إيمان كريم: الأكاديمية الوطنية للتدريب تدعم تمكين المرأة.. وبرامجها تصنع قيادات قادرة على صناعة الفارق    مجلس الوزراء يوافق على إقامة معرض «كنوز الفراعنة» في روما    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    الرواد الرقميون.. الرئيس السيسي يطالب المقبولين في المبادرة بالجدية والالتزام    مجلس الوزراء يستعرض خطة «الكهرباء» للوصول بالطاقات المتجددة إلى 30% بحلول 2030    المستشار الألماني يستقبل الرئيس الأوكراني في ديوان المستشارية    الاتحاد الأوروبي يعتمد رسمياً إجراءات قانونية لرفع العقوبات عن سوريا    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    رافينيا يوقف صفقة انتقال لويس دياز إلى برشلونة    البنك الأهلي يكشف مصير طارق مصطفى وكواليس طلب الزمالك التعاقد معه    كريستيانو رونالدو يتلقى عرضًا من نادي إنجليزي    حققت كل شيء.. أسطورة الإسكواش علي فرج يعلن اعتزاله    «متهور».. تعليق صادم من خالد الغندور بشأن صفقة الأهلي المنتظرة    «قبل المونديال».. بايرن ميونيخ يتحرك لتعديل عقد نجم الفريق    السياحة والآثار: جولات ميدانية لمتابعة تجهيزات مخيمات حجاج السياحة بمنطقتي منى وعرفات    عاجل.. السجن المشدد لمتهم وزوجته في قضية الانضمام ل "داعش"    اليوم..عادل عوض يناقش سينما سبيلبرج في مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية    نسرين أسامة أنور عكاشة ل«البوابة نيوز»: مفتقد نصيحة والدي وطريقته البسيطة.. وأعماله تقدم رسائل واضحة ومواكبة للعصر    مجلس جامعة قناة السويس يُكرم الدكتور أحمد أنور تقديرًا لجهوده في تطوير المستشفيات الجامعية    ماكرون: مؤتمر حل الدولتين بنيويورك سيشكل زخما للاعتراف بدولة فلسطين    الكشف عن تفاصيل عقد دى بروين مع نابولي    «اشربوه مصانش نادية».. رسائل نارية من جمال عبدالحميد لمسؤولي الأهلي بسبب زيزو    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    إدارة الأزمات والتداخلات العاجلةب " الجبهة ": تناقش سيناريوهات الوقاية ومواجهة التحديات    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    العيد عندك الجمعة ولا السبت.. دول تخالف رؤية هلال ذى الحجة.. تعرف عليها    رصاص تحت الدائري.. قرار من الجنايات بشأن محاكمة "الغنتوري"    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجري زيارة إلى كييف وروسيا الأيام المقبلة    «تقدير الجمهور أغلى جائزة».. مي عمر تعلق على فوزها ب أفضل ممثلة عن «إش إش»    تشييع جثمان والدة المخرج خالد الحجر    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذى الحجة.. دار الإفتاء تجيب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    حكم صلاة الجمعة إذا جاء العيد يوم جمعة.. الإفتاء توضح الرأي الشرعي    كوريا الشمالية تهاجم قبة ترامب الذهبية وتتعهد ب"تناسق القوة"    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    متحدث «الصحة»: بعثة مع الحجاج المصريين لتقديم الرعاية الطبية    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    افتتاحات مرتقبة لقصور الثقافة في القاهرة وسوهاج وسيناء    تفاصيل الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من "حقوق السوربون" بجامعة القاهرة    وقف شيخوختك.. أطعمة مفيدة لصحة الرجال    وزارة العمل: تخريج دفعة جديدة من برنامج "همم مهنية" على صيانة المحمول    «المنشاوي» يفتتح تطوير الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل الغارة الجوية الإسرائيلية على صنعاء    لمواجهة الفكر المتشدد.. "أوقاف الفيوم" تنظم دروسًا منهجية للواعظات    محافظ بنى سويف يستمع لمشاكل واحتياجات أهالى قرية بنى هانئ    «تمريض بني سويف» تستقبل لجنة الدعم الفني بمركز ضمان الجودة    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    صندوق النقد يحث مصر بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عاصم الدسوقي: الدور الوطني للجيش المصري عبر التاريخ
نشر في البديل يوم 17 - 09 - 2013

قبل ولاية محمد علي باشا1805 – 1849 لم يكن لمصر جيش بالمعني الاصطلاحي وإنما كانت هناك فرق مقاتلة تعرف في التركية باسم ‘باشبوزوق' أي المرتزقة من مختلف الأعراق من هنا وهناك لا دافع لهم ولا حافز إلا الحصول علي المغانم، ولا ولاء لهم إلا لدافع الأجر، وكان من السهل علي أولئك المرتزقة أن يتخلصوا من زعيمهم إذا لم يوفر لهم سبل المغانم، بل لقد كان محمد علي نفسه رئيسا لفرقة من أولئك الباشبوزوق حين جاء لمصر برفقة فرق عثمانية أخري لإخراج الفرنسيين من مصر 1801.. فلما أصبح واليا علي مصر وداخلته نوازع الاستقلال بهذه الولاية عن السلطان العثماني فكر في بناء جيش نظامي حديث وخاصة بعد تجربته في المعارك بمجموعة من المرتزقة ضد الوهابيين في نجد بالجزيرة العربية 1818 – 1811.
وعلي هذا وخلال المدة من 1820 – 1824 نجح في تكوين جيش حديث بخبرة فرنسية قدمها الكولونيل سيف أحد ضباط جيش نابوليون بونابرت الذي اعتنق الاسلام باغراء من محمد علي وأصبح اسمه سليمان باشا الفرنساوي. ثم شرع في بناء الاسطول البحري فأقام ترسانة في كل من بولاق والاسكندرية لصناعة السفن الحربية والتجارية. وأقام معسكرا لتعليم البحارة الجنود الأعمال البحرية وأرسل بعثات خاصة لاعداد الضباط البحريين، وأيضا مصانع للأسلحة والذخيرة، وأقام القلاع والاستحكامات في المقطم والاسكندرية ورشيد ودمياط فضلا عن إصلاح قلعة صلاح الدين القديمة. وليس من المبالغة القول إن الجيش هو محور سياسات محمد علي الاصلاحية وتحديث الدولة فمثلا كان إنشاء مدرسة الطب يرجع في الأصل الي ضرورة إعداد أطباء للجيش، وكان إنشاء المهندسخانة بهدف إعداد خبراء في الصناعات العسكرية.
وبهذا التكوين نشأ الجيش المصري ليقوم بمهمة تنمية البلاد والدفاع عنها وحماية دائرة أمنها القومي طبقا لمتطلبات الجغرافية السياسية لأن في ذلك حماية للوطن نفسه. وكان هذا ما فعله محمد علي طوال فترة حكمه فأصبح قوة إقليمية هددت التوازن الدولي الذي أقامته القوي الأوروبية الكبري بمقتضي مؤتمر فيينا 1815 بعد أن انتصرت علي نابوليون بونابرت وقضت علي الثورة الفرنسية، فكانت النتيجة تحجيم قوة محمد علي العسكرية بقرار من تلك القوي في لندن يولية 1840 بألا يزيد الجيش المصري علي ثمانية عشر ألف جندي بعد أن كان عدده قد وصل إلي أكثر من 250 ألف فرد، وألا يقوم ببناء سفن حربية إلا بموافقة السلطان العثماني.
