على وقع صرخات رقصة المذبوح بأكذوبة الانقلاب العسكري ضد نظام (المشلوح) محمد مرسي وجماعته، قد لا يحتاج المرء كثيرا من الإشارات الدالة لاثبات القدرة المبهرة في سذاجتها وبلاهتها من قبل تيار اليمين الإخواني وأذنابه وفلوله في التدليس والدجل والتلاعب بالألفاظ، استغلالاً لحالة فراغ ثقافي وخواء معرفي يعاني منها فئات ليست بالقليلة من شبابهم المغرر به، وهي ميزة نسبية نجح بعض قادة الإخوان في استغلالها بالترويج لمعان وأفكار مغلوطة، وما أن افلست تلك الأفكار وفقدت صلاحيتها أمام الموجة الثانية لمسلسل الثورة المصرية حتى بدأ استدعاء سلاح التكفير وشيطنة الآخر، والترويج لهلاوس ضالة مضللة يعاف اللسان عن ذكرها، و قمة الجبل الجليد هو توظيف هذه الفوضى اللفظية في هذا السياق هي استدعاء التدخل الدولي. لقد كانت بانوراما احتراق المعنى سافرة في أيام سوداء كعتمة الليل الدامس الظلمة، حينما تلاعب دجالوهم بالتطهير وجعلوامنه اسما حركيا ل(الأخونة) و(التمكين)، وروج كهنتهم لألفاظ الملاحدة والفلول والعلمانيين كشفرة تسويقية ساذجة ل(التيار المدني التنويري)، وتنطع منظريهم الأفذاذ بحديث هابط عن الدستور ك(منتج) على طريقة البقالين ومندوبي المبيعات (مع شديد الاحترام والتقدير)، وقس على ذلك أوصاف مشلوحهم مرسي للمؤامرات ب(الأصابع التي تلعب في مصر) وفلول النظام الأسبق ب(القرد والقرداتي)، وظني أن تلك الفترة الكئيبة في تفاعلاتها والكوميدية في قفشاتها ستحتاج إلى فصل متفردة في كتاب نوادر مصر المحروسة، وليس التحليل السياسي الجاد لمنعطف خطير في تاريخ مصر الحديث. يمكن للمرء التغاضي عن هذه السقطات المتوقعة، لكن ما لا يمكن غض الطرف عنه، هو سياسة التلاعب التآمري بالألفاظ التي يمارسها قادة (الاخوان المفلسين) واذنابهم في استكمال مسلسل استعداء الغرب والاميركي والذي بدأوه مع ترنح نظام الاخوان، والترويج أمام الرأي العام الدولي لما حدث في مصر على أنه انقلاب عسكري ضد رئيس مدني منتخب، وليس انفاذ جيش وطني لإرادة شعب ثائر من حاكم متسلط يدفع بوطنه لاقتتال داخلي، وذلك في محاولة يائسة من الاخوان للتلاعب الخبيث بالألفاظ، وقلب الحقائق الظاهرة للعيان، دفعا وتحريضا وبشكل واضح نحو تكرار النموذج السوري في مصر لكن من الخلف إلى الأمام، وهي مسألة تضعهم بما لا يدع مجالا للشك أمام محكمة شعب عظيم كشف مؤامرتهم على مصر. لقد خانت الألمعية والذكاء مجددا هؤلاء القوم المبعثرين في شتات مصر بعد حريق مقر مقطمهم، أو ربما هو جهلهم الذي هيأ لهم أن مصر (ميكروباص كبير) يمكن اختطافه بركابه في أشهر مما يعدون، وهونفسه الذي أعمى بصائرهم عن أن الانقلاب العسكري هو التحرك المفاجئ للقائد أو أحد قيادات الجيش للإطاحة بالحاكم سواء كان حاكم مدني أم حاكم عسكري، ليتولى القائد العام للجيش الحكم لتحقيق هدف عام، أو ربما مجرد طمعاً في الحكم، وهي شروط لم تنعقد أو تكتمل فيما حدث مساء ال3 من يونيو، بل وللحق ولصدق فإن مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية ستعجز عن وصفه. لقد تجنب سيدهم وملهمهم وراعي (سايكس بيكو الجديدة) باراك أوباما وصف ما حدث من تغيير مذهل ب(انقلاب عسكري)، لكنه اكتفى من الأمر بالتلويح بورقة المساعدات الاقتصادية وليته يفعلها ، ولم لا وقد أخرسه المشهد التاريخي المبهر للخروج لقوة مصر الناعمة بأزهرها الشريف وكنيستها الخالدة وشبابها الناصري الملهم ومعارضتها (النوبلية) النابهة كتفا بكتف مع جيشها العظيم بيت الوطنية، وفي توقيت معلوم وتحت سمع وبصر وترقب العالم لتعلن عزل مشروع ديكتاتور ديني فاشل تشبث بالسلطة أمام أمواج المصريين الهادرة، ليستعيد المصريون بهذا الاخراج المشرف شيئا من صورة مصر الحضارية ورونقها البديع. القدر المتيقن من الصواب أن مضي الاخوان (المفلسين) في التلاعب بالألفاظ والمتاجرة بها بعد أن بارت بضاعتهم الدينية الزائفة، ربما يتحول إلى نار تحرق ما تبقى من تنظيمهم المعزول شعبيا والساقط وطنيا وأخلاقيا، فقد اختاروا السلطة والخلافة والتنظيم العالمي بعد أن أعطاهم المجتمع فرصة نادرة للاندماج السياسي والتعايش الاجتماعي، واليوم هم يختارون سياسة الأرض المحروقة بالألفاظ الملتبسة والمعاني المغلوطة لتدمير الوطن واعتلاء ظهر دبابة.. لكن هيهات.. فاتكم القطار!