"التحرش الجنسي" شكل من أشكال العنف البدني والنفسي الذي تتعرض له النساء والفتيات وأيضاً الأطفال يوميا في الشارع أو العمل أو المدرسة أو الجامعة، بل سجل مكتب شكاوى المجلس القومي لحقوق الإنسان إحصائية عام 2012 بأن 64% من نساء مصر يتعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع سواء باللفظ أو الفعل، واحتلت مصر بهذه النسبة المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد أفغانستان. ومن ثم فنحن أمام ظاهرة بغاية الخطورة تهدد النسيج الاجتماعي بشكل عام وتتسبب في كوارث على المستوى البدني والنفسي والاجتماعي، ما يؤكد الاحتياج لقانون رادع والردع الفكري قبل القانوني. هذا ما نفذته مبادرة "شفت تحرش" على أرض الواقع من خلال حملة بعنوان "مترو بلا تحرش"، بمحطة مترو الشهداء من أجل التوعية بالظاهرة وكيفية دفاع الفتيات عن أنفسهن. قالت "يمن إلهامي" عضو بالمبادرة، أن المبادرة جاءت مجموعة ضغط مجتمعية تم إنشائها في عيد الأضحى المبارك 2012، وتتكون من عدد من منظمات ومبادرات غير حكومية حقوقية ونسوية تعمل مع أفراد المجتمع بشكل فعّال من وإلي الشارع المصري لرصد ووضع آليات وتدابير لمناهضة جريمة "التحرش الجنسي" علي المستوي القانوني والنفسي والمجتمعي. أما عن حملة "مترو بلا تحرش" تستهدف رصد حالات التحرش للفتيات والسيدات وتوعيتهن على كيفية الدفاع عن أنفسهن، فضلا عن تغيير وجهة نظرهن في الخوف من فضح المتحرش والخجل من فعل ذلك، وتعليمها كيف تكون جريئة وتدافع عن حقها لأن سكوتها يعني تكرار الحوادث مع فتيات أخريات. أضافت أن أسباب التحرش تعود إلى سوء المناهج التعليمية التي تميز بين الفتيات وتشوه من دور المرأة، بالإضافة إلى صورة المرأة في الدراما والسينما التي تحولها إلى سلعة والعبث بجسدها دون حساب أو عقاب، فضلا عن نظرة المجتمع الذكوري الذي يهدر حق المرأة في الدفاع عن نفسها، إذا تعرضت للتحرش ويجبرها علي الصمت بحجة "الخوف من الفضيحة". وأشارت إلى أن الحملة تلعب هذا الدور في كسر حاجز الصمت لدى الفتيات وتطالبهم بالدفاع عن أنفسهن؛ بل وتحرير محاضر قانونية ضد المتحرش، ولكن هذا يحتاج من الدولة لعب دورا إيجابيا في توفير أفراد امن مؤهلين نفسيا لتلقي شكاوى الفتيات وأماكن تتمتع بالخصوصية داخل الأقسام، مشيرة إلى أن الفتيات يخشين الذهاب للأقسام بسبب الاستهزاء والاحتقار من قبل الضباط وأفراد الأمن. بينما طالبت "زينب رمضان" عضو ب"شفت تحرش"، بضرورة إصدار قانون رادع للتحرش الجنسي يقوم بتجريم كافة أشكال العنف ضد المرأة، وينص على تعريف محدد للتحرش وأنواعه، ويتضمن عقوبات صارمة للقضاء عليه، مشيره إلى مشاركتها في حملة لتوعية الرجال قبل الفتيات، خاصة هؤلاء الذين يتمتعون بصورة نمطية تلقي اللوم علي الضحية أو الفتاة وتبرئ الجاني. أضافت زينب أن الحملة هدفها التوعية عن طريق مجموعة من المتطوعين، يوزعون إرشادات للفتيات حول طرق الدفاع عن النفس في حالة التعرض للتحرش، وأن الحملة تلقى تفاعلا وتجاوبا من ركاب المترو