المشهد المصري الآن يمر بأخطر مراحله, حيث أن البلاد أصبحت ممزقة ومنقسمة بعد إصدار الرئيس مرسي إعلانه الدستوري الجديد, ومن دون شك فإن التخوفات الرئاسية قد تكون منطقية في بعضها, علاوة علي تلبية بعض المواد لطموحات وتطلعات الشعب المصري, ولكن هناك علي الجانب الآخر, تجاوزا في المخاوف وفي حدود شرعية الإعلان الدستوري, إذ تري معظم الأحزاب والقوي السياسية والمدنية في هذا الإعلان, انتكاسة للثورة وهدما لدولة القانون. والآن تشتد أزمة الثقة بين القوي الثورية والسياسية المدنية وبين السلطة الحاكمة حول الجمعية التأسيسية والإعلان الدستوري الجديد والإضرابات الفئوية والوضع القانوني لجماعة الإخوان, وتعليق التفاوض والحوار مع مؤسسة الرئاسة وإقدام سمير مرقص مساعد الرئيس لشئون التحول الديمقراطي علي تقديم استقالته, وتهديد عبد الغفار شكري, نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان باستقالته, حال عدم اتخاذ المجلس موقفا عاجلا ضد الإعلان الدستوري مع سعي نادي قضاة الاسكندرية لتدويل قضية الإعلان الدستوري. هذا في مقابل إصرار الرئاسة علي عدم سحب الإعلان الدستوري أو علي الأقل التخلي عن تحصين قراراته من الطعن عليها ووقف جميع الدعاوي التي تطعن علي قراراته, والمنظورة أمام القضاء الإداري. وهنا يثور التساؤل: ما هو الحل والخروج من المأزق السياسي الحالي في مصر والذي قد يهدد بكارثة أو حرب أهلية؟ وفي هذا الصدد, لابد من الدعوة إلي حوار وطني للتوافق علي آليات ومعايير وطنية جديدة وإنشاء هيئة لإدارة المرحلة الانتقالية تسمي( هيئة إدارة العدالة الانتقالية) علي غرار هيئة المصالحة والإنصاف في المغرب أو مثيلاتها في جنوب افريقيا, وذلك لإعادة التوافق علي مودة الدستور للعدالة الاجتماعية. علي أن تشكل هذه الهيئة, بالاتفاق بين القوي الثورية والأحزاب السياسية والفصائل الإسلامية والنظام الحاكم, وتشكيل لجان نوعية متخصصة لإدارة المرحلة الانتقالية وتنفيذ( المشروع الوطني المصري) المتوافق عليه بين القوي السياسية والمدنية والإسلامية خلال المرحلة الانتقالية والذي يمثل أولويات العمل الوطني للتخفيف من الهموم السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري. ويتعين تفعيل دور المجتمع المدني والقطاع الخاص في تنفيذ مستحقات هذه المرحلة, علي أن يتولي تنفيذ المشروع حكومة وطنية توافقية جديدة أو معدلة, مع إعادة بناء الأجهزة الأمنية والشرطية لاسيما بعد أحداث محمد محمود الأولي والثانية. ولابد من التأكيد علي أن نجاح الحوار الوطني والمصالحة الوطنية, يتطلب بداية وجود إرادة صادقة لدي أطراف الحوار لإنجاحه, والتوافق العام والتشاور السياسي حول( مشروع النهضة المصري) خلال الفترة الانتقالية, و إدراك جميع القوي لخطورة عدم التوافق الوطني والمصالحة الوطنية فيما بينهم, حيث الانهيار الاقتصادي وعدم تحقيق الاستقرار السياسي والانفلات الأمني, ولكي لا نصل بمصرنا الحبيبة إلي الحرب الأهلية ذات الطابع الأيديولوجي و الطائفي. وليس معني ذلك أن تحقيق المصالحة الوطنية والوحدة الوطنية يعني بحال من الأحوال القضاء علي التباينات وقولبته في مكوناته بوجوه مختلفة ومضمون وحيد, فالداخل المصري يحتوي علي العديد من الأيديولوجيات والاختلافات التي يتم اعتبارها جزءا من تجربة الديمقراطية التعددية, ولكن بشرط تغليب المصلحة الوطنية علي المصالح الذاتية, وعدم تفضيل الانتماءات الأيديولوجية أو الفصائلية أو الحزبية علي الانتماء الوطني.