لن أنتخب بثينة كامل لرئاسة الجمهورية. لن أنتخبها بالرغم من كونها امرأة، وبالرغم من حاجتنا لمساواة حقيقية، وليست كلامية، في كل المجالات. وبالرغم من تأييد مغني الثورة لها، مثلما أعلنت هي، فأنا لا أعرف من هو “مغني الثورة”. فلثورتنا مغنون كثر وليس مغني واحد. وليناير نساء كثيرات وليس فقط بثينة كامل، مع تقديري و احترامي لها ولمواقفها. المطلوب هو مؤهلات وبرنامج محدد لهذا المرشح/المرشحة للرئاسة، وليس فقط التقدير والاحترام. وفي حالة بثينة كامل، وبرغم الاعتزاز بأن أنتمي لنفس الثورة التي ضمتها، إلا أنني لا أعرف أين هي هذه المؤهلات والبرنامج. وأتمني ألا تبدأ موضة (بما أن فلانة امرأة لازم نكون معاها بما أننا تقدميين) أعرف هذه الموضة جيدا بحكم إقامتي في إسبانيا طوال أعوام. رئيس الوزراء الإشتراكي “ثاباتيرو” بدأ حكمه عام 2004 بخطوات سريعة ومبشرة، ليبدأ بعدها الاهتمام بتحقيق الأرقام القياسية، ليدخل التاريخ بأنه أول من اتخذ إجراءات محددة. من ضمن هذه الإجراءات، حشد الكثير من النساء في حكومته، تحت شعار ووصفة المساواة. ضمنت النساء الأغلبية في الحكومة. هذه الحكومة التي أعتقد إنها ستدخل التاريخ باعتبارها الأولي التي يشكل النساء أغلبيتها، وأيضا باعتبارها الأسوأ منذ التحول الديمقراطي في السبعينات. الوصفة النسائية لم تفلح، ولا أستطيع تجاهل أن من أسوأ السياسيين الذين تابعتهم هم بعض نساء ثاباتيرو. ولتظل قضية المساواة دون إنجاز حقيقي. إلا أن الموضة الأخري هي الاختزال، شاب الثورة الأوحد، كاتب ومحلل الثورة، مغني الثورة، وأيضا شاعر الثورة، وإن كان رديئا من نوعية هشام الكخ، و أيضا سيدة واحدة نتحدث عنها جميعا. وجوه النساء كانت أكثر من أن تحصي في ثورة يناير، سوف أبدأ بنفسي، بهذا النص الذاتي، وأشير لبعضها. بعض من نساء الثورة التي عشتها. أتمني أن يفعل الجميع نفس الشئ، حتي لا تتوه ذاكرتنا في سياق “الأوحد”. إن تذكر كل منا ثورته، سنجد وقتها الآلاف ممن يحملون بعضا من ذواتنا عبر التحامنا معهم منذ 25 يناير. يعرف الجميع صوت محسنة توفيق وما يحمله، منذ أن صرخت في فيلم يوسف شاهين (حنحارب... حنحارب). في بداية الهجوم لاقتحام الميدان يوم 2 فبراير، خفت بعض الشئ، نعم خفت، ربما علي ذاتي، ربما من الفوضي، ربما من إجهاض ثورتنا التي كنت أسميها وقتها انتفاضة. فجأة يعلو من الميكرفون صوت محسنة توفيق، صارخا، وأجمل من صوتها في فيلم العصفور (أنا محسنة توفيق، أنا موجودة معاكم هنا في الميدان، أنا مش حمشي، محدش يسيب الميدان)، لتجعلك هذه السيدة التي تسمعها ولا تراها، تخجل من ذاتك و من لحظة خوف عابرة، لتمنحك طاقات جديدة. عرب لطفي، المخرجة التي يداعبها أصدقاؤها بأنها تتحدِث كثيرا حين تحكي إحدى الحكايات، كانت صامتة في اجتماعات السينمائيين، ممسكة بالكاميرا لتوثق ما هو جديد تماما علي هذه الفئة من الفنانين. تطبخ باكرا بعض الحلل من العدس الأصفر، توزعه في أكياس بلاستيك، لتحمله، مع بعضنا، لمن قضوا الليل في ميدان التحرير، ولا تفارقها ابتسامة واثقة. أمي بأعوامها السبعين، ملابسها السوداء و شعرها الأبيض، جالسة بصمت لساعات في الميدان، التعب يحاصرها هي وأختي أمجاد، يحاولان التحكم في فوضي أبناء أمجاد الصغار. أمجاد تعود لمنزلها عند العصر، و تبقي أمي فرحة بهذا الشعب الذي يولد