الذين يقفون ويستمعون لحديث مجموعات المبادرة، مؤكدة أن هناك عددا كبيرا من الفتيات كن يجهلن كيفية الدفاع عن النفس، فضلا عن خجلهن من الإعلان أنهن تعرضن للتحرش. وأكدت أن الفترة القادمة وخاصة مع الدستور الجديد ينبغي النص على تجريم التحرش، وأن تقوم الدولة بدورها بدوريات أمنية أمام المدارس والمترو، وأنهم كأعضاء الحملة لاقوا عدم ترحيب من أفراد أمن المترو بالرغم أن ما يقوم به أعضاء الحملة هو دور أفراد الشرطة، وكانوا يطالبون الحملة بالرحيل من محطة المترو باعتبار أن ذلك مخالفا للقانون، بالرغم أنها حملة توعية مجتمعية وليست سياسية. وقال "فتحي فريد" مسئول المبادرات الشبابية في "شفت تحرش"، أن الحملة تستهدف التوعية بأسباب التحرش الجنسي والوقوف مع ركاب المترو سواء سيدات أو فتيات أو رجال وتعريفهم بأهمية وقف الظاهرة، فضلا عن التوعية بكيفية حماية الفتاة لنفسها باستخدام وسائل الدفاع عن النفس البسيطة سواء عبر استخدام "بخاخة تحتوي علي رزاز الفلفل ويمكن صناعتها في المنزل يدويا ويتم توزيع طريقة تحضيرها في ورقة على ركاب المترو"، أو إبرة منجد وهي تعتبر إحدى اختراعات "شفت تحرش". أضاف أن أعضاء الحملة والمتطوعين يرتدون ملابس مكتوب عليها اسم الحملة، ويوزعون ملصقات على الركاب تضم الأرقام الساخنة للحملة، بالإضافة إلى توزيع استمارات استبيان للبنات والأولاد من ركاب المترو وهي عبارة عن مسح ميداني يرصد من خلاله انطباعاتهم عن ظاهرة التحرش الجنسي، وتختلف استمارة الفتاة في أسئلتها حيث تستهدف التعرف على السن وتعرضت للتحرش أم لا، هل كان لفظيا أم جسديا، وكيف تعاملت مع الموقف، أما استمارات الرجال فتضم أسئلة عن ارتكابهم فعل التحرش قبل ذلك، وما هو التصرف الذي ارتكبوه، وأسباب إقدامهم عليه. وأكد فريد أن الاستمارات تستهدف بعد تحليها دراسة الظاهرة والتعرف أكثر على الفئات العمرية، فضلا عن تقديم كل هذه البيانات لأطباء نفسيين، يقوموا بإرشاد الحملة على إتباع طرق جديدة ومختلفة في الإقناع والتوعية بالتصدي للظاهرة. أما عن أراء الركاب تقول "شمس هيكل" موظفة، أن حملة مترو بلا تحرش مهمة جدا وتتمني أن تتكرر في كل الأماكن والمواصلات العامة، لأنها تلعب دور كبير في رفع الوعي بان المرأة ليست عورة، وأنها ليست السبب في التحرش بها، هو تدني الأخلاق والنظرة السلبية للمرأة بأنها متعة ومشاع للجميع، مشيرة إلى أنها سوف توزع الملصقات التي حصلت عليها من مجموعات التوعية على أصدقائها في العمل والشارع. بينما قال "رؤوف سعيد" 45 عام، أن التحرش بالفتيات سببه الفتاة، وأن التوعية يجب أن تأتي عبر الفتاة نفسها بتغيير ملابسها وارتداء ملابس أكثر احتشاما، حتى لا تدفع الرجال للتحرش بها سواء لفظيا أو جسديا. وتختلف معه هدى عبد الفتاح – طالبة في الجامعة – بأن المتحرش مريض نفسي، والخطأ لا يقع على الفتاة أو ملابسها، ولكن المتحرش مسئول عن جريمته وعنده كبت جنسي، يقوم بإخراجه على الفتيات، ومن ثم يجب معاقبته قانونيا ونفسيا ويعاد تأهيله من جديد.