إذا كانت الصلاة عماد الدين، فالشباب هم عماد هذا المجتمع، وبعد ثورة يناير تأكدت هذه الحقيقة، إن مستقبل هذ البلد وتحقيق مطالب الثورة لن يأتى على أيدى شيوخها الذين تم إعطائهم كثير من الفرص ولكن خذلوا الشباب ولم يحققوا له أحلامه، ومن ثمَّ فالحرية لا تكتسب بل تنتزع، وهذا ما رصدته البديل خلال هذه المبادرات الشبابية التى تستهدف الدفاع عن حقوق المرأة باعتبارها الحاصلة على النصيب الأكبر من الانتهاكات والعنف بعد الثورة، والمثير للدهشة والفخر معا أن مؤسسى هذه المبادرات - التى تفتح مساحات حرة لها عبر صفحات التواصل الاجتماعى - فى أوائل العشرينات، ولكنهم يملكون من الفكر والإبداع لينتجوا لنا صفحات مثل "ثورة البنات"، و"أنا مش هسكت على التحرش"، و"متصنفنيش"، و"فؤادة واتش"، فكلها أسماء تحمل الصدق والنضج والتمرد والإصرار على استكمال المشوار.. لذا فلنتعرف على مزيد من تفاصيل هذه التجارب الناجحة. قالت غدير أحمد - مؤسسة صفحة ثورة البنات: هذه الصفحة بمثابة مساحة حرة تتحدث فيها الفتيات عن مطالبهن وقضياهن الملحة، فضلا عن أنها صفحة تستعرض اهتمامات الفتاة المصرية وطموحاتها، وكيفية نظرتها للحياة والمشكلات التى تواجهها سواء داخل الأسرة أو فى الشارع أو فى العمل أو فى الجامعة، فالصفحة تتناول كل القضايا التى تخص المرأة من ختان الإناث والحجاب والتحرش الجنسى والاغتصاب، وتخاطب كل شريحة عمرية من الفتيات. وأضافت غدير: إن الصفحة تقدم الدعم القانونى للسيدات اللاتى يتعرض لحوادث عنف كالتحرش الجنسى أو الاغتصاب أو أى انتهاكات داخل الأسرة، مثل حالات الزواج المبكر، وتم مساعدة عدة حالات أبرزها حادثة التحرش التى تعرضت لها الفتاتين يوستينا وساندى تم مساعدتهما لتحرير محضر ضد المتحرش بقسم بولاق، وتم احتجازه وقتها، إضافة إلى دعم قضية الشهيدة مديحة جابر عيسى التى لقيت مصرعها الصيف الماضى بمترو الانفاق اختناقا من انقطاع الكهرباء. وأشارت غدير أن منظمات حقوقية عالمية مثل "هيومان رايتس واتش" أصبحت تستعين بالشهادات التى توثقها الصفحة للفتيات أو السيدات اللاتى يتعرضن لأشكال من العنف، فضلا عن غيرها من المنظمات النسوية المصرية ووسائل الإعلام. أما عن أبرز حملات الصفحة المقبلة، قالت غدير: إن الصفحة بدأت حملة لرصد الانتهاكات التى تحدث بالمدارس المصرية، وما تتعرض له الفتيات من عنف وتحرش جنسى ولفظى، فضلا عن الممارسات التمييزية كإجبار الفتيات على ارتداء الحجاب أو قص شعر بعضهن لترهيبهن، وتقوم الصفحة بالتنسيق مع المنظمات الحقوقية الأخرى لتقديم كافة أشكال الدعم القانونى والنفسى للمعنَّفات. على صعيد آخر تعمل حركة "مصريات من أجل التغيير بالبحيرة"، حيث توضح هدير الشرقاوى منسق الحركة أنها تهدف للنزول إلى أرض الواقع، ونشر التوعية بالحقوق السياسية للجمهور فى القرى والنجوع، إضافة إلى تنمية الوعى المجتمع للتعامل مع قضايا المرأة بمنظور مختلف لا يعاديها، بل ينحاز إلى الحق وليس للرجل، خاصة بعد أن رصدت الحركة انتشار ظاهرة التحرش الجنسى بقرى ومراكز البحيرة. وأضافت هدير أن الحركة انطلقت فى العام الماضى بفتاتين، والآن وصل العدد إلى أربع وعشرين فتاة تحمسن للفكرة وهدفها فى تغيير العادات والتقاليد البالية، ولكن بعد تنمية وعى المواطن ودعم السيدات للمطالبة بحقوقهن وعدم التنازل عنها. وأشارت هدير إلى أنه مع انتشار الجهل والفقر، فضلا عن معيشة أكثر من ستة أفراد فى غرفة واحدة، انتشر أحد أبرز الأمراض الاجتماعية الخطيرة وهى "زنا المحارم"، ومن ثم تحاول الحركة بالتعاون مع المنظمات الحقوقية الأخرى وضع استراتيجيات عملية لوقف هذه الظاهرة، خاصة أن الصعوبة تكمن فى أن المجتمع مغلق ولا يسمح بعلاج مشكلاته بسهولة. بينما يقول إبرام رأفت مؤسس مبادرة "أنا مش هسكت على التحرش": إنهم من خلال الحملات التى نظموها فى بعض محافظات الصعيد، تبين أن هناك مركزية شديدة حتى فى إطار التعامل مع قضايا المرأة المصرية، مستنكرا تمركز عقد المؤتمرات والندوات التى تعقدها المنظمات الحقوقية العاملة فى مجال الدفاع عن حقوق المرأة على العاصمة فقط والإسكندرية، مشيرا لغياب اهتمام المنظمات بالصعيد رغم أن سيدات الصعيد يعانين من مشكلات عديدة اقتصادية حيث ترتفع نسبة الفقر فى القرى والمحافظات مما يؤثر على