"لو عايز تبقى ضابط".. تعرف على المواعيد النهائية للتقديم بكلية الشرطة 2025    وزير العمل يفتتح ندوة توعوية بقانون العمل الجديد ويؤكد: مشاركة الجميع في صياغة القرارات    وزارة العمل تعلن عن 11 فرصة عمل للمصريين في الأردن برواتب تصل إلى 350 دينارًا    سعر الذهب اليوم في مصر بحلول التعاملات المسائية الأحد    بالصور- جامعة أسوان تطلق مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الشباب لسوق العمل    السيسي يطلع على خطط تطوير شبكات الاتصالات.. توجيهات جديدة    بوتين يناقش نتائج قمة ألاسكا مع نظيريه البيلاروسي والكازاخستاني    تشكيل مباراة أرسنال ومانشستر يونايتد في الدوري الإنجليزي    "دعم مالي عاجل".. هيئة قناة السويس تزف بشرى سارة للنادي الإسماعيلي    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سيدة تعرضت للتحرش اللفظي بالجيزة    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    محافظ الجيزة يزور بطل واقعة إنقاذ "فتاة المنيب" للاطمئنان على صحته    إيرادات السبت.. "درويش" الأول و"الشاطر" يتفوق على "روكي الغلابة"    وصلة هزار بين أحمد وعمرو سعد على هامش حفله بالساحل الشمالي (فيديو)    الفريق أسامة ربيع يكرم الربان ولاء حافظ صاحب أطول غطسة لمريض شلل رباعي    خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمة" توجه الأمة    "حقوق إنسان النواب": خدمات "الصحة" تعكس جدية الدولة في النهوض بالقطاع    مقاومة المضادات الحيوية: خطر جديد يهدد البشرية    ضبط قائد دراجة نارية لاتهامه بالتحرش اللفظي بسيدة بالجيزة    قرار جديد من المحكمة بشأن استئناف «شهاب بتاع الجمعية» على حكم حبسه    "الصحة" تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    جوان ألفينا يبدأ مشواره مع الزمالك بأداء واعد أمام المقاولون العرب    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    أس: تشابي ألونسو ينوي الدفع بماستانتونو ضد أوساسونا    فنون شعبية وطرب أصيل في ليالي صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    رئيس وزراء إسبانيا يقطع عطلته الصيفية لزيارة المناطق الأكثر تضررا من حرائق الغابات    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    رئيس شئون القران بالأوقاف: مسابقة دولة التلاوة رحلة لاكتشاف جيل جديد من القراء    إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    إزالة أحجار قطعت الطريق الدولي بمطروح بعد انقلاب سيارة نقل    وظائف شاغرة بالمطابع الأميرية.. تعرف على الشروط والتفاصيل    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    اللواء محمد إبراهيم الدويري: أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تتحقق وتصريحات نتنياهو تدق ناقوس الخطر عربياً    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    محافظ كفر الشيخ يدشن مبادرة لزراعة الأشجار المثمرة ضمن مبادرة 100 مليون شجرة    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    ملك البدايات .. . ليفربول يحتفل برقم محمد صلاح التاريخي فى الدوري الإنجليزي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    رويترز: سماع دوي انفجارات قرب محطة للكهرباء في العاصمة اليمنية صنعاء    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    ملخص وأهداف مباراة ريال مايوركا ضد برشلونة 3-0 فى الدورى الإسبانى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجديرة زهرة مقدسية
نشر في البديل يوم 24 - 03 - 2013


الجديرة: تمازج القديم بالحديث
حينما زرت بلدة الجيب في صيف 2008 لفتت نظري بلدة (الجديرة) وهي تعتلي سفوح التلال على يميني في الذهاب، وحين كنت أزور بنات أخي القاطنات على أعلى تلال بلدة بير نبالا مقابل الجديرة، كنت أرقبها من البعيد والتقطت لها بعدستي العديد من الصور من تلك التلة، ولكن لم يتح لي زيارتها أبداً، فأنا لا أعرف أحداً من أهلها، وزيارتي لأية بلدة تحتاج وجود أشخاص يهتمون ببلدتهم ويعرفون خباياها ليجولوا معي، فليس من المعقول أن أجول بلدة وحيداً وأنا لا أعرف دروبها ونقاط التراث التي أهتم بها بشكل خاص فيها.
