مبادرة "لم الشمل .. شعب واحد .. وطن واحد".. كلها مصطلحات لمعنى يدور في فلك المصالحة الوطنية التي ظهرت بعد 30 يوينو، وبالتأكيد لا يوجد عاقل يعترض على كل الأهداف النبيلة التي تسعى لتحقيقها من توافق وإعادة اللحمة الوطنية لأبناء هذا الشعب ونبذ العنف. ولكن تبقى الأسئلة مفتوحة هل المصالحة الوطنية تعني التجاوز عن كل من ارتكب جرائم وتورط في التحريض ضد المواطنين المصريين؟، هل نحتاج إلى مصالحة أم عدالة انتقالية حقيقية؟، هل المصالحة المطروحة الآن محاولة للخروج الآمن للإخوان المسلمين وشروط نجاحها؟.. يقول الدكتور إكرام بدر الدين، رئيس قسم العلوم السياسية جامعة القاهرة، إن المصالحة الوطنية هو اصطلاح يطلق على الفترة التي تعقب الصراعات أو النزاعات في أي دولة، ويكون المراد منها إيجاد حد أدنى من التوافق بين الأطراف المختلفة ونسيان الماضي، وأضاف أنها عادة تحدث بعد حدوث الثورات، وتعد جنوب إفريقيا من أشهر الدول التي خاضت المصالحة الوطنية بزعامة نيلسون مانديلا وحققت نجاحًا كبيرًا. وأكد "بدر الدين" أن من شروط نجاح المصالحة هو ألا يستبعد أي طرف، ولكن مع المحاسبة لكل شخص ارتكب جريمة في حق الوطن من تيار معين، ومن ثم لا غبار من التصالح مع فصيل أو اتجاة سياسىي معين كجماعة الإخوان المسلمين طالما أصبح لديهم تقبل عام لقواعد اللعبة الديمقراطية. ويضع "بدر الدين" روشتة من ثلاث بنود لنجاح هذه المصالحة الوطنية؛ أن تؤكد على استبعاد العنف وعدم اللجوء إليه في حل المشكلات بين الأطراف المختلفة، إعلاء مصلحة الوطن وأن الجميع عليه أن يتجمل مسئوليته ويجنب مصالحه الشخصية، أما ثالث هذه البنود هي إدراك أن الوطن به مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية عديدة، ولن يستطيع أن يحلها فصيل بمفرده، ومن ثم على الجميع يسعى للتوافق من أجل حلها. بينما يرى أحمد راغب، عضو الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان، أن المصالحة هي آخر مراحل العدالة الانتقالية، تسبقها العديد من الخطوات، أهمها اعتراف الدولة بخصوص الجرائم التي ارتكبتها في الفترة الماضية وليس في عهد جماعة الإخوان المسلمين، بل محاسبة كل من ارتكب جرائم ضد المصريين منذ أن تولى محمد حسني مبارك البلاد عام 1981، بالإضافة إلى إعادة هيكلة وتطهير المؤسسات وخصوصًا الأجهزة الأمنية، وأن يتم تعويض للمواطنين الذين ارتكبت ضدهم الانتهاكات الأمنية. واستنكر "راغب" الحديث الدائر عن الألفاظ الكثيرة الخاصة بلم الشمل أو مبادرة شعب دون مراعاة لهذا التسلسل الطبيعي لتحقيق العدالة الانتقالية، من أجل الوصول لمصالحة وطنية حقيقية، مشيرًا أنه بدون أجندة واضحة المعالم سوف نقع في نفس الأخطاء الماضية. وأكد "راغب" أن من أهم المشكلات التي وقع فيها الرئيس "مرسي" هو أنه لم يكن لديه أي فكرة عن العدالة الانتقالية، ومن ثم سقط نظامه وهو نفس الطريق الذي انتهجه من تولوا إدارة البلاد، وخاصة أن هناك من يتوهم أن الأجهزة الأمنية قد حلت مشكلتها مع الشعب المصري ولكن هذا تبسيط للأمور غير حقيقي. وأشار "راغب" أن الجهل وعدم وضوح الرؤية السياسية بأهمية العدالة الانتقالية سوف يزيد من تعقيد الأمور، خاصة أنه أصبحنا أمام استقطاب سياسي مفعم بالانتقام، وخطورته أنه وصل لأجهزة العدالة نفسها من شرطة ونيابة، حيث صدرت. يتفق معه الدكتور أيمن عبد الوهاب، مدير برنامج المجتمع المدني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن المصالحة الوطنية يلزمها ان تحدد في البداية ما هي مساحات التوافق المرجو لوصول إليها والتي ترتبط بمحاسبة من أخطأ ،وان تذهب الى ماهو ابعد من اللعب بالالفاظ، وتبتعد اكثر عن البعد السياسي وتتضمن الابعاد الاجتماعية والثقافية ،لان ماحدث خلال العام الماضى لم يكن خلاف بين سياسيين، ولكن للاسف نجحت جماعة الاخوان المسلمين فى ان تقطع المجتمع وتجذره وتخلق الاستقطاب به،ومن ثم ضرورة ان يكون من احد اهداف هذه المصالحة هو ان تعيد اللحمة الى هذا المجتمع. واكد عبد الوهاب على ضروة ان تجعل المصالحة المجتمع يقبل بالتعددية فى اطار الدولة المصرية ،وان يكون ذلك على اجندة الحديث عن التوافق الوطنى ،ولكن اذا تم التغضى عن هذه المبادىء الاساسية للمصالحة ،فلن تصبح سوى مجرد مخرج للاخوان المسلمين وقياداتهم واعادتهم للمشهد السياسى من جديد ،ولن يحل ذلك المشهد السياسى المتأزم التى تمر به البلاد، مشيرًا إلى أنه لاتعارض بين اقدام الدولة على المصالحة الوطنية وبين القبض على بعض قيادات جماعة الاخوان المسلمين المتورطة فى بعض الجرائم ،فمن أخطا من الطبيعى أن يحاسب، إلا وتحولت المصالحة الى نوع من التحايل والابتزاز السياسى وتوفير مخرج امن للقيادات ،وهو مايعتبر تجاوز لحقوق الدولة والمواطنين. وأوضح عبد الوهاب ان اشكالية هذه المرحلة ان لا احد من القوى السياسية الموجودة حاليا ان تتخدث باسم الملايين الذين نزلوا يوم 30 يونيو ،وليس من حقهم ان يتخذوا قرار بشان المصالحة الوطنية بدون الرجوع لهذا الشعب ،ومن ثم فالفترة المقبلة تحتاج الى اعادة تنظيم المجتمع ومؤسساته والاستعداد للانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية ،لتكون هى المحك الرئيسى لنجاح 30 يوينو ،واذا لم تستطع هذه القوى ان توفر وتحشد الرموز التى تعبر عن اعادة مصر الوسطية ،مصر التى تعنى سيادة القانون سيكون الامر محبط للغاية. ويرى المفكر القبطى جمال أسعد، أن المصالحة الوطنية مطلوبة فى هذه المرحلة العصيبة التى تمر بها البلاد شكلا وموضوعا ،ولكى تتم على اسس حقيقية وليست شكلية ،فلابد ان تسبقها مصارحة عن طريق تقييم موضوعى للمرحلة الماضية بالكامل ،ويتم فيها تحديد كل الاخطاء التى اقترفتها كل الاطراف ،وبعد الانتهاء من هذا التقييم تفتح ابواب المصالحة الوطنية. واشار اسعد لابد ان يدرك الجميع فى المرحلة المقبلة وبعد ماحدث فى 30 يونيوان مصر لن يحكمها فصيل واحد مهما تدشق بالدين وتاجر بها ،حيث اثبتت المرحلة الانتقالية والتجربة صحة ذلك ،فلابد ان تجتمع كل التيارات على ارضية تشاركية وتوافقية واحدة. وتتفق معه الدكتورة فادية المغيث - باحثة فى علم الاجتماع السياسى – ان القانون والقصاص هو سيد الموقف ،فعندما تسيل الدماء ،لن يكون للمصالحة قدر قبل ان ياخذ كل ذى حق حقه ،اما مجرد اقتراحات تلقيها القوى السياسية وافراد ليسوا بصانعى قرار فلن تؤدى الا مزيدا من الحنق والغضب، مشيرة إلى أننا لا نحتاج سوى المحاسبة بالقوانين الجنائية التى توجد منذ دستور 1923 ،دون اى اجراءات استثنائية ،فسيداة القانون اولا هو الذى يضمن استقرار المجتمع وتحقيق توافقه وامنه. أيمن عبد الوهاب: لا تعارض بين المصالحة والقبض على بعض قيادات الإخوان أحمد راغب: المصالحة آخر مراحل العدالة الانتقالية وليست أولى الخطوات جمال أسعد: المصالحة يجب أن تسبقها مصارحة وتقييم موضوعي لأخطاء المرحلة الماضية فادية المغيث: القانون هو سيد الموقف قبل كل المبادرات