تحتفل روسيا كل عام بعيد النصر على الفاشية فى 9 مايو 1945 . ففي ذلك اليوم منذ 66 عاماً أعلنت المدافع فى برلين عن الانتصار الكامل للقوات السوفييتية على ألمانيا الهتلرية بعد حرب ضارية دامت حوالي أربع سنوات ، وبذلك تكللت بالنصر ملحمة البطولة والصمود التي دفعت شعوب الإتحاد السوفييتي ثمناً باهظا مقابلها ، تمثل فى قرابة 27 مليون قتيل غير عشرات الملايين من الجرحى والمعوقين . ومن المعروف أن ألمانيا الهتلرية شنت هجومها الكاسح على الإتحاد السوفييتي فى 22 يونيو 1941 . وبهذا التاريخ يؤرخ الروس لحربهم ضد ألمانيا الفاشية التي سبق أن أعلنت الحرب على أوروبا وبولندا فى عام 1939 فيما عرف بالحرب العالمية الثانية بينما سمى الروس حربهم بالحرب الوطنية العظمى ( 1941 – 1945 ) . لا يعرف تاريخ الحروب الحديثة حرباً تماثل الحرب الوطنية العظمى فى ضراوتها واتساع رقعتها وعدد القوات المشاركة فيها والذي يقدر بعشرات الملايين . ومُنى الإتحاد السوفييتي فيها بخسائر فادحة وخاصة فى المرحلة الأولى للحرب التي وصلت فيها القوات الألمانية المهاجمة إلى مشارف موسكو ، وفقدت كل أسرة عزيزا لديها ، وعاشت مدينة لينينجراد ( بطرسبرج حاليا ) أفظع حصار عرفته مدينة وهلك فيها أكثر من مليون من سكانها بفعل الجوع والبرد غير القتلى فى ميادين القتال ، ولكن ليينجراد صمدت للحصار 900 يوم وليلة ولم تستسلم . وكان الصبيان يعملون فى مصانع إنتاج الذخيرة بدلا من آبائهم الذين توجهوا إلى ميادين القتال . وأبدت النساء بطولة خارقة وحاربن جنبا إلى جنب مع الرجال فى فرق المقاومة الشعبية فى الأراضي المحتلة . وفى بداية الحرب منيت القوات السوفييتية بخسائر جسيمة وتقهقرت من الحدود إلى موسكو ، ولكنها استردت أنفاسها وحققت انتصارات باهرة فى معركة موسكو ، وستالينجراد وكورسك وبرلين ، حتى دخلت برلين ، واضطر الجيش الألماني الذي لم يقهر من قبل إلى الاستسلام دون قيد أو شرط . وعيد النصر ( 9 مايو ) عيد محبب إلى قلوب الروس وبقية الشعوب التي حاربت إلى جانبهم عندما كان الإتحاد السوفييتي دولة واحدة، وهو يحمل دلالات ومعاني كثيرة ، وفى مقدمتها الاعتزاز ببسالة الأجداد وصلابتهم فى الذود عن حرية وطنهم . كما تتجاور الفرحة مع الحزن على من ضحوا بحياتهم وسكنوا الخلود . ولكن لعيد النصر مغزى عالميا يتمثل فى التغيرات التي طرأت على العالم بفضل هذا النصر وذلك بظهور معسكر الدول الاشتراكية فى أوروبا ، وتعاظم قوة حركة التحرر الوطني التي وجدت فى الإتحاد السوفييتي حليفاً قويا ، وانهيار النظام الاستعماري وظهور دول متحررة عديدة فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما تمثل ذلك المغزى العالمي في صد خطر النازية التي خططت للسيطرة على مقدرات الشعوب الأخرى بما في ذلك الشعوب العربية التي وضع هتلر خطة للهجوم عليها بأن ينتهي من أوروبا . وكانت مصر مثلاً ساطعاً على جدوى التحالف بين الدول المتحررة حديثا وبين الإتحاد السوفييتي ، ويكفى أن نذكر بعضا من أمثلة هذا التعاون الناجح بين البلدين فى مشاريع كبرى فى أسوان وحلوان ونجع حمادي والسويس ... ولا ينسى شعبنا أن الخبراء الروس الذين ساعدوا مصر فى إعادة بناء جيشها بعد هزيمة 1967 قد ضحى بعضهم بحياته على أرض مصر جنبا إلى جنب مع زملائهم المصريين . إن عيد النصر على الفاشية هو عيد لجميع الشعوب التي تحررت من ربقة الفاشية والنازية ، ولولا البطولات والتضحيات الهائلة التي سجلتها شعوب أوروبا وأمريكا والتحالف الدولي آنذاك بين الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا لما أمكن القضاء على طاعون الفاشية وآلتها الحربية ونظرتها العرقية ، ولما نعمت الشعوب الآن بحريتها واستقلالها . وبهذه المناسبة علينا أن نذكر إن العزم والإرادة وروح التضحية ونكران الذات هي التي تشق الطريق لكل انتصار وتضمن تحقيق النصر فى معاركنا العادلة . وفي مثل هذا اليوم من حق شعوب الأرض قاطبة أن تسعد ، ومن حقنا أن نهنئ البشرية كلها بذلك اليوم : عيد النصر *** د. أبو بكر يوسف . الكاتب والأديب والمترجم المعروف .