فى الشهر الماضى ألقت أجهزة الأمن القبض على مجموعة إرهابية بالقرب من نفق الشهيد أحمد حمدى بمحافظة السويس المؤدي إلى أراضى سيناء، وقد جاءت هذه العملية نتاج مراقبة ومتابعة مكثفة دامت لمدة خمسة أشهر لتلك المجموعة التى تضم مصريين وفلسطينيين وألقى القبض على عدد 3 أشخاص من هذه المجموعة التى تضم إجمالا عدد 9 أشخاص وبقى 6 آخرين هاربين وهم قيد الملاحقة حتى الآن، وكانت بداية متابعة هذه المجموعة تحمل للأجهزة الأمنية مفاجآتان من أغرب ما يكون فهذه المجموعة والتى يقيم كل أعضائها فى شمال سيناء بالقرب من المنطقة الحدودية على اتصال مباشر ومستمر بالجانب الإسرائيلى، وقد تم رصد تلك الإتصالات وتحديد الشخصيات الإسرائيلية المتواصلة مع هذه المجموعة.. وتبين أن هذه الشخصيات الإسرائيلية تابعة لأجهزة أمنية إسرائيليه، وهى تصدر لهذه المجموعة بعض التكليفات وتوجه لها العديد من الأسئلة تطالبها بتجهيز إجابات وافية وتفصيلية عنها، وأكدت عملية الضبط تحريات ومعلومات الأجهزة المصرية التى تابعت المجموعة حيث تبين أن المتهمين أمدوا الجانب الإسرائيلى بمعلومات عسكرية عن أماكن تمركز الأكمنة الحدودية.. وتواجد قوات الشرطة بسيناء وأسلحتها الحديثة التى تسلمتها مؤخراً، وقد تم العثور مع المقبوض عليهم على أسلحة آلية وطلقات نارية والأهم بالقطع مجموعة من الأجهزة اللاسلكية المتطورة التى وصلتهم من الجانب الإسرائيلى والتى أثبتت عليهم تهم التخابر ونقل المعلومات إلى دولة أجنبية أمام جهات التحقيق. المفاجأة الثانية التى واجهتها الأجهزة الأمنية بخصوص هذه الخلية التجسسية، أن عملية المتابعة والمراقبة لعناصرها حملت مسار جغرافى أثار العجب وقتها، فتحركاتهم داخل شمال سيناء والمنطقة الحدودية حول منطقة رفح كان مفهوماً بحكم طبيعة الإقامة وتواصلهم مع الفلسطينيين شركاءهم بالخلية، وأيضاً بحكم التكليفات القادمة من إسرائيل الخاصة بمعلومات محددة داخل سيناء، المسار الآخر العجيب كان فى تردد أعضاء هذه الخلية على مناطق تقع فى أقصى الغرب من مسرح عملياتهم، وهى المنطقة الممتدة من جنوب مدينة العلمين وحتى جنوب مرسى مطروح والسلوم، لم تهمل الأجهزة الأمنية هذه المشاهد التى تدور فى هذه المنطقة الغريبة وإن تعاملت معها بحرص شديد.. فقد رصدت أعضاء الخلية وهم يتوجهون فى زيارات متكررة ومتباعدة لتلك المنطقة من الصحراء الغربيةجنوب الشريط الساحلى، ولما كان هدف العملية الأمنية ضبط وتفكيك عناصر تلك الخلية التى تتعامل مباشرة مع الجانب الإسرائيلى فلم يتدخل الأمن لإرباك المشهد بمحاولة فك طلاسم هذا المكان فى حينه وأجل كمرحلة لاحقة على الهدف الرئيسى، وتم بنجاح القبض على الخلية الإرهابية وتقدمت الأجهزة الأمنية بما لديها إلى جهات التحقيق لتمارس دورها وبقي لديها ملاحقة الهاربين من أعضائها وأيضاً فك طلاسم المعلومة الغامضه الخاصة بالصحراء الغربيه وماكان يدور هناك. إستمر العمل على هذه المعلومة ما يقارب الشهر وإكتسب أهميتها وخطورتها من إرتباطها