الكثير من أصدقائى الفيسبوكيين يهاجمون قرار الإخوان بتجديد التراخيص للكباريهات ومن قبلها رفع الضرائب على الخمور لا منعها، وأحب أن أقول لكل أصدقائى إن كنتم تفضحون تناقض ممارسات الإخوان فى السلطة مع أفكارهم قبلها فلكم الحق، أما إن كنتم مقتنعين بوجوب منع المحرمات فأنتم مخطئون، لأن الأصل فى المحرمات الإتاحة ما لم تكن جريمة. ألم يخلق الله سبحانه وتعالى الشجرة أولى المحرمات وتركها متاحة لآدم رغم التحريم: "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين". أراد الله الحكيم الخبير اختبار طاعة آدم فخلق المحرم ثم حرمه وتركه موجوداً متاحاً يسهل فعله رغم التحريم، ولو أراد الله العلى القدير المنع ما خلق، فهو "فعال لما يريد"، فكانت إرادة الله هى الاختبار بالوجود والإتاحة ومن أراد المنع إنما تزيد على المولى عز وجل وأساء الأدب لأن منع المحرمات إكراه على الطاعة والله أولى بالجبر والإكراه من خلقه أليس هو القائل معاتباً رسوله الكريم "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، وهو القائل (لا إكراه فى الدين). ما قيمة التحريم مع عدم وجود المحرمات؟ لو منعنا وجود المحرمات لأصبح الأمر بالتحريم عبثياً لا يليق بالله سبحانه وتعالى وهو القائل "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين" الأنبياء 16/17 فالأمر بالتحريم ليس عبثى وليس لشح من الله سبحانه تجاه خلقة وهو الغنى الكريم وليس عن مصلحة من عباده فلن تزيده طاعتهم أو تنقصه معصيتهم "إن الله غنى عن العالمين" آل عمران 97 إنما أتى التحريم لاختبار الطاعة ويستحيل الاختبار مع المنع. كيف يختبر الله طاعتنا إلا فى وجود المحرمات؟ إذا تم منع المحرمات تساوى فى الفعل كل البشر بصرف النظر عن النوايا والاستعداد للمعصية وتساوى فى ذلك التقى والفاجر فكلاهما لن يرتكب المحرم وانتفى بذلك الاختبار الإلهى وأى جرم أكبر من العبث باختبار الرب لعباده حتى يقيم الحجة عليهم فينال العاصين عذابه ويدخل الطائعين جنته. إن تعطيل الاختبار أفظع جرماً من ارتكاب المعصية. هل يعنى ذلك إتاحة كل المحرمات؟ المحرمات ثلاث، الأول: لا يوقع الضرر بالآخرين وهذا شأن بين العبد وربه (حقوق الله) ويجب إتاحته وعقابه فى الآخرة كأكل الميتة ولحم الخنزير وقس على ذلك. النوع الثانى: هو ما أوقع ضررا بآخر وبهذا يتجاوز كونه محرماً إلى كونه مجرماً (حقوق البشر) وحيثما وقع الضرر على آخر وجب التجريم والمنع والعقاب كالسرقة والقتل وقس على ذلك. والنوع الثالث: هو ما اختلط فيه التحريم والتجريم فإذا كان فعلاً خاصاً لا مجاهرة فيه كان محرماً وعقابه فى الآخرة وإذا تجاوز السرية والخصوصية إلى العلانية والتبجح أصبح مجرماً ويجب منعه ومعاقبة فاعله كشرب الخمر والزنا ومقدماته إن خرجا من الخصوصية الى العلن أصبحا جريمة سكر بين و فعل فاضح فى الطريق العام ووجب المنع والعقاب وقس على ذلك. ثقافة المنع من باب الاستسهال: دعوة الدعاة وغيرهم بمنع المحرمات هى من باب الاستسهال وعدم الرغبة فى إجهاد النفس فى النهى عن المنكر كدعوة فرض الحجاب على المرأة حتى لا يرتكب الرجل المعاصى بالنظر إليها مع وجود النهى عن النظر ولكن استسهال الدعاة وهم بالطبع رجال فى معظمهم يأتى لستر ضعف بالنفس تجاه النظر الى المرأة وتخفيف الأمر على الرجل .فالمنع أسهل وسيلة لإظهار الطاعة المزيفة. وعليه فإن كل محرم بغير جريمة وجب على الحاكم إتاحته وعلى المسلم تجنبه وعلى مرتكبه إثمه و على الله عقابه. وكل محرم يمثل جريمة وجب على الحاكم منعه وعلى المسلم تجنبه وعلى مرتكبه إثمه و على الدولة عقابه. فإن القاعدة المستنبطة هنا كل محرم متاح وكل مجرم ممنوع. فمنع المحرمات تعطيل لاختبار الرب وإباحتها واجب شرعى.