من جديد. تبكي داخلها زوجها الذي تمني طوال عمره هذه اللحظة ورحل قبل أن يعيشها. قريبا منها أمل رمسيس، التي ألغت سفرها للخارج حتي لا تفارق الميدان، تتباهي أمامنا بأنها قادرة علي النوم في أي مكان وعدم احتياجها لبطانيات، لتغطيها أو لتعزلها عن أسفلت الرصيف البارد. هذه السيدة المنقبة التي كانت جالسة علي نفس الرصيف، تنتظر تنحي مبارك يوم 10 فبراير، بجوارها طفلتها ذات الأعوام العشرة، يغنيان معا (حلوة بلادي السمرا) بينما الطفلة تلوح بعلم مصري صغير مثلها. ولاء سعدة، التي كانت من أوائل من دعوا لاعتصام نقابة السينمائيين، نتيجة إصرارها وإلحاحها هي و زملائها، يتحد المئات من السينمائيين، لإسقاط هذا النقيب المنتمي لشبكة فساد الإعلام المباركي. مئات من النساء حاملات المياه و الحجارة للصفوف الأمامية المواجهة عند المتحف ، في الليلة التي حاول النظام فيها كسرنا نهائيا، ليل الثاني وفجر الثالث من فبراير. أخريات يقمن بالدق علي السور المعدني لتحميسنا، لإشعارنا أننا في معركة، ولإرهاب العدو. لا يتعبن، وكأنه بضربات الحجارة علي المعدن يرددن جملة (إصحي يا مصر) عند الفجر. نيفين نظير، التي كانت تبكي علي التليفون لعدم تمكنها من نزول الميدان في الأيام الأولي. تتحول مرة أخري لطفلة صغيرة فرحة، حين تدخله للمرة الأولي، مثلما كانت في ساحة الجامعة عام 1991. وكأن الزمن يعود عشرين عاما للوراء في لحظة واحدة. ريم حجاب، تصغر محسنة توفيق بعقود. صباح 11 فبراير يجتمع أمام جامع مصطفي محمود بعض السينمائيين والنشطاء السياسيين، تنتهي الصلاة ويبدأ المصلون في الرحيل. هي حالة قلق ما بعد الخطاب الأخير لمبارك. نكاد نتوه بارتباكنا وحيرتنا حول من منا سيخطو الخطوة الأولي في هذا الميدان المشبوه. صوت ريم حجاب ينهي بحسم هذه الحالة، تصرخ في وسط الشارع (أنتو رايحين فين، أنتو حتروحوا وتسيبوه يحكمنا، حتمشوا وتسيبونا)، بينما دموعها تملأ وجهها المصري. صوت محسنة توفيق المليئ بالكرامة، والذي يمنحنا الشجاعة يوم 2 فبراير، هو ذاته صوت ريم حجاب الذي حوّل صلاة الجمعة، يوم 11 فبراير، لمظاهرة وصلت لماسبيرو. هو ذاته صوت بثينة كامل. هي تنتمي لكل هؤلاء، تنتمي للآلاف من النساء اللاتي لولا تضحياتهن، إصرارهن، وثباتهن عند الخطوط الأمامية، لكانت هزيمتنا شديدة القسوة. نساء مصريات ينتمين لمعتقدات متباينة، لطبقات مختلفة، وأيضا لطرق حياة، ربما تكون متناقضة. لكننا لم ننتصر بعد. ألا يجب علينا أن نوحد صفوفنا الآن وراء المرشح/المرشحة، الذي من الممكن أن يشكل ضمانا للحد الأدني من الوفاق، كرئيس لنظام ديمقراطي وانتقالي جديد؟ مرشح يضمن الحد المتفق عليه بين جميع القوي الثورية، الديموقراطية والتقدمية، حول المهام الأولي الواجب إنجازها، وتتيح لثورتنا الاستمرارية. نتفق علي برنامج يحمله مرشحنا، دون أن نسقط في فخ “المرشح أو الرئيس الأوحد”. نشارك جميعا في رقابته ومحاسبته، وبندية. لا ندعه يعمل وحده، ولا نسمح له بأن يتصور أنه الوحيد الذي يعرف مصالحنا ويطبقها. نفرز قياداتنا ولا نحولها لآلهة. نحاول مرة أخري ألا تتشتت أصواتنا وقوانا. حتي لا يأتينا عمرو موسي منتصرا، رغم كونه ذيل نظام مبارك وأحد من جمّلوا وجهه القبيح والفاسد. أو ينتصر شخص آخر، يخرجه الجيش من تحت عباءته. لنجد أن السيد الرئيس، هو عدو جديد.