ولم يستمر الوضع هكذا بل إن محمد سعيد باشا 1855 – 1863 أنشأ مدرسة الضباط ‘الكلية الحربية فيما بعد' لإعداد قيادات للجيش من المصريين بعد أن كانت تلك القيادات تقتصر علي الأتراك والجراكسة، ونجح الخديو إسماعيل1863 – 1879 في زيادة عدد قوة الجيش المصري إلي 30 ألف رغم المراقبة الدولية، وتطوير وحداته بخبرة أمريكية، وتمكن من توسيع دائرة أمن مصر بضم أراضي غرب السودان وجنوبه وشرقه حتي وصل إلي الصومال فتحالفت عليه فرنسا وإنجلترا صيف 1875 وأثاروا ضده مشكلة تسديد الديون فكان التدخل الأجنبي في شئون البلاد الداخلية وانهيار السيادة الوطنية. وفي مواجهة هذا الوضع تولت قيادات الجيش التي تخرجت في مدرسة الضباط ممثلة في أحمد عرابي ورفاقه قيادة الثورة ضد ذلك التدخل وضد سيطرة الأتراك علي المناصب العليا في الجيش وخاصة منصب "ناظر الحربية"، وبتأييد من الجمعية الوطنية من المدنيين الذين كانوا يناضلون من أجل تحويل مصر إلي نظام برلماني فعليا وليس شكليا، وكان هذا التأييد في حد ذاته يعني ثقة المدنيين في قدرة الجيش علي القيام بهذا الدور حماية للوطن ومكتسباته.
ولما احتلت إنجلترا مصر 14 سبتمبر 1882 أقدمت علي حل الجيش المصري لإعادة بنائه من جديد وفق معايير التبعية ولتجريده من مصادر القوة ومظاهر الوطنية مثلما فعلت أمريكا فيما بعد عندما احتلت اليابان في 1945 وعندما احتلت العراق في 2003 لكن دوام الحال من المحال، فقد حدث ما ساعد علي إعادة تقوية الجيش المصري مرة أخري رغم اختلاف الدوافع والأغراض. فعندما دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولي مع النمسا والمانيا ضد إنجلترا وحلفائها أعلنت إنجلترا الحماية علي مصر 18 ديسمبر 1914 وأرسل المندوب السامي البريطاني خطابا باسم الحكومة البريطانية إلي السلطان حسين كامل يخبره أن زوال السيادة العثمانية يزيل القيد الذي كان يحدد عدد الجيش المصري بثمانية عشر ألف جندي. وكان غرض بريطانيا أن تستخدم الجيش المصري في الحرب الدائرة في أوروبا عن طريق زيادة عدد القوات.
ولكن ‘رب ضارة نافعة'، فعلي مدي سنوات الحرب شهد الجيش تطورا ملموسا في الحجم والتسليح بما يسمح بتأمين الجبهة الداخلية والدفاع عن البلاد ضد الغزو الخارجي إذا دعت الضرورة. واشترك الجيش المصري في معارك القتال إلي جانب القوات البريطانية علي ثلاث جبهات: الجبهة الشرقية ضد القوات التركية، والغربية ضد قوات السنوسي الليبية، والجنوبية في السودان ضد قوات السلطان علي بن دينار، بل لقد أمد إنجلترا بفرقة من العمال المصريين، وفرقة من ‘الجمالة' أي راكبي الجمال ساعدت في تغطية احتياجات المقاتلين في عدة جبهات في ميادين قتال خارج مصر.
ولما اندلعت الثورة في مارس 1919 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي تمكنت بريطانيا من احتواء الثورة بإعلان مصر مملكة دستورية مستقلة '28 فبراير 1922′ مع الدخول في مفاوضات لتسوية أربع مسائل عرفت بالتحفظات الأربع، في مقدمتها حق بريطانيا في الدفاع عن قناة السويس إلي أن يصبح الجيش المصري في قوة تمكنه من مهمة الدفاع. علي أن هذا التحفظ ما جاء إلا لأن بريطانيا كانت تعلم حقيقة قوة الجيش المصري من خبرة سنوات الحرب العالمية الأولي ولا تريده أن يكون جيشا وطنيا في مرحلة "الاستقلال".
