يختلف المخرج الكبير داوود عبد السيد مع الاراء القائلة بان السينما المصرية لم تقدم ما يليق بنصر اكتوبر في افلام سينمائية و رغم ان المخرج الكبير كان واحدا ممن اتيح لهم المشاركة في توثيق فترة العبور وتصويرها ، قال في حواره مع البديل ان عدم وجود افلام تليق بحرب اكتوبر ليس مسؤلية صناعة السينما لان للحرب متطلبات مختلفة لتقديم افلام تضم معارك و تتطلب امكانيات خاصة ، و لعمل افلام عن الحرب و المعارك لابد ان تتوفر اولا معلومات و حتي الان لايمكننا ان نقول بدقة ماذا حدث في حربي 1967 و 1973 الا ما يصرح به في الاعلام الرسمي و لايمكن الجزم في تدقيق المعلومات مثلا في الصراع الذي حدث بين السادات و الفريق الشاذلي ، كان هذا هو الوضع لسنوات طويلة ولا نعرف كيف سيكون الحال مستقبلا حول امكانية الوصول الي معلومات دقيقة . و اضاف وحتي لو افترضنا اننا نملك المعلومات الكافية يحتاج فيلم عن المعارك الي معدات ضخمة من طيران ، دبابات و عساكر و غيرها و بالتالي فحقيقة الامر ان الجيش هو الجهة الوحيدة القادرة علي انتاج فيلما كهذا ،لانه لا يوجد منتج يمكنه او يرغب في تحمل تكلفة ايجار مثل هذه الاحتياجات الضرورية و اذا حدث ووافق الجيش نصطدم بموقف الارادة السياسية كما حدث في التجربة الشهيرة بعد حرب اكتوبر للفيلم الذي رصدت له القوات المسلحة ميزانية ضخمة " اطول يوم في التاريخ " عن نصر اكتوبر كتبه اسامه انور عكاشة ثم اوقفه السادات بدعوي ان عكاشه ناصري . سألته : و هل المعارك هي الزاوية الوحيدة للتناول لتظل عائقا امام انتاج افلام عن الحرب ؟ لا ، نشاهد افلام اجنبية تتناول آلاف الزاويا من احداث الحرب و منها افلام متعددة الانواع بما فيها افلام فانتازيا و خيال و سخرية و بطبيعة الحال هذه كلها تصورات ممنوعة في مصر فلا يمكنك ان تسخر حتي من نفسك فمابالك بتقديم رؤية نقدية او ساخرة ، كما ان الحروب التي مرت بها مصر هي حروب قصيرة نسبيا اذا ما قورنت مثلا بالحرب العالمية الاولي و الثانية و التي اسع نطاقها لتشمل اوربا كلا و اجزاء من اسيا و تدخلا من امريكا .و لم نشهد تجربة حرب بمعني الاشتباك في قصف جوي و ضرب الا في مدن القناة ، وتجربة الحرب عند الشعوب التي عاشتها هي ان تعيش مع الخطر بشكل دائم و تؤثر في حياة الناس بشكل شخصي و في مصر ستجد الحرب بعيدة عن حياة الناس اليومية كحالة عامة في كل حروب مصر الحديثة منذ حرب 1948 و حتي اثناء الحرب العالمية الثانية حين كان روميل يغزو مصر و تدور المعركة علي ارضنا في العلمين لم يكن لمصر دخل بالحرب وكان الانجليز هم من يحاربوا رغم استغلال مصر في الحرب لذا فمعاناة تفاصيل الحرب من القتال و الانفجارات و القصف و رغم ان الناس تعاني من حالة اقتصادية صعبة اثناء الحرب و يقدم الشعب تضحيات باعتاره الظهير للجيش انما حالة الحرب التي يكتوي بنارها هي بعيدة عن الشعب . و في حالتنا كانت الحرب حدثا مباشرا في حياة الناس اليومية الذين هجروا من بيوتهم في مدن القناة و هذه قدمت السينما افلام عنها فهي تجربة انسانية ثرية عن حياتهم في المناطق الجديدة و علاقتهم بسكانها ،و تحتاج لافلام اخري و علينا ان ننظر ايضا لتجربة الاب و الام و الاخوة للابناء في الحرب . - لماذا اهتمت السينما بتقديم اصداء هزيمة 1967 و لم تهتم بنفس القدر بتناول انتصار اكتوبر؟ الهزيمة كانت حالة ضاغطة في المجتمع كله تستفز المبدعين لتناولها اما النصر فهو حالة احتفالية . - ما مدي صحة ما تردد من ان الجيش اثناء حرب اكتوبر منعكم من التصوير او اعدم اشرطة سجلتوها و فرض رقابة علي عملكم ؟ لا لم يحدث ذلك ، لم تكن هناك ضغوط علينا لكننا في حالة الحرب نكون مضطرين للالتزام بمسار يحدده الجيش و يؤمنه و بالتالي لا نري الا المتاح بهذا المعني ، كما ان المسؤلين في الجيش في هذا الحدث الضخم لم يمتلكوا الوقت وسط الحرب و المعارك لتأمين تنقل المدنيين كما لم تكن هناك استعدادات و لا تدريب للمراسل الحربي و المصور السينمائي للمعارك ، و بالنسبة للفنانين الذين ارادوا توثيق الحرب لم يمتلكوا وسيلة انتقال امنة وتصاريح و غيرها من الوسائل التي تتيح المساعدة لانجاز عملهم كما كان مسار حركتهم مرتبط بالمسار الذي يحدده الجيش و بالتالي فالصورة المنقولة لا تتجاوز المتاح و المسموح به . - و هل تري ان الجيش من جانبه وثق الحرب بما يليق ؟ لا امتلك معلومات كافية ، لكن اذا لم يكن الجيش وثق الحرب بما يكفي فهم معذورون لان المعركة في حرب السادس من اكتوبر كانت شديدة الخطورة و الصعوبة بعد هزيمة حرب 1967 فالهزيمة الثانية تكون قاتلة في هذه الحالة و لذا كان الشاغل الوحيد لهم هو تحقيق النصر و رغم ان المفروض ان الطيران يصور اثناء القصف ، لكن لا اعلم ان كانت الشئون المعنوية تمتلك مادة توثيقية لم تفرج عنها . - السينما التسجيلية حاولت توثيق الحرب فلماذا لم تفعل السينما الروائية و لم تقدم الاف و ملايين القصص التي ارتبطت بالحرب ؟ السينما المصرية في ازمة حقيقية علينا ان نتساءل لماذا لا تقدم افلام عن الفلاحين و العمال ، الا يعانون من مشاكل يومية و بالنسبة لي الحرب حدث انتهي و لم نعش ظروفه و تفاصيله ، لكن لماذا لا نري في السينما ما يعيشه الناس في حياتهم اليومية ، عندنا عمال تراحيل و عمال مدربين في مصانعهم لا تراهم السينما و كذلك احداث هامة نمر بها كحادث غرق العبارة التي كتب عنها وحيد حامد سيناريو تم شراؤه و تجميده بارادة سياسية ، بالنسبة لي مشكلة عدم تناول الفلاحين و العمال في السينما اهم من تناول حرب اكتوبر لان الحرب صارت تاريخا اما الحياة اليومية لقطاعات كثيرة من الشعب بما فيها صورة المرأة في السينما فهي حدث يومي يتم تجاهله ، فهناك مشكلة كبري في هذه السينما في محدوديتها الشديدة و لكونها سينما مدينية جدا تهتم فقط بالطبقة الوسطي و حتي ذلك لا تتناولة بحرية ، كما تتركز صالات العرض في القاهرة و الاسكندرية و تتجاهل المحافظات و بالتالي لا تري و لا تهتم بجمهورها هناك و يتحكم في صناعة السينما في مصر معيار الربح والعائد المادي ، فالسينما المصرية لا تتكلم عن المجتمع المصري و تتجاهله كله و ليس فقط نصر اكتوبر .