاوي الانتخابية المباشرة، مرورا باستخدام سلطة المال وأجهزة الدعاية الحكومية لصالحه. هل هذا هو ما يسمي بالفساد السياسي؟. نسيته خلال الأعوام التالية، حتي هلت علينا طلته، خلال الأيام الأولي من فبراير 2011، حين تم تعيينه كأمين عام للحزب الفاسد، وحتي استقالته بعدها بخمسة أيام، بعد سقوط مبارك بالفعل. أثناء الثورة، لم يشغلنا كثيرا وجوده من عدمه. كان من الواضح أن مركب النظام الفاسد يغرق، وأن بعض الحاكمين يحاولون تعويم المركب، وحين اكتشفوا فشلهم، قاموا بمحاولة إنقاذ أنفسهم، فرادي، بالقفز منه عند اللحظة الأخيرة. وكان حسام بدراوي هو هذا النموذج بامتياز. أيامها كانت المعادلة بسيطة، هي معركة بين النظام بكل رجاله، وبين الشعب المصري. الشرعية، هي شرعية الثورة في ميادين التحرير. والمعادلة السياسية تحسم بالصبر والإصرار علي بقائنا في الشارع، فنحن أخيرا نمتلك أوراق اللعبة. مرت ستة أشهر، لم أتصور خلالها أن يحتل حسام بدراوي منطقتنا المحررة – برنامج يسري فودة – ليخاطبنا كبلهاء وجهلة، وكأنه كان القائد الفعلي لهذه الثورة. الجانب الآخر المثير للدهشة، هو صمت يسري فودة، وعدم تفنيده لادعاءات حسام بدراوي. وعدم طرح الأسئلة البديهية: كيف انتمي لحزب السلطة الفاسدة أصلا؟ لماذا بقي به طيلة هذه الأعوام؟ بماذا انتفع من هذا البقاء؟ وماذا كان السعر المطروح عليه مقابل المشاركة في محاولة إجهاض الثورة خلال الأيام الأخيرة قبل خلع مبارك؟. فيما يخص مقدم البرنامج وأداءه في هذه الحلقة، هناك تساؤل حتمي: من هو صاحب قرار دعوة حسام بدراوي أصلا؟ لماذا تمت الموافقة علي شروطه بعدم وجود ضيوف آخرين وعدم استقبال مداخلات؟ مثلما أشار يسري فودة. هل صاحب توقيت الدعوة ومهندسها هو ساويرس، (الشريك الآخر لحسام بدراوي في قيادة الثورة)، أم من؟ كرر يسري فودة عدة مرات أن سبب الدعوة – التي كان عليه تبريرها – هو ضرورة أن نتعلم، و أنه لا يوجد تعلم دون معلومة. وهو صحيح تماما. ربما يمنحنا المستقبل، أو يمنع عنا، معلومات حقيقية عما حدث في الكواليس خلال الأيام الأخيرة قبل سقوط المخلوع. لكن، بنفس منطق يسري فودة، هل علينا الانتظار طويلا كي نعرف ما حدث في كواليس دعوة حسام بدراوي إلي إحدى مناطقنا المحررة؟ هل تنسجم هذه الخطوة، مع ما تم من دعوة “لثوار روكسي” مع “شباب التحرير” علي مائدة ريم ماجد، قبل أسابيع؟ هذا من ناحية، من ناحية أخري، لنفترض أن حسام بدراوي لديه المعلومة، هل هذا هو توقيت المعلومة الآتية من فم أحد أعمدة النظام؟ لماذا اللف والدوران... دعنا نتساءل عما طرحه حسام بدراوي كحقائق، ويمكن تلخيصه في الآتي: (أنا حسام بدراوي، قمت بقيادة الثورة بشجاعتي وذكائي الاستثنائيين. مبارك كان شخصا مغيبا وساذجا بالكامل. من كان يحكم تحديدا هو الابن بمعاونة زكريا عزمي. محور عمل عمر سليمان كان ينحصر في الجلوس بمكتبه، والذهاب والإياب لمكتب الرئيس. الحكام كانوا يريدون تنفيذ مطالب الثورة، إلا أن الخلاف معهم كان حول الكيفية. الميدان الثوري، المضبب، كان في الحقيقة مهمشا، فالثورة كان تتم إدارتها من إحدى الشقق، عبر بعض الشباب، منهم وائل غنيم وحسام بدراوي نفسه)!!! بمناسبة هذه الحقائق التاريخية، إحكيلنا شوية يا دكتور حسام عن دور المخابرات الأمريكية، والإسرائيلية، والمجلس العسكري، أثناء الثورة!!! عودة حسام بدراوي وأمثاله، لاحتلال حياتنا اليومية، وشاشات الفضائيات، ليست بهدف دخول التاريخ من بوابة الأبطال، فهذا ليس الوقت المناسب، حيث تتزاحم ادعاءات البطولة خلال الثورة. بل أن استخدام الأكاذيب الصغيرة، المبتكرة، من نوعية أنه كان في التحرير، هو وأبناؤه وأبناء أخوته وأبناء المحيطين بالرئيس، تستهدف تحطيم معنويات المشاهد، الجالس علي الكنبة حاليا، الذي شارك في الثورة من قبل، ليكتشف أنه كان مجرد كومبارس، مضحوك عليه. هذه العودة تستهدف دخول التاريخ، كحكام مرة أخري، ومن نفس البوابة التي تم طردهم منها. يأتيك ببدلة بسيطة، قميص أبيض دون رابطة عنق، ابتسامة تم صنعها جيدا، والتدريب عليها طيلة سنوات، هي مزيج من التواضع الزائف، والابتسامة الصفراء المتذاكية، والتقليدية، لمن ليس لديهم أي مانع للتجارة في أي شئ، حتي وإن كان دمك. أما نحن، الكومبارس، فعلينا أن نصدق دهشته وتأثره حين حكي له وائل غنيم كيف تم تغميته خلال أسبوع!!! البرلماني، عضو لجنة السياسات السابق والأمانة العامة للحزب الفاسد، وأحد أعمدة النظام، لم يسمع من قبل عن الآلاف من المواطنين الذين تم تعذيبهم وقتلهم خلال ثلاثة عقود!!! انتمي للثورة منذ يوم 26 يناير، قاد عملية إنقاذ الوطن، كأمين عام لحزب انهار قبلها بأيام، ولم يتبق منه سوي مبان محروقة، ومجموعة من البلطجية والقتلة، ممن يديرون معارك الجمال والمولوتوف. علينا إذا أن نصدق أنه واجه الرئيس بشجاعة قائلا: أنا شايف شبح شاوشيسكو. فيسأله القاتل الكبير وزعيم العصابة مفزوعا: هل سيقتلونني؟ فيرد بشجاعة أكبر: محتمل!!! أنا أفضل المسلسلات الرمضانية الرديئة، التي تمتلئ بالحشو، وليس بها سوي حدثين أو ثلاثة عديمي القيمة، تتم إطالتها لتملأ ثلاثين حلقة، لأنها ستنتهي حتما بحلول العيد. لكن المدهش في هذه الحالة، أن صناع المسلسل لم يتعلموا شيئا، ومازالوا بنفس الغباء الذي قضي علي جزء من نظامهم قبل شهور، فقدوا الصبر ويريدون العودة علانية وسريعا لحكمنا، مغسولين بدماء وتضحيات الملايين. ليقولوا لنا، علي لسان حسام بدراوي: (عندما يستمر نظام لمدة ثلاثة أو أربعة عقود، فإن الجميع مشارك فيه وجزء من تكوينه... نحن في مرحلة بناء... وليس لدي شك في أن الثورة ستنجح... وترجعنا للسلطة). العبارة الأخيرة أضفتها، لأنني لن أندهش إن قالوها قريبا. فقد نسوا احتمالية أن يكنسهم الناس تماما، علي طراز عملية كنس شاوشيسكو، في الموجة الثورية القادمة. رمضان كريم، برغم أن من أسوأ ما يمكن أن يحدث فيه، هو أن تنتهي الطبخة، تشم رائحتها، فتكتشف إنها حمضانة. [email protected]