لكن هيهات أن تنتزع الروح الوطنية من أبناء الجيش المصري فقد أثبتت الأحداث التالية صدق عزيمة الجنود وإخلاصهم للوطن. ففي أعقاب اغتيال سردار الجيش المصري في السودان ‘الجنرال لي ستاك' في 19 نوفمبر 1924 قررت بريطانيا سحب الجيش المصري من السودان حتي تنفرد بحكمه خلافا لإتفاقية الحكم الثنائي المصري – الإنجليزي يناير 1899لكن القائمقام أحمد بك رفعت القائد العام للوحدات المصرية رفض الانسحاب بأمر بريطاني وقال "إنه لا يمكن أن ينفذ أمر الانسحاب لما رآه من نفسية عساكر الطوبجية وخير لي أن تحاكموني بمجلس عسكري أو تكبلوني بالحديد من أن أنفذ هذا الأمر وأكون عنه مسئولا". وكذلك رفض ضباط بطاريات المدفعية الثلاث وقالوا: ‘خير لنا أن ندافع حتي نموت ولا نترك السودان إلا بأمر من مليكنا وحكومتنا'.
وفي أعقاب سحب الجيش المصري من السودان أبدي الملك فؤاد في مطلع 1925 رغبته في زيادة عدد أفراد الجيش وتسليحه بالمدفعية الآلية: ‘الرشاشات' وكانت آنذاك تعد ثورة في التسليح، وأخذ عدد القوات في ازدياد، فأوصي المندوب السامي البريطاني حكومته بإيقاف أي زيادة فعالة في حجم وتسليح الجيش المصري خشية أن يؤثر علي المصالح البريطانية.
ولقد ظل هدف تقوية الجيش المصري يقابل بمعارضة شديدة ومناورات مختلفة من جانب الإدارة البريطانية حتي لا يضيع منها حق الدفاع عن مصر وقناة السويس طبقا للتحفظات المصاحبة لتصريح فبراير 1922 وأكثر من هذا أنه بمقتضي معاهدة 1936 جاءت بعثة عسكرية بريطانية تحت عنوان تدريب الجيش وتسليحه وكان الغرض الحقيقي الحيلولة دون تقويته ليظل تابعا للسياسة البريطانية ومصالحها لا أن يكون جيشا وطنيا، وحتي لا يستخدم بمعرفة نظام الحكم لإجلاء بريطانيا عن مصر.
ومع ذلك تمكنت الحكومة المصرية من تقوية الجيش وتطويره بمختلف الطرق والوسائل لعل أبرز مظاهره فيما يتعلق بوطنية الجيش تمصير إدارته حين حل اللواء محمود شكري محل المفتش العام البريطاني للجيش المصري، والتوسع في إنشاء الإدارات اللازمة لتصريف الأمور، واستحداث مناطق عسكرية جديدة في البلاد، وتطوير القوات الجوية، وتكوين المجلس الأعلي للدفاع، والتفكير بشكل جاد في التصنيع الحربي، والعمل علي تنمية ثقافة العسكريين بإنشاء "مجلة الجيش والبحرية" وكانت قد أنشئت في عام 1927 لكن توقفت عن الصدور بعد أشهر قليلة ثم أعيد إصدارها في 1938 باسم ‘مجلة الجيش' وتتابعت المجلات العسكرية في الصدور فيما بعد، وأصبح الجيش المصري ‘المتجدد' يلفت نظر المراقبين الخارجيين حتي لقد كتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في الأسبوع الأول من أبريل 1939 تقول ‘إن مصر أصبح لديها ثلاثون ألف جندي وفرقة من الدبابات مجهزة أحسن تجهيز ووحدات ميكانيكية وقوة جوية وأن هذه القوات تزيد شهرا بعد شهر'.
