أثارت التصريحات التى صدرت عن لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى والشيخ أبو إسلام حفيظة سيدات ونساء مصر؛ لما اعتبرنه إهانة لهن وتحقيرًا من شأنهن، خاصة أن المجلس ألقى كل اللوم فى حوادث التحرش الأخيرة على الفتاة دون أى تجريم لمرتكبي الحادثة أو محاولة سن قانون يجرم هذا الفعل اللاأخلاقى ويلاحق مرتكبيه. أجرى البديل" تحقيقًا لرصد ردود أفعال عدد من المنظمات والمبادرات الحقوقية النسوية حول هذه التصريحات وما هى الحلول وكيفية التصدى لها فى المستقبل قانونيًّا أو اجتماعيًّا. تقول نهال زغلول مؤسس حركة "بصمة" للتصدى للتحرش الجنسى "إن حوادث التحرش الجماعى والاغتصاب الجنسى التى وقعت للفتيات فى ميدان التحرير أمر مُخزٍ ومشين، ويوضح مدى الخطورة التى وصلت لها الظاهرة، وغياب المحاسبة القانونية التى تردع أى متحرش". وأضافت أن "هذه التصريحات أضعف من أن يرد عليها، وأنها ليست الأولى والأخيرة التى ستصدر عن المسئولين الرسميين فى النظام الحالي، والتى دائمًا ما تحتقر النساء وتحرض المجتمع على ارتكاب مزيد من العنف ضدهن". وأشارت زغلول إلى أنها تحمل المجتمع أيضًا المسئولية فى تفاقم ظاهرة التحرش، مؤكدة أن "لدينا قبول مجتمعى لفكرة التحرش، فعندما تصرخ فتاة لتستغيث من حرامى، المجتمع يساندها، ولكن لو صرخت وقالت "متحرش"، فالمجتمع يضحك عليها، ومن ثم نحتاج لجهد كبير لتغيير ثقافة هذا المجتمع الذكورية". ومن الحلول التى تقترحها نهال للتصدى لهذه الظاهرة الإسراع بإنشاء قطاع أمنى متخصص بوزارة الداخلية لتلقى شكاوى التحرش والتحقيق فيها، مشيرة إلى أنه "يجب توفير عمليات التأهيل النفسى والاجتماعى للسيدات اللاتى تم التحرش بهن"، مضيفة "أيضًا يجب على وزارة الإعلام أن تدشن حملة إعلامية تدين التحرش، كما يجب أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتعديل مناهج الدراسة وحث الطلاب على نبذ هذه التصرفات، واكتساب مزيد من احترام المرأة، بالإضافة إلى الاستمرار فى المبادرات الشبابية المتطوعة لحماية الميدان من التحرش". وترى هبة عادل عضو مبادرة المحاميات المصريات أن "مواد قانون العقوبات الحالى معيبة؛ حيث لم يرد بها حتى الآن لفظة "تحرش"ولا وصف له وبالتالى يؤدى إلى صعوبة توصيف الجريمة؛ لتفتح هذه الثغرات القانونية الباب لخروج أفعال عديدة ارتكبها متحرشون تحت طائلة القانون". وبسؤالها عن الآليات القانونية المستقبلية التى تكفل ملاحقة حاسمة لمرتكبى جريمة التحرش وعدم إفلاتهم من العقاب كما يحدث الآن، قالت "أولى هذه الآليات تعديل مواد قانون العقوبات لتكون أكثر ردعًا للمتحرشين، أما عن ثانى هذه الآليات فإزالة كافة المعوقات التى تعرقل تقديم الجانى للعدالة بدءًا من أقسام الشرطة غير المهيئة ولا المعدة لاستقبال الحالات من الفتيات اللاتى تعرضن للتحرش؛ مما يشكل عليهن مزيدًا من العبء النفسى، فضلاً عن القيود التى تواجه الدوائر القضائية