الجديرة: المدخل الرئيس
ربما حسن حظي أني أؤمن دوماً أن كثيراً من أحلامي تتحقق، فقد كانت الزيارة للجديرة تمر في خيالي كلما مررت من جوارها كسحابة صيف، حتى كانت لحظة الصدفة أنني كنت أتحدث مع الصديقة نورما نصار عبر الهاتف عن مشاريعهم الجديدة في جمعية لتطوير الموارد تعمل بها وتهتم بالشباب، بعدما شاركتهم في دورا والخليل وزعترة وأريحا، فقالت إن لديها موعداً مسائياً في بلدة الجديرة من أجل متابعة مشروع ثقافي رياضي شبابي كونها منسقة جمعيتي حماية الموارد البيئية وجمعية تطوير الصناعة المهتمتين بدعم الشباب، فصرخت: الجديرة؟؟ أريد زيارتها فاجعلي موعدك نهارياً كي أتجول بها وأكتب عنها وتعانقها عدستي، وهذا ما حصل فقد تولت هذه الفراشة التي لا تهدأ ترتيب الزيارة ومن سيجول معنا في أنحاء هذه البلدة الوادعة.
الإثنين 30/1/2012 كان موعدنا، ورغم أن الغيث انهمر بغزارة إلا أن هذا لم يثنينا عن الزيارة أو يدفعنا لتأجيلها، فمرت العزيزة نورما بسيارتها وأقلتني من باب الصومعة إلى الجديرة، لنلتقي هناك الشاب النشط والمتحمس محمد أكرم، وهو من نشطاء شباب البلدة ومن سواعدها السمراء، وهو من مؤسسي جمعية الجديرة للتنمية والتطوير ويرأس إدارتها، هذه المؤسسة الشبابية الجديدة التي تأسست بالقرية بتاريخ 27/7/2009، على أيدي بعض شباب القرية الذين يهتمون بالقرية وبكل ما هو جديد بها، مؤمنين بالعمل المؤسساتي بالقرية، كي تستفيد من ما يمكن من مساعدات إنسانية أو طبية أو جامعية واجتماعية، وبعد أن قامت الجمعية على أرض الواقع حاربها الكثيرون كما روى لي محمد أكرم، لأنهم لا يفقهون معنى العمل المؤسساتي في هذا الوطن، علماً أن الدولة التي يحلمون ونحلم بها، يجب أن تكون قائمة علىالمؤسسات.
استقبلنا محمد أكرم رغم المطر الشديد، في الموقع المقرر للمشروع الثقافي الرياضي الشبابي، والذي يشرف بنفسه على التشطيبات الداخلية كي يكون المقر جاهزاً للمشروع، الذي أتيح لي لاحقاً أن أشارك بالافتتاح في 30 نيسان من هذا العام، وبعد نقاش مستفيض حول المشروع بين نورما ومحمد أكرم، كنت أثناءها أقف تحت رذاذ المطر متأملاً جمالية الجديرة، بدأنا التجوال بين ما تبقى من البيوت التراثية.