ثم ساعدت ظروف اندلاع الحرب العالمية الثانية '1939 – 1945′ علي تقوية الجيش المصري أكثر وأكثر حيث تولي مهام الدفاع عن قناة السويس ضد الغارات الجوية والدفاع الجوي عن المطارات وعن المدن الكبري، والدفاع الساحلي في جميع المواني، وحراسة المرافق العامة ومحركات القوي، وإعداد المراقبة الجوية للإبلاغ عن اتجاهات الطائرات المعادية، ووضع وحدات البالون ‘المناطيد' في المواني لمنع اختراق الطيران المعادي لمجال الميناء، وإعداد غرفة العمليات الحربية في القاهرة والإسكندرية، وإعداد نظم الدفاع الجوي عن المدن والمواني والأهداف الحيوية وسلسلة القناطر المقامة علي نهر النيل ‘خزان أسوان وقناطر إسنا وأسيوط'. وتولت إدارة الأمن العام بالتعاون مع المخابرات الحربية والبوليس السياسي والقسم المخصوص تطهير البلاد من أعوان دول المحور وأفراد الطابور الخامس وخاصة من الأجانب المتمتعين بالامتيازات وحماية المحاكم المختلطة.
وفي ظروف الحرب ‘العالمية الثانية' التي كانت بين إنجلترا التي تحتل مصر وبين ألمانيا وإيطاليا أساسا، فكر بعض الضباط المصريين في انتهاز الفرصة والعمل علي التخلص من الاحتلال البريطاني ولو بالتعاون مع الألمان علي طريقة ‘عدو عدوي صديقي'.. ومن ذلك أنه في خلال صيف 1940 كان قد عهد الي كتيبتين مصريتين بالدفاع عن القطاع الجنوبي من الصحراء الغربية بينما يتولي الانجليز الإشراف علي الجبهة الرئيسية المحاذية للبحر، ولكن السلطات البريطانية تشككت في نيات أولئك الضباط فنزعت سلاحهم وأبعدتهم عن الجبهة فقرر ضباط الكتيبتين الانسحاب الي العاصمة دون تنفيذ أوامر السلطات البريطانية، وجال بخاطرهم مخاطبة علي ماهر رئيس الحكومة تقديرا لموقفه تجاه الانجليز، ولما وجدوا الاتصال به صعبا اتجهوا الي عزيز المصري الذي كان يري الفرصة مواتية للإفادة من ألمانيا وخاصة بعد تدخل جيوشها في ليبيا ربيع 1941. وفي سبيل هذا كانت خطته اللجوء إلي المانيا ومن هناك يوجه نداء إلي ‘جيش التحرير'.. وفكر أولا في السفر عن طريق استانبول فلم يوفق، ثم دبر خطة مع الألمان في ليبيا علي أن تهبط إحدي طائراتهم خفية قرب الواحات وتنقله الي ما وراء الحدود لكن سيارته تعطلت في الطريق وعادت الطائرة بعد فوات الموعد.ثم دبر خطة للخروج بطائرة مصرية بالاتفاق مع الطيار ذو الفقار صبري لكن الطائرة هبطت اضطراريا بعد اقلاعها بدقائق وانكشف أمره وتم اعتقاله.
***
وعندما أعلنت بريطانيا انها سوف تنهي انتدابها علي فلسطين وتنسحب منها ليلة 15 مايو 1948 واستعدت الجيوش العربية لتسليم فلسطين لأهلها العرب، كان الجيش المصري في مقدمة صفوف المقاتلين دفاعا عن حدود الوطن وأصبح علي مسافة 29 كيلومترا جنوب تل ابيب لولا أن مجلس الأمن الدولي أعلن الهدنة أكتوبر 1948ومن واقع ملابسات حرب فلسطين وما انتهت إليها تشكل تنظيم الضباط الأحرار ابتداء من سبتمبر 1949 بعد عودة جمال عبد الناصر من الفالوجا ليتولي مهمة تحرير الوطن علي طريق تحرير فلسطين، وتم الاستيلاء علي السلطة كما هو معلوم ليلة 23 يوليو 1952 وأجبر الإنجليز علي التفاوض من أجل الجلاء فتحرر الجيش المصري من كل العقبات التي كانت تحول دون أن يكون قويا، وأصبح مصير الوطن في يده، واتسعت آفاق مهماته لتشمل المساهمة في تحرير أوطان العروبة طبقا لما تمليه شروط الجغرافيا السياسية، ولم يكن في ذلك تبديدا لأموال أو تضحية بشهداء لأن التفكير الاستراتيجي يتطلب هذا.. ولنتذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تدفع بجيوشها في كل بلاد العالم خارج حدودها من أجل تأمين وطن الأمريكيين في المستقبل ولم يجرؤ أحد علي انتقاد أمريكا في هذا الخصوص.