فى نظر الدعاوى الخاصة بوقائع التحرش إلا فى حدود نصوص القانون". وأضافت "أيضًا المعوقات الأخرى تتجسد فى نظر دعاوى التحرش فى غير سرية؛ مما يجعل العديد من الفتيات اللاتى تعرضن للتحرش يتلاشين هذه الملاحقة القانونية للمتحرش؛ خشية تعقب المجتمع لها بنظرات دنيئة". وتابعت عادل "من أكثر المشكلات خطورة عدم توفير دوائر متخصصة وإخصائى نفسى يتلقى دعاوى التحرش سواء بالأقسام أو المحاكم؛ حتى يكون على دراية بوسائل الاستماع للضحية، وحتى لا يتسبب فى مزيد من الإيلام النفسى لها"، معقبة "ولكن غياب المتخصصين وقيام آخرين بهذه المهمة بطريقة عشوائية يؤديان إلى إحجام الفتيات عن الإبلاغ والمتابعة القانونية؛ حتى لا يتعرضن لهذه المضايقات في ظل غياب مبدأ الخصوصية". أما د. ماجدة عدلى مدير مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب فترى أن ما حدث فى ميدان التحرير ليس حالات تحرش جماعى فقط بل هو تعذيب جماعى منظم. وأكدت عدلى من خلال 40 شهادة استمعت إليها من فتيات تعرضن للتحرش الجماعى فى الميدان أن "من قاموا بمثل هذه الانتهاكات لم يكونوا بلطجية أو من الباعة الجائلين، بل هم شباب تتراوح أعمارهم من 25 إلى 30 سنة، وكل الشهادت ذكرت نفس الطرق المتكررة فى عمل دائرة منظمة على الفتاة وعزلها عن باقى أصدقائها ودفعها بعيدًا عن الميدان فى إحدى الشوارع المحيطة بهط. واتهمت عدلى النظام الحاكم والاخوان المسلمين بأنهم وراء هذه الجريمة المنظمة؛ لأنهم يريدون إقصاء المرأة المصرية وكسر إرادة هذه الأمة، بعد أن شاركت سيدات مصر بقوة فى أول أيام الثورة. وطالبت عدلى بضرورة الخروج بمشروع قانون يجرم التحرش الجنسى ويتصدى له بمنتهى القوة والحسم، مشيرة إلى أن مركز النديم مع غيره من منظمات المجتمع المدنى الحقوقية النسوية قدم مشروعات قانون يجرم العنف ضد النساء منذ برلمان 2010، وعندما قامت الثورة كرروا المحاولة فى البرلمان المنحل ولكن لم يلقَ أى تفاعل من أعضاء مجلس الشعب الذين كانوا من غالبية التيار الإسلامى ولم يقتنعوا بهذه الظاهرة، مؤكدًا أن مسلس الإنكار ما زال مستمرًّا حتى الآن. وعبرت نانسى عمر المسئول الإعلامى لحركة "بنات مصر خط أحمر" عن استيائها من صدور مثل هذه التصريحات، وسجلت تعجبها من مجلس الشورى الذى من المفترض أنه يقوم الآن بدور تشريعى، مضيفة "وبدلاً من تفكير أعضائه فى سن قانون رادع يجرم التحرش، ويفرض عقوبات شديدة على المتحرشين، فوجئنا بمجلس يحمل المسئولية للفتاة ويطلق سراح المجرم". وأشارت إلى أن "هذه التصريحات الأخيرة تؤكد أن الدولة المصرية أصبحت لا تحترم القانون، حتى يكون على قمة مؤساستها مجلس بهذا العار والانحراف"، حسب قولها. وترى نانسى أن الفترة القادمة تحتاج لجهود جميع المنظمات النسوية الحقوقية والاتحاد فيما بينها من أجل الضغط على الحكومة لإجبارها على سن قانون مع ضمان تطبيقه. أخبار مصر – قضايا ساخنة - البديل Comment *