بخلية تجسس تعمل لصالح إسرائيل ترددت على هذا المكان وتعاملت مع أشخاص فيه.. كانت الأجهزة الأمنية تظن فى بادئ الأمر أنها تقوم بإستكمال ما بدأته وأن ما سيقع تحت أيديها قد يعد إستكمالا لما سبق ضبطه، لكن ما أنتجه العمل فى هذا المكان حمل طوفانا من المعلومات والأحداث لم تكن فى الحسبان وتجاوزت ما كانت تعمل عليه الأجهزة الأمنية بمراحل، فالبداية حملت وجود معسكرين لتدريب الأفراد يقوم عليهما خبراء إرهاب عائدين من مناطق الإرهاب الدولى فى بلدان أفغانستان والشيشان ومنطقة البلقان والذين دخلوا مصر فى فترة ما بعد الثورة، وبتراجع منظومة المتابعة لتلك العناصر فتح الباب أمامهم لممارسة النشاط الإرهابى والإتصال بالعناصر الإقليمية الأخرى العاملة على المسرح الداخلى، وظهرت سيناء بما جرى فيها من إنسحاب أمني تلى أحداث الثورة كمسرح نموذجى للإستقرار فيه وبدء تشكل الجيل الثانى من "تنظيم القاعده" متمثلاً فى مجموعة من التنظيمات المسلحة أطلقت على نفسها إسم عام "السلفية الجهادية" وتعددت تحت هذا المسمى أسماء التنظيمات التى تدور فى هذا الفلك، أول من بدأ الدخول على هذا الخط وبدأ فى إجراء إتصالات ساخنة مع هذه العناصر هو "تنظيم القاعده المغرب العربى" وهو القائم بالفعل على الأرض فيما قبل الثورة المصرية والليبية والتونسية، وجغرافياً كان يقبع فى منطقة جبال الأطلس جنوبالجزائر والمغرب، وكانت موجة التغيير وسقوط أنظمة الدول الثلاث السابقة هدية قدرية له ليهبط من كهوف جبال الجنوب البعيده ليمتد بأنصاره بوضوح فى الشريط الموازى للطريق الساحلى الرابط بين الدول الثلاث، وفى عودة للمعسكرين اللذين وصل أخبارهما لجهات الأمن تبين أن تنظيم القاعدة فى سعيه الحثيث لتكوين الكوادر الجديدة أقام هذه المعسكرات المتحركة إستغلالا لفترة التراجع الأمنى الذى صاحب الفترة الإنتقالية التى عاشتها مصر وحالة التهريب المكثف للسلاح الليبى الذى تم الإستيلاء عليه أثناء أحداث الثورة فى ليبيا وقد أطلقنا على هذه المعسكرات لفظ متحركة لأنها كانت تعتمد تكتيكاً سرياً للهروب من أى ملاحقه أمنية وهى إختيار منطقة فى عمق الصحراء الفارغة جنوب مدينة العلمين ومرسى مطروح لإقامة معسكر تدريبى تجهزه سريعاً بالمدربين والعتاد وأماكن الإقامة لتعطى للمتدربين دورة سريعة على أعمال صنع وزرع المتفجرات وإستخدام كافة أنواع الأسلحة، وبإنتهاء الدورة يتم تفكيك المعسكر بالكامل وإخفاء أى أثر له ودفع العناصر التى تم تدريبها فى بعض المهام التى يكلفون بها أو للكمون كخلايا جاهزة للدفع بها وقت الحاجة، وقد تكفلت تلك المعسكرات ببعض المهام.. لعل أشهرها سفر عدد لا بأس به منها للقتال فى سوريا تحت لواء جيش النصرة السلفي، وفى الداخل إنخرط أعضاءه فى شبكات تهريب السلاح الليبي القادم من الغرب لنقله إلى سيناء للتنظيمات المسلحة هناك ومنها إلى قطاع غزة، حددت الأجهزة الأمنية التى تلاحق تلك المنظومة الإرهابية الدولية عالية المستوى أماكن بعض هذه المعسكرات والفترات