وتتابعت المراحل.. فعندما وقع العدوان الثلاثي في 29 أكتوبر 1956 دافع الجيش عن الوطن تسنده المقاومة الشعبية وقال عبد الناصر: لقد فرض علينا القتال ولكن لن نستسلم أبدا. ثم ما لبث أن وقع عدوان يونية 1967 ولم يستسلم عبد الناصر لشروط العدو وبدأت حرب الاستنزاف التي كشفت عن حقيقة الروح الوطنية عند المقاتل المصري للدفاع عن الأرض، وهي الحرب التي انهكت إسرائيل حتي جاءت مبادرة روجرز في يوليو 1970 بإيقاف القتال لمدة ثلاثة أشهر لكي تلتقط إسرائيل أنفاسها، وفي هذا قال عيزرا وايزمان إن حرب الاستنزاف هي الحرب الوحيدة التي لم تكسبها إسرائيل.. واستكمل الجيش مهمته الوطنية في حرب السادس من اكتوبر 1973 لتطهير الأرض وحقق بطولات منقطعة النظير بشهادة خبراء العسكرية العالميين بصرف النظر عن أن التسوية السياسية للحرب كانت في طريق آخر.
***
وإذاً فالجيش المصري هو درع الوطن وصدفيته الواقية.. تربي أبناؤه علي الدفاع عن وطن وليس الدفاع عن قبيلة أو أسرة أو مذهب.. وشعاره ‘يد تبني ويد تحمل السلاح'.. ولهذا فعندما قامت ثورة 25 يناير 2011 وبدا أن سلطة الحكم واقعة في يد الإخوان المسلمين الذين تربصوا بالثورة ابتداء من يوم 28 يناير وتخلي مبارك عن الحكم، صدر الإعلان الدستوري في 30 مارس 2011 الذي نص في مادته 56 علي أن ‘يتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد' تحددت في عشر صلاحيات. وفي أثناء معركة الإعادة لانتخاب رئيس الجمهورية بين احمد شفيق ومحمد مرسي يونية 2012 أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة إعلانا دستوريا مكملا في ساعة متأخرة من مساء 17 يونية بتأكيد هذه الصلاحيات والتأكيد أكثر علي أن رئيس الجمهورية يعلن الحرب بعد موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة.
وأغلب الظن أن تلك الصلاحيات التي تم اسنادها للقوات المسلحة بمقتضي الإعلانين الدستوريين قصد بها حماية الوطن من أن يتحول إلي جمعية دينية خاصة وأن الخطاب السياسي لجماعة الإخوان أثناء جولة انتخابات الإعادة كان يدور في إطار مفهوم الأمة الإسلامية وليس الأمة المصرية وفرق كبير بين المفهومين من حيث تقرير المصير، وهو ما يفسر سرعة الرئيس المعزول مرسي بعد فوزه بالرئاسة إلي إلغاء الإعلان الدستوري المكمل لكي يصبح الجيش أداة في يد الجماعة الإسلامية وليس الجماعة الوطنية، علي حين أن دستور الجمهورية التركية مثلا بعد إنهاء السلطنة العثمانية نص علي أن الجيش يحمي الدولة العلمانية لتكون وطن جميع من يعيش علي أرضه علي اختلاف معتقداتهم ومذاهبهم وأديانهم وأصولهم العرقية المتباينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.