هل كان هناك ضرورة لتعديل هذه المادة؟ وما مبررات هذه التعديلات؟ وما هو السبب الحقيقي وراء تعديلها؟ وهل يخدم التعديل مصالح الوطن أم يعمل ضد مصالحه؟ وهل يتناسب التعديل مع العصر الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة ويتوافق مع العولمة التي نعيشها؟ لعل من المهم ملاحظة أن الجمعية الوطنية للتغيير لم تطالب بتعديل المادة 75 وكانت تطالب بتعديل المواد 76، 77 و88 من الدستور. كما أن اللجنة الدستورية التي شكلها الرئيس السابق برئاسة المستسار سري صيام لم تتكلم عن تعديل هذه المادة، وكذلك الحال في بداية عمل لجنة التعديلات الدستورية التي شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة. لقد احتفظت اللجنة بالمادة 75 من دستور سنة 71 التي تنص على: “يشترط فيمن ينتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية”. وأضافت عليها:” وألا يكون قد حمل أو أي من والديه جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجاً من غير مصرية”. هذه الإضافة جاءت وكأنها فصلت تفصيلاً لاستبعاد مصري أصيل نفتخر به جميعاً هو الدكتور أحمد زويل الذي يحمل الجنسيتين المصرية والأمريكية والمتزوج من غير مصرية (زوجته سورية أمريكية ابنه الدكتور شاكر الفحام أحد الباحثين الموسوعيين الذين بذلوا حياتهم في خدمة اللغة العربية وآدابها). من المؤكد أن الكثيرين من الشعب المصري يريدون معرفة من الذي اقترح تعديل هذه المادة بهذه الطريقة ومتى كان ذلك؟ سوف تثبت الأيام أن تعديل هذه المادة يضر بمصالح الوطن لأنه يعمل على استبعاد أفضل أبناءه للترشح لرئاسة الجمهورية فضلاً عن أن هذه الإضافة تسير عكس عجلة التاريخ وتناقض روح العصر. وأمامنا أمثلة كثيرة من العالم المتقدم، فالرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما والده كيني، وله أخت وأربعة أخوات غير أشقاء كينيين. ولازالت عائلة والده تعيش بكينيا. مع العلم أن هناك دعوى لتعديل الدستور الأمريكي يقودها الممثل الشهير أرنولد شوارزينجر محافظ كاليفورنيا للسماح بالمتجنسين مثله المولودين خارج الولاياتالمتحدة للترشح لرئاسة الجمهورية. والرئيس الفرنسي ساركوزي ولد بباريس، من أب مجري مولود ببودابست حصل على الجنسية الفرنسية في السبعينيات، ومن أم لها جذور يهودية من اليونان. وهو متزوج حالياً من كارلا بروني الإيطالية الأصل حيث ولدت في تورينو وانتقلت مع عائلتها للعيش في فرنسا وهي تبلغ من العمر 8 سنوات. وهناك حالات أخرى كثيرة ببلاد عديدة، فالمعروف مثلاً أن كارلوس منعم رئيس الأرجنتين من يوليو 1989 إلى ديسمبر 1999 كان من أبويين سوريين. وإذا نظرنا إلى الوضع في إسرائيل سنجد أن كل رؤسائها بإستثناء عازر وايزمان مولودين خارج إسرائيل من والدين أجانب، ومعظم زوجاتهم أيضاً من الأجانب، وكذلك الحال بالنسبة لرؤساء وزرائها. والمعروف أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين يحملون جنسية أخرى ويشترط القانون الأساسي الإسرائيلي (بمثابة الدستور هناك) في أعضاء الكنيست أن يتنازلوا عن جنسياتهم الأخرى قبل حلف اليمين. وهل ننسى تاريخنا، أن اثنين من أربع رؤساءنا كانت أمهاتهم سودانية (محمد نجيب وأنور السادات)، وأن طه حسين عميد الأدب العربي كان متزوجاً من فرنسية، وأن عديد من أعلامنا البارزين أصحاب الفكر المستنير الذين كان لهم دوراً كبيراً في نهضة بلدنا كانوا غير مصريين في الأصل منهم: صلاح الدين الأيوبي، وجمال الدين الأفغاني، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمود سامي البارودي.... وأخيراً، كيف يمكن لأحد المرشحين إثبات أنه لم يحمل أو أي من والديه جنسية دولة أخرى؟! وما هي المستندات المطلوبة التي تفيد ذلك؟! هل يطلب من كل مرشح أن يستخرج من سفارات كل دول العالم مستند يقر فيه بأنه لا يحمل جنسية هذا البلد؟! وما الوضع بالنسبة لمرشح كان متزوجاً من أجنبية في الماضي؟ وهل يحق له الترشح إذا طلق زوجته الغير مصرية قبل الانتخابات؟ إن الفكر المنغلق الذي يسعى إلى إقصاء أخيار المصريين لمخاوف متصورة غير واقعية – ولا أقول مرضية – ومناقضة للعصر لايمكن أن يقودنا إلى غد مشرق. فلنبتعد عن هذا النقاء المصري الضار الذي يجعلنا متقوقعين منغلقين في عالم تذوب فيه الحدود بسرعة كبيرة يحتاج إلى قدرة على التعايش مع الأخرين والعمل على جذب كل الكفاءات المصرية وأفضلها حتى لو كان أحدهم قد حمل يوماً أو أياً من والديه جنسية دولة أخرى أو كان متزوجاً من غير مصرية. لا تحجروا على المصريين ولا تضعوا ذلك شرطاً، ولاتحرموهم من زويل ومن غيره من المصريين الشرفاء الوطنيين الأحرار، وأتركوا الشعب المصري الناضج يختار رئيسة في انتخابات حرة ونزيهة بين أكثر من مرشح مصري كما كان الوضع قبل هذا التعديل المعيب. [email protected]