حين تولى المجلس العسكرى المسئولية كانت المطالبات بإسقاطه والتنديد بسياساته لا تنتهى دون تفرقة بين المجلس كفريق من الضباط الذين يحكمون مصر تنقصهم الحنكة السياسية وبين المؤسسة العسكرية بكل ما لها من رصيد وطنى قوى لدى الشعب المصرى، فكانت الشعارات ترفع بإسقاط العسكر على النحو الذى كاد يؤدى للوقيعة بين الجيش والشعب سواء عن قصد أو دونه، وبزوال حكم المجلس العسكرى وتتويج الرئيس مرسى على سدة الحكم توالت الأحداث المؤسفة المحزنة وخرجت جموع الشعب المصرى عن بكرة أبيها تطالب برحيله ,وتتصاعد الأحداث فى المنصورة ومدن القناة لاسيما بورسعيد. كرات الثلج بدأت تتدحرج فى اتجاه المنقذ وتعلقت العيون بتحركهم بعد أحداث العنف الدامي وتزايد أعداد القتلى والجرحى. مرة ثانية يستصرخ الشعب الجيش. فى الأفق لاحت مؤشرات ذات دلالة, فالقائد الاعلى للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسى يغير القسم لطلاب الكليات العسكرية ويعلن أن الولاء لله ثم الوطن والشعب دون ذكر رئيس الجمهورية كما كان سابقاً، ويؤكد أن القوات المسلحة ستظل جيلا بعد جيل محافظة على يمين الولاء والفداء للوطن واضعة مصر وأمنها القومى فوق كل اعتبار. يسبق هذه التصريحات ما أدلى به رئيس الأركان صدقى صبحى من أن القوات المسلحة لن تقف مكتوفة الأيدى حيال تدهور الأوضاع فى البلاد. المدهش أن النداءات للفريق السيسى على مواقع التواصل الاجتماعى لا تنقطع, والأغرب أن بعض الجماهير وثقت توكيلات بمكاتب الشهر العقارى لتفويض السيسى لتولى شئون البلاد كما تردد أن هناك توجيهات عليا صادرة لمكاتب التوثيق تقصر التوكيلات على السيسى دون غيره. هكذا تتصدر القوات المسلحة المشهد من جديد وهى التى قدمت أعظم القادة فى إدارة البلاد بدءا من تحتمس الثالث الذى أسس أول وأقدم جيش نظامى فى العالم قبل 7000 سنة بعد توحيد الملك (نارمر)لمصر عام 3200 ق.م وبفضله أنشئت الامبراطورية المصريه الأولى فى العالم الممتدة من تركيا شمالا الى الصومال جنوبا ومن العراق شرقا الى ليبيا غربا.كان ذلك بمثابة العصر الذهبى للجيش المصرى وأصبح المصريون دوما هم العنصر الاساسى فى تكوينه، كما شارك الجيش فى تحرير القدس بقيادة القائد المظفر صلاح الدين الأيوبى كما حقق الجيش هزائم ساحقة ضد المغول بقيادة قطز. وحين تم إعادة تأسيس الجيش المصرى الحديث فور حكم محمد على باشا أنشأ أول مدرسة حربية لإعداد الجنود والضباط سنة 1820 بمدينة أسوان، وشيد العديد من الترسانات لتمويل الجيش بأحدث المعدات حتى أصبح أقوى جيوش المنطقة فى فترة وجيزة,وبدأ إرسال حملاته لتوسيع امبراطوريته فى مناطق عدة، وكان تعداده آنذاك 250 ألف جندى تحت إمرة قائد واحد هو إبراهيم باشا,ومع بزوغ ثورة يوليو 1952 ظهر الضباط الأحرار بقيادة البكباشى جمال عبد الناصر ليخلصوا مصر من استعمار انجليزى ظل جاثما على صدور الشعب المصرى على مدى ثمانية عقود، وعلى مدي 18 عاما من نضال عبد الناصر السياسى والعسكرى استطاع بناء جمهورية جديدة كان متوقعا لها أن تقفز بخطوات التقدم الى جوار الدول التى صنعت القنبلة الذرية لولا الموت المفاجئ الذى اختطفه دون استكمال مشروعه الثورى ليأتى من بعده من يسير على دربه (بأستيكة). هكذا يؤكد الجيش مرارا قدراته العظيمة فى حماية الوطن والنداءات الأخيرة والتوكيلات التى تقدم تباعا خير شاهد على أنها المؤسسة الوحيدة التى تحتفظ بتماسكها وقوتها داخل دولة رخوة باتت على وشك الانهيار. ما يحدث يؤكد أن ثمة ترتيبات تجرى داخل البيت بالمؤسسة العسكرية ..فهل يفعلها السيسى؟ ومتى؟ Comment *