الزمنية التى تستهلكها فى مرحلة الكمون والتى تقوم فيها بنقل أماكنها لعدم لفت الأنظار، وبدأت الملاحقة وجمع المعلومات تنتج بعض من نقاط الضوء فى هذه الصحراء الشاسعة. كان النتاج الأول لهذه المعلومات ضربة أمنية نجحت فى ضبط خلية تدربت فى أحد هذه المعسكرات، وقد كلفت بالتوجه إلى القاهرة للقيام ببعض العمليات التخريبية المحددة وفق ماتم ضبطه فى حوزتهم من خرائط وأوراق مسجلة على أجهزة الحاسوب والبريد الإلكترونى الخاص بهم ضد السفارة الفرنسية كهدف رئيسى إنتقاماً لما تمارسه فرنسا من ضربات وملاحقات ضد "تنظيم القاعدة لبلاد المغرب" فى دولة مالى، وأضيف على التكليف بعض الأهداف الأخرى على سبيل التعمية على الهدف الرئيسى.. وهى القنصليه الأمريكيه بالأسكندرية ومحطات مترو أنفاق "التحرير" و "رمسيس" وهما محطتان رئيسيتان من الممكن إحداث خسائر موجعه بهما، ولأن هذه العملية كانت تمثل لتنظيم قاعدة بلاد المغرب أهمية بالغة فى كونها تستهدف السفارة الفرنسية وتريد بها أن تبدأ معركة ممتدة ضد فرنسا التى تضيق عليها الخناق فى حزامها الجغرافى الممتد أسفل الساحل الإفريقى.. وأيضا بإعتبارها أول عملية رسمية لتنظيم القاعدة على الأراضى المصرية، لذلك إختارت قيادة التنظيم مجموعة منتقاة من عناصرها لتتشكل منها هذه الخلية حيث كانت تضم كل من محمد أبو العلا عقيدة وعمر أحمد عقيدة ومحمد مصطفى بيومى ومحمد حميدة صالح وهم ممن ينتمون بشكل أساسى لتنظيم القاعدة. كشفت أعمال ملاحقة هذه الخلية عن ما هو أغرب فقد تم رصد قيام بعض أعضائها بالتواصل مع عدد من عناصر الجماعات المسلحة بمدينة الشيخ زويد بشمال سيناء وأيضا إصطحاب أفراد هذه الخلية إلى معسكر تدريب مشابه لما هو موجود بالصحراء الغربية مقام فى منطقة "الجورة" جنوب مدينة الشيخ زويد، فهكذا الشبكة تقفز من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق فى تواصل خطير يتجدد ما بين من هم فى سيناء وبين من هم فى الصحراء الغربيه وأعضاء رسميون فى تنظيم القاعدة و لكن هذه المرة فى الإتجاه العكسى، وسقطت هذه الخلية فى أيدى الأمن قبل القيام بما كانت مكلفة به فى عملية ناجحه بكل المقاييس، وسقط أمام الأجهزة الأمنية كم هائل من المعلومات المفزعة والمربكة ليس أقلها وصول تنظيم القاعدة رسميا إلى الأراضى المصرية وبدء تدريب وإنتاج الكوادر التى تمثل الجيل الثانى من التنظيم الأم، ويظل الأشد إرباكاً هو هذا التواصل العنكبوتى بين ما هو فى سيناء وبين تنظيم "قاعدة بلاد المغرب " وهو أشد الحلقات خطورة فما يدور فى سيناء هو وحده صادم بالأساس، وهو ما يفتح أبواب الأسئلة على مصراعيها حول هذه الشبكة وتواصلها العابر للدول والقافز على الحدود والمقتحم للواقع المصرى بمشاريع الإرهاب الدولى، واللعب على توازنات القوى السياسية فقد تم حصار مبنى الأمن الوطنى لحساب التنظيم ومن الأحزاب من هدد مصر كلها بالإستعانة بهم فى حال تغير الأوضاع الإنتخابية عن ماهو قائم الآن، ويراد بالطبع إستمراره للأبد.