حصل الكاتب والمترجم الكبير " خليل كلفت" منذ فترة علي جائزة رفاعة الطهطاوي عن ترجمته لكتاب " النظام القديم والثورة الفرنسية " الصادر عن المركز القومي للترجمة ، والشيء الملفت والمحزن في نفس الوقت هو أن جائزة الطهطاوي هي الجائزة الأولي التي يحصل عليها مثقف حقيقي ومترجم مبدع بقدر خليل كلفت الذي عكف لسنوات طويلة علي ترجمة روائع أدبية وفكرية لم يسبق ترجمتها من قبل إلي اللغة العربية، والكتاب " النظام القديم والثورة الفرنسية" يطرح فيه مؤلفه المفكر الكبير " أليكسي دوتوكفيل" أسئلة ملحة عن الثورة الفرنسية ومفهومها وسياقاتها والنتائج الكبري للثورات بوجه عام كما يقدم شرحا معمقا لطبيعة النظام القديم الذي قامت الثورة لتحريره من القيود والنظام الإقطاعي لينتقل المجتمع الي الحضارة الرأسمالية ، ورغم أن السياق التاريخي للثورة الفرنسية التي يتحدث عنها الكتاب يختلف جذريا عن السياق التاريخي لثورتنا إلا أنه يجعلنا ندرك المفهوم الحقيقي للثورة بشكل عام وهذا ما أكد عليه كلفت في حوارنا معه. يحدثنا كلفت عن النظام القديم والثورة الفرنسية " هذا الكتاب منشور بعد انقلاب 1952 الشهير بثورة يوليو بقرابة ستين سنة وكان توكفيل يؤلف كتابه هذا بعد الثورة الفرنسية 1789 بقرابة ستين سنة أيضا وقد أكد توكفيل في مقدمة كتابه أنه لا يكتب تاريخ الثورة ولكن هذا الكتاب هو دراسة عن الثورة الفرنسية وكان يخطط لكتابة الجزء الثاني و كان عليه أن يدرس الثورة وتطوراتها ونتائجها غير أنه توفي قبل إنجازه كما توجس في سياق مقدمته قائلا : وقد تم إعداد مسودات للقسم الثاني من هذا الكتاب غير أنه لا يزال غير جاهز للنشر فهل سأوفق إلي اتمامه ؟ ومن ذا الذي يسعه أن يعرف؟ إن أقدار الأفراد تظل أكثر إبهاما بكثير من أقدار الشعوب" " النظام القديم" يجعلنا نتصور أن الكتاب يتحدث عن الحكم الديني الكهنوتي في العصور الوسطي الأوروبية إلا أن مترجم الكتاب خليل كلفت يؤكد لنا أن النظام القديم عند توكفيل ليس له علاقه بالحكم الديني بل يمثل الثورة الأولي قبل الثورة الفرنسية ، ويوضح ذلك قائلا " قبل قيام الثورة الفرنسية بمائة عام حدثت تطورات داخل المجتمع الإقطاعي ولكنها كانت شديدة البطء ، وتراكم هذه التطورات قد أدي الي ظهور تحولات مبدئية لانتقال المجتمع الفرنسي من النظام الإقطاعي الي النظام الرأسمالي وبدأت بالفعل تظهر نواه لطبقة رجال الأعمال الرأسماليين ، وما حدث داخل المجتمع الفرنسي أطلق عليه توكفيل الثورة الإجتماعية وهي تلك العمليات التراكمية الطويلة التي يتحقق من خلالها الإنتقال من نظام اجتماعي إلي نظام اجتماعي آخر وقد تحتاج هذه الثورة في فترة من فترات تطورها إلي ثورة سياسية عنيفة حتي تواجه المقاومة الداخلية والخارجية ، وهذا ما حدث في فرنسا بالفعل حيث قامت ثورة إجتماعية ثم ثورة سياسية عنيفة بعدها بمائة عام وأعتقد أن هذه هي الثورة الحقيقية لأنها قامت علي أرضية ثورة إجتماعية وهذه الثورة السياسية استطاعت أن تحقق وترسخ للديمقراطية الشعبية من أسفل ، كما يقول توكفيل في كتابه أنه لو لم تحدث ثورة سياسية في فرنسا لاستطاعت أيضا الثورة الإجتماعية الأصلية أن تضع المجتمع الفرنسي علي أعتاب الحضارة الرأسمالية". عندما قامت الثورة الفرنسية صارت فرنسا في طريق الثورة العنيفة ويوضح لنا كلفت أسباب ذلك قائلا " الحديث عن عنف الثورات لا ينبغي أن يحجب عنا حقيقة أن ثورات التطورات التدريجية لا تجهل العنف فهي بدورها وربما بصورة أكبر ثورات دامية من خلال أشكال وأنواع من الحروب الداخلية والخارجية قد تجلبها تطورات بنيوية وظرفية بل إن الحرب تكاد تكون شكلا نموذجيا كشرط من الشروط الموضوعية للإنتقال من نظام الي نظام آخر ، أليست حوليات تاريخ العالم مكتوبة بالدم والحديد والنار وفقا لقول شهير؟ ورغم الإنجازات التاريخية العظيمة التي حققتها الثورة الفرنسية إلا أن توكفيل يري أن هناك تناقضا كبيرا وهوة واسعة بين ما أراد الفرنسيون تحقيقه عندما قاموا بثورة 1789 وما حققوه علي أرض الواقع ويعلق كلفت " توكفيل يؤكد في كتابه أن الفرنسيين استخدموا أنقاض النظام القديم لتشييد صرح مجتمعهم الجديد حيث يري أن الثورة جاءت بالإستغلال والإستبداد الرأسمالي وبالتالي لم تحقق ما طمح اليه الفرنسيين من الحرية والمساواة والإخاء ، فبشكل عام هناك تناقض عميق للغاية بين الحلم الذي تلهث الشعوب وراءه في بداية انطلاق الثورة وما يتحقق علي أرض الواقع ويمكننا تطبيق ذلك علي ثورة 25 يناير. يحمل كلفت رؤية عميقة للثورة المصرية ولثورات الربيع العربي بشكل عام حيث يقول "إن الإمبريالية الأمريكية أدخلت الشعوب العربية في القفص الحديدي للثورة السكانية بدون ثورة صناعية ومن ثم لم تتحول هذه البلدان إلي الرأسمالية بل صارت مجرد حظائر خلفية للرأسمالية العالمية ويتابع " ثورة يناير جاءت في سياق من التبعية الإستعمارية فمصربعيدة تماما عن الإستقلال الحقيقي رغم الإستقلال الشكلي الذي يقره القانون الدولي ، حيث يدور الصراع بين الثورة الشعبية السياسية التي قام بها الشعب المصري من جهة وبين الإسلام السياسي والرأسمالية العالمية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية والرجعية العربية بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة أخري. وفي نهاية حديثنا معه يؤكد لنا كلفت "أن مفتاح نجاح الثورة المصرية يتمثل في العمل الجاد علي تحقيق الديمقراطية الشعبية من أسفل ويكمن أيضا في تحقيق الإستقلال الوطني عن الإمبريالية الأمريكية والوهابية الخليجية". الصراع الآن يدور بين ثورة يناير من جهة والهيمنة الأمريكية والوهابية الخليجية من جهة أخري