المرأة التى تشكل أكثر من 35% من النساء المعيلات، فضلا عن المشكلات الصحية والاجتماعية من عادات وتقاليد خاطئة كالختان والزواج المبكر، ومشكلات صحية وسياسية. وطالب إبرام بضرورة أن تمتد خريطة عمل المنظمات الحقوقية إلى المحافظات والقرى، مؤكدا أن المبادرة رصدت فى الفترة الأخيرة ارتفاع نسب الانتهاكات التى تعانى منها النساء فى الأقاليم، حيث بدأت المبادرة فى فبراير 2011، وكانت تستهدف محورين: القيام بحملات توعية إلكترونية عبر الإنترنت، وحملات توعية بالشارع، وانطلق فى القاهرة والإسكندرية وأسيوط. ومن هذه الحملات الإلكترونية نشر الصفحة لتعريف للتحرش الجنسى وانواعه، وكيفية حماية الفتاة لنفسها أثناء تواجدها فى العمل أو الشارع، وأسباب انتشار هذه الظاهرة، وأهمية التصدى لها قانونيا من خلال الإسراع بإصدار قانون واضح وفعال يجرم "التحرش الجنسى"، ويطبق أقسى عقاب على المتحرش، وعلى المستوى الاجتماعى فتحت المبادرة من خلال الحملة النقاش حول ضرورة تغيير نظرة المجتمع للفتاة الضحية، والتوقف عن إلقاء اللوم عليها بحجة الملبس أو الشعر أو تأخرها خارج المنزل. أما عن حملات الشارع، فأوضح إبرام أن المبادرة قامت بتنظيم أكثر من فاعلية منها وقفات احتجاجية بالتنسيق مع منظمات أخرى للتنديد بالتحرش الجنسى فى عدة محافظات كالقاهرة وأسيوط والإسكندرية، فضلا عن حملات التوعية بالتحرش والدفاع عن السيدات اللاتى يتعرضن لذلك الفعل المشين سواء في الأعياد او المناسبات العامة، كما نظمت المبادرة وقفة احتجاجية ضد مبادرة مصر القوية التى استهدفت الفصل بين الرجال والنساء فى المواصلات العامة وتخصيص سيارات لكل من الجنسين، وأكد إبرام أن عزل السيدات والفصل بينهم وبين الرجال سيؤدى إلى تضاعف المشكلة وليس حلها. وتقول ميرا سامى منسقة "حملة متصنفنيش": تم تدشين المؤتمر التأسيسى للحملة منذ أيام، وأهداف الحملة تنطلق من اسمها، فهى ترفض التصنيف بكافة أشكاله وأنواعه، سواء كان تصنيف بين رجل وامرأة أو أبيض وأسود أو مسلم ومسيحى، متدين وعلمانى، معاق وغير معاق، مشيرة إلى أن شعار الحملة هو "رأيى ملكى.. حريتى دينى". وأضافت ميرا أن الحملة تضع خطة عمل تسعى لتنفيذها فى الفترة القادمة تستغرق 3 إلى 5 سنوات، وهى إعداد مشروع قانون ينص على حرية الرأى والاعتقاد، خاصة أن القوانين الحالية ومواد الدستور لا تنص بشكل واضح وصريح عن حرية الاعتقاد والرأى، ولا يوجد سوى عبارات وكلمات مطاطة تؤخذ دائما ضد المتهم ويلقى على إثرها فى السجون. وتابعت ميرا أن مشروع القانون الذى يتم إعداده سيتفق مع كل المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر، أما الحملة فهى تعمل على أرض الواقع من خلال رصد كافة انتهاكات التمييز والممارسات التى تتم ضد المواطنين من خلال تقديم الدعم القانونى لهم، وإعداد مناهج يتم تعليمها فى المدارس للأطفال لتنشئتهم على احترام الرأى الآخر وقبوله، وتحث على احترام حرية الاعتقاد، وذلك بما يتناسب مع كل مرحلة عمرية، كما أن الحملة لها صفحة تواصل على الفيس بوك، إضافة إلى خط ساخن يتلقى أى انتهاكات يتعرض لها المواطنون لتقديم المساعدة القانونية لهم. أما مبادرة "اتكسفوا" فهى رسالة موجهة لكل متحرش جبان يمارس هذا السلوك مع الفتيات، حيث يقول أحمد رافت مؤسس المبادرة: "اتكسفوا" رسالة للمجتمع الذى يلوم الضحية ويبرئ الجانى ويؤيده، ومن ثم فالمبادرة تستهدف تغيير صورة المجتمع عن التحرش الجنسى، والتأكيد على كونه جريمة تستوجب العقاب لمن يرتكبها. وأضاف رأفت: حتى تتحقق أهدافنا تنظم المبادرة حملات توعية بالشارع فى الأعياد والمناسبات فضلا عن الجامعات، يتم فيها توزيع "فلايرز" لتعريف التحرش وأسبابه وكيفية التصدى له، والتأكيد على ضرورة رفض المجتمع لهذه الظاهرة. وتقول فاطمة الشريف - عضو مبادرة "فؤادة واتش": إنها تهدف إلى رصد وتقييم أداء المؤسسة الرئاسية والرئيس المنتخب من خلال القرارات الصادرة عن رئاسة الجمهورية، وما يصدر عن رئاسة الوزراء من قرارات وقوانين بحكم كونهما السلطتين التنفيذية والتشريعية للبلاد. كما يقوم فريق عمل المبادرة بتلقى الاتصالات على مدار 24 ساعة من خلال الخط الساخن لتلقى شكاوى الانتهاكات والتجاوزات التى تتعرض لها النساء والفتيات فى مصر، وإصدار تقرير شهرى عنها.