الجديرة: نافذة تراثية
الجديرة أو كما تلفظ (إجديرة) وتعني في اللغة العربية البناء المحاط بالجدران، وفي لسان العرب ورد معناها (والجَدِيرَة: كَنِيفٌ يتخذ من حجارة يكون لِلْبَهْم وغيرها)، ما يشير إلى خصوبة الأرض ووفرة المياه بحيث استخدمت لرعي المواشي وبناء الحظائر فيها، وهي من قرى بيت المقدس من الجهة الشمالية الغربية للقدس، ولا تبعد عن قلب القدس إلا عشرة كيلومترات وتقع على تلة من سلسلة جبال القدس، ما بين بلدات بيتونيا في غربها وبلدة قلنديا شرقها، بينما جنوبها تقع بلدتي بير نبالا والجيب، وبلدة رفات إلى الشمال منها، وبحكم هذا الموقع وعلى ارتفاع يقارب 775 متراً عن سطح البحر، تميزت بجمال أجوائها واعتدالها، وتتميز قرية الجديرة بترابط العلاقات الاجتماعية بين سكانها، فالبلدة صغيرة، وصلات القرابة والنسب بينهم كثيرة، حيث أن معظم سكان القرية من أهلها الأصليين، ويبلغ عدد سكان القرية (2500) نسمةإضافة إلى عدد لا يتجاوز عدة مئات مغتربين في الولايات المتحدة والدول العربية، وتمتد الجديرة في تاريخها للفترة الكنعانية، فهي امتداد بأراضيها إلى مملكة الملك الكنعاني جبعون، وفي اللغة الآرامية يعني اسمها الجزيرة الخصبة، وهذا ناتج عن امتداد سهولها وتوفر المياه فيها والآبار، ما يشير إلى أنها كانت مستخدمة للزراعة والرعي بفترة الملك جبعون، الذي قاتل وأبناؤه حتى قتلوا رافضاً الانسحاب حين غزا المنطقة يوشع بن نون، وقد أشارت النقوش المصرية إلى أن مملكة جبعون كانت على علاقة تجارية متميزة مع مصر، وأنها كانت متميزة بازدهارها على بيت المقدس بتلك الفترة.
الجديرة: تراث جرت إزالته
بدأنا الجولة رغم انهمار المطر، فدوماً أقاوم الظروف الصعبة وأهمس لنفسي: هي فرصة ربما لا تتكرر في زمانك أيها الكنعاني، وحقيقة وجدت في بلدة الجديرة الكثير من الجمال، ورغم صعوبة الحركة بين ما تبقى من الأبنية التراثية بسبب الوحول والمطر، وتعرضي للانزلاقات أكثر من مرة، إلا أني لم أتوقف لحظة، وأتعبت العزيز محمد أكرم كثيراً، وأما نورما التي كانت ترتجف تحت المطر، فناشدتها أكثر من مرة أن تبقى في السيارة حتى ننهي كل جولة من الجولات ونعود إليها، وتجولنا في بيوت تراثية جميلة لكنها بكل أسف مهملة تماماً، وأحدها دخلته رغم العتمة معتمداً على ضوء الجوال، واستخدمت (الفلاش) بالتصوير رغم أني لا أحبذ استخدامه، فأنا أشعر به يبعدني عن الفنية والتمتع باختيار الصورة وزاوية اللقطة.
