مر أسبوع دون كتابة في البديل... وهي الفترة الأطول خلال الشهور الأخيرة، دون كتابة. أسبوع من التشتت بين مشاعر ورغبات متناقضة، حول جدوي الكتابة بشكل عام، جدواها الحالية، وحول من يقرأ وكيف يقرأ، إلخ. وهو التشتت الذي يتناقض مع الرغبة في الكتابة عن “الرعب” كخارطة طريق أساسية للمجلس العسكري. خلال هذا الأسبوع صدر البيان المعروف للعسكري المتعجرف، بطريقته التمثيلية الغاضبة، التي حددها هو وزملائه حين قالوا له: (إطلع قول البيان وخوف الناس). لم يكن لدي الجديد لإضافته كتعليق علي مضمون وشكل البيان العسكري. وخصوصا أن المصريين، ومن جديد، وعبر الآلاف من التعليقات، والمئات من الرسوم الساخرة والمقالات، قد قاموا بالرد، وألقوا محتوي البيان وشكله في المكان الذي يستحقه. وذلك بردهم الجماعي، الذي لخصه الشاعر إسلام عبد المعطي، في قصيدة كتبها بعد دقائق من البيان الشهير، وعنوانها: ميهمنيش. وكانت أحد نتائج هذا الرد الشعبي الساخر علي إصبع الفنجري، هو ألا يستخدم عضوا المجلس العسكري، اللذان قاما بالمؤتمر الصحفي مساء نفس اليوم، أصبعهما، بل إنهما وصلا لدرجة إنهما وضعا أيديهما اليمني، طوال الوقت، بأسفل المائدة!!! إلا أن كلمات عسكري آخر هي من أخرجتني من هذه الحالة من الحيرة والتشتت، وحسمت الموقف من جديد لصالح الكتابة، كنوع من أنواع المشاركة المتواضعة، في عملية خلق مستقبل جديد لنا جميعا. العسكري الذي أقصده يحمل لقب (الرويني)، خرج علينا في برنامج تلفزيوني، بتصريحات غريبة حول الشاعر والكاتب تميم البرغوثي. شاهدته بينما يسيطر عليّ سؤال: من هم هؤلاء العسكر؟ ومن أين أتوا بهذه الثقة المفرطة التي يتحدثون بها؟ ولننس هذا التساؤل مؤقتا. لا أكتب الآن عن تميم البرغوثي كأحد معجبيه. الإعجاب من عدمه يدخل في دائرة الأذواق والآراء، أما الحوار حول مصريته من عدمها، وبالتالي حقه في الكلام، لا يدخل في دائرة الآراء. بل يفتقد لأي ذوق، ويقترب من مستويات شديدة الخطورة، ويفتح الباب أمام سلاح جديد، تود السلطة الحالية استخدامه. العسكري يحدد الآن من هو الوطني ومن هو الخائن، يوزع شهادات حسن السير والسلوك، متصورا إننا لن نسأله عن تاريخه، وعن ولائه لمبارك خلال عقود، قام خلالها المخلوع وأعوانه بتسليم الشعب والدولة لأعدائهما التاريخيين. في نفس الوقت الذي كان فيه والدا تميم البرغوثي، وتميم نفسه، يدفعون ثمن الانتماء لمصالح هذا الشعب. السيد العسكري بكلمات أخري، يطالبنا بأن نفتش في النوايا، وأن نتخذ المواقف، بناءا علي نوع الهوية المثبتة في جوازات السفر، ولون هذه الجوازات، وإن كان في جيوب حامليها، جوازات سفر أخري، بألوان مختلفة، أو فقط الجوازات الخضراء، الوطنية!!! بهذا المنطق فإن أحمد زويل، ومجدي يعقوب، وفاروق الباز، هم أعداء محتملون. دون أن ننسي المخرج محمد خان، أحد الذين شكلوا وعينا بوطننا وبفقرائه. السيد العسكري، الشجاع، الذي يواجه العدو في صحراء سيناء، لا يجرؤ علي الدخول مباشرة في موضوعه، لا يذكر بشكل مباشر اسم تميم البرغوثي، ويستخدم الالتواء كمدخل، قائلا: (لقيت واحد بيتكلم بلهجة غريبة، واسمه اسم غريب، وشكله مش شكل المصريين!!!) هم المصريين شكلهم إيه يا سيادة اللواء؟ لا داع للإجابة، فالعسكري لديه قصصه، التي تتلخص في الآتي: لا يذكر اسم الوثيقة موضوع الحوار أو مضمونها، لا يذكر أسم الشاب (اللي شكله مش مصري)، لكنه يذكر أن هذا الشاب – الأجنبي – تدخل في مسائل أمن قومي، وإنه انزعج، فقام بالاتصال بمخرج البرنامج للاحتجاج!!! الله يرحم مبارك اللي كان مطنشنا!!! فالعسكر الآن يتابعون الجميع أمام الفضائيات، ويتصلون مباشرة بمخرجي البرامج لفرض رقابتهم، الفاشلة. يخلط السيد العسكري ما بين قضايا مختلفة، واضعا إياها في “قفة” واحدة، إلا أن المجال لا يتسع هنا للحوار حولها، فقط أود التوقف السريع أمام عبارته: (مصر هي صانعة الوفاق الفلسطيني)، التي أوردها بمعني: (بالتالي مش الفلسطيني اللي بنعمله وفاقه حيجي يتكلم عننا)!!! عزيزي القارئ: فلتتعلم