من بيت إلى بيت ومن موقع إلى موقع تجولنا، حتى شعرت أن المطر تمكن من اختراق معطفي ودخل إلى جسدي ليطهرني بعبق تاريخ وطننا الجميل، وأثناء تجوالنا دخلنا أحد تلك البيوت بصعوبة وهو بمساحة جيدة ومن عدة أجزاء وبني على نظام الأقبية المتقاطعة، لكن الإهمال كان به كبيراً، فهمست لمحمد أكرم: هذا البيت المفترض أن يرمم ويكون مركزاً ثقافياً كبيراً ونقطة جذب للبلدة، ولكني فوجئت حين قال لي أن هذا البيت سيهدم ليبنى مكانه مبنى آخر حديث!! فانزعجت جداً، فما تبقى في البلدة من بيوت تراثية قليل جداً، فألا ينتبه المعنيون بأن يحافظوا على بعض من هذا التراث ليروي حكاية البلدة للأجيال القادمة التي لم تعش ما عشناه؟ وهل ننقل إليهم أبنية إسمنتية مشوهة لا تحمل أي فكرة ولا تراث ولا جمال؟؟
الجديرة: الجدار البشع يستولي على أراضي البلدة
من بين بيوتات القرية اتجهنا إلى أطرافها، حيث الجدار البشع الذي التهم منها أجزاء كبيرة، وحيث الطريق الالتفافي رقم 45 الذي شقه الاحتلال لخدمة المستوطنين، فالاحتلال بالكاد يبقي مساحات بسيطة من الأراضي للمواطنين، ويصادر نسبة كبيرة خلف الجدار لمصلحة المستوطنين الأغراب، ففي بلدة الجديرة قام الاحتلال بمصادرة بئر المياه الرئيس الخاص بالبلدة، وصادر مساحات من الأرض زادت عن ألف دونم، ما أدى إلى عزل البلدة عن محيطها، وحرمها الماء وأخصب الأراضي، ومنع وصول الناس إلى حقول الزيتون تحت حجج الأمن ومنع الاقتراب من الشارع الالتفافي 45 تحت دعوى حفظ الأمن لجنوده ومستوطنيه الأغراب من شذاذ الآفاق.
الجديرة: ذاكرة الماضي أزيلت وأصبحت من الماضي
الطبيعة في هذه المنطقة ساحرة، حتى أن أشكال الصخور لفتت نظري فالتقطت لها الصور، وعدنا باتجاه هذه الزهرة المقدسية (الجديرة)، مارّين بالمقبرة التي ضمت رفات الجدود، فقرأت على أرواحهم الفاتحة، ومتمنياً أن يهتم الأحفاد ببلدتهم أكثر، ويحافظوا على ما تبقى من تراث جميل حتى لا تضيع حكايات الجدود، وإن تألمت في الفترة الأخيرة حين علمت أن قسماً من هذا الجمال وعبق التاريخ جرى هدمه وإقامة أبنية جديدة مكانه، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، متى سندرك قيمة التاريخ والتراث في وطننا؟
أنهينا الجولة وأردنا المغادرة، ولكن محمد أكرم رفض أن نغادر قبل استضافتنا، فزرنا بيته والتقينا مع عدد من أهله ومع والده الشيخ الجليل أكرم عودة برجس، الذي أصر أن يستضيفنا على غداء كما عادات العرب الأصيلة وعادات فلاحي بلادنا فاعتذرنا بقوة، واحتسينا الشاي والقهوة واستأذنا بالمغادرة، لنعود إلى رام الله ومنها افترقنا نورما وأنا، لأعود إلى صومعتي وأكتشف أن كل ملابسي أصبحت معبقة بالمطر وبالطين، فابتسمت وهمست: الوطن يستحق أكثر.
صباح آخر لرام الله، يوم عطلة صحوت به نشيطاً رغم التعب من زيارة امتدت حتى منتصف الليل لمدينة طولكرم، حيث الوالد والشقيق الأكبر وأسرته والأهل والأحبة، أقف إلى نافذة صومعتي متأملاً الحمائم والورود وحوض النعناع، أحتسي فنجان قهوتي وأهمس لطيفي الذي ترافقني روحه رغم المسافات، لنستمع لفيروز وهي تشدو: (أديش كان في ناس عالمفرق تنطر ناس، وتشتي الدني ويحملوا شمسية، وأنا بأيام الصحو ما حدا نطرني.. نطرت مواعيد الأرض وما حدا نطرني، صار لي شي مية سنة عم ألّف عناوين، مش معروفة لمين، وودّيلن أخبار، بكرا لا بد السما ما تشتيلي عالباب، شمسيات وأحباب يخدوني بشي نهار واللي تذكر كل الناس بالآخر ذكرني).
فأهمس: صباح الخير رام الله، صباح الخير يا وطن، صباحكم أجمل أحبتي، شكراً لأن أرواحكم تجول معي الوطن، وقريباً في جولة أخرى وعبق آخر من عبق الوطن والتراث والجمال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.