جيدا، من حق النظام المصري التدخل في شئون الغير، ومن حق نظام مبارك، وبيد عمر سليمان، تخريب الساحة السياسية الفلسطينية، وعقاب الفلسطينين علي خياراتهم. لكن ليس من حق الفلسطيني الذي عاش كل حياته في مصر، ابن الشاعر العربي الفلسطيني، والمبدعة العربية المصرية، أن يتحدث حول مصر!!! أدعو هذا القارئ للبحث في الإنترنت عن جنسية جمال الدين الأفغاني. وبما أن القارئ قد بدأ البحث المفترض، فمن الممكن أن يبحث أيضا عن عدد الشهداء العرب، من غير المصريين، الذين سقطوا كمقاتلين ضمن الصفوف المصرية، في حروبنا خلال الخمسين عاما الأخيرة. لم أندهش من كلمات الرويني، فقد توقعت في إحدى المقالات السابقة أن يتم استخدام سلاح الجنسية في المعركة الحالية. لكنني تذكرت المستشار طارق البشري، وللأسف فقد تذكرت “لعنته”. في عام 2008 شارك المستشار في فيلم وثائقي بعنوان “جيفارا عاش”، لن أسرد هنا ما قاله، ففي نهاية المقال هناك ملحق صغير ببعض عباراته الواردة في هذا الفيلم. لكنه باختصار قد مجد، وبوضوح، نموذج إرنستو تشي جيفارا، الأرجنتيني، الذي شارك في الثورة الكوبية، ومُنح الجنسية الكوبية بعد انتصار الثورة، أصبح الرجل الثاني في النظام الكوبي الجديد، ومات من أجل الكفاح المسلح البوليفي. بعد هذا الفيلم بعامين، يقوم المستشار طارق البشري – نفس من مجد هذا النموذج “الجيفاري” – بوضع التعديلات الدستورية لمصر الثورة!!! تعديلات تربط الولاء الوطني بمسألة الجنسية المزدوجة، وتتحدث عن جنسية “مصرية” خالصة. فاتحا الطريق لكوارث سوف تأتي إن انهزمت ثورتنا، وفاتحا الطريق أيضا أمام نقاشات مبتذلة حول وجود جنسيات أفضل من غيرها، مثلما يشير البعض. وتفتح الباب أمام حوارات وآراء غريبة حول حق البعض، من عدمه، في الحديث عن الثورة والمشاركة بها، بناءا علي الهويات التي يحملونها. حتي وإن كانت هذه الحوارات بريئة، فإنها منسجمة مع اللعنة التي ابتكرها المستشار البشري ولجنته، حين تم ربط الولاء الوطني بخطاب عنصري. بالتالي فعلي تميم البرغوثي أن يصمت لأنه نصف مصري، علي محمد خان أن يصنع الأفلام التي تتحدث عن باكستان أو إنجلترا، وعلي أنا أن أتوقف عن الكتابة لأنني لا أعيش بمصر بشكل دائم، ولن يشفع لي، أو لنا، مشاركتنا في المرحلة الأولي من الثورة المصرية... وإن دخلنا لمجال الفنتازيا، فليس من المستبعد أن يمنعوا عني حق الكلام، لأنني أعفيت من الخدمة العسكرية. ليس لدي أي مانع لالتزام الصمت، ومن المحتمل أن يشاركني تميم البرغوثي في هذا. لكن بشرط واحد، هو أن يمارس المستشار طارق البشري ما جاء علي لسانه في الفيلم المذكور، حين قال: أعظم جهاد هو كلمة حق في وجه سلطان جائر!!! بغض النظر عن إعجابنا من عدمه بشعر تميم البرغوثي ومقالاته، إلا أنه، ومعه أمه المبدعة والمناضلة المصرية رضوي عاشور، وأبوه الشاعر الفلسطيني العربي مريد البرغوثي، الذي طرد من مصر لأنه عارض تسليمها للكيان الصهيوني في السبعينات، قد ساهموا في تشكيل االوعي الإيجابي للآلاف من المصريين، وتركوا أثارا في وجدانهم. بينما البعض الآخر، لم يساهم أي مساهمة إيجابية في تشكيل وعي ووجدان أي أحد، حتي وإن كانت “نملة” صغيرة. رجاء أخير: نعرف أن للسياسة والديبلوماسية ضرورات، وبأن مصر ملتزمة – حاليا – باتفاقيات دولية... علي عينا وراسنا. لكن رجاءنا هو ألا تتم الاجتماعات مع قادة إسرائيل بالزي العسكري للجيش المصري. هذا الجيش الذي نحترمه وننتمي إليه وينتمي لنا. بعض أقوال المستشار طارق البشري في فيلم جيفارا عاش: جيفارا مش كوبي، جيفارا أرجنتيني، يتمثل فيه نوع من أنواع الطموح العالمي لعولمة الثورة، ضد الاستبداد المعولم أيضا. كان هناك إحساس إن جيفارا ملكنا جميعا. جيفارا حياته قصيدة شعر رائعة، وحادثة موته قصيدة شعر رائعة أيضا. ده العصر ده يتطلب... مش بس ينفع فيه الثائر المتمرد الجيفاروي، بل يتطلب ثائر متمرد جيفاريا، لكي يقودوا جماعة قادرة علي تحرير بلادها وجماعاتها السياسية من الأسر والأغلال. [email protected]