هذه نظرة على الثورة: بعد عامين على تفجيرها في 25/1/2011، وخلع أسرة مبارك في 11/2/2011. ونقول ذكرى "الخلع" وليس التنحي كما ساد خطأ في صحف وإعلام الأيام الماضية، فلم يتنح الطاغية طواعية وإنما خلع عنوة..!. ونقول "خلع أسرة مبارك" وليس "النظام"، فهو نظام لايزال بأسسه وحتى ببعض أناسه! سلطة جاثمة باقية!. 1. 1. قوة ثورة 25 يناير: إن قوة ثورة 25 يناير سنة 2011 تكمن في أنها ثورة تريد لمصر أن تلحق بالعصر. لذلك فهي ثورة قدرها أن تنتصر. لأن حركة الثورة هنا في اتساق تام، مع حركة التاريخ وروح العصر، وطبيعة الأشياء وحقائقها، وضروراتها. فإذن مهما كانت المعوقات والمعاناة، سوف تنتصر ثورة 25 يناير. وقد مرت وسوف تمر هذه الثورة الشعبية العملاقة، بموجات إثر موجات، ومعارك بعد معارك، في مواجهة العراقيل والعذابات، لكنها سوف تحصل في النهاية على ما تصبو إليه وتريد. فهي ثورة تعرف منذ البداية ما لا تريد؟. وما الذي تريد؟. أرادت ابتداء "إسقاط النظام الحاكم". إسقاط نظام قائم جاثم منذ أربعة عقود من الزمان!. إسقاطه وليس أقل من ذلك لمدى بشاعة استبداده السياسي وفساده، لمدى فداحة الظلم الاجتماعي والتبعية لعواصم الاستعمار الغربي والصهيوني والانحطاط الشامل على يده، وللحجم المهول للجرائم والخطايا والخطوب، المسئول عنها، في مختلف القضايا والأصعدة. ثم هي ثورة تريد بعدها "بناء النظام الجديد". تريد أن ينهض مجتمع، تنشد له ما تنشده لمجتمعاتها عادة كل الثورات الحقيقية على امتداد التاريخ الإنساني: "الحرية"، و"التقدم". ومنذ اللحظة الأولى عبرت "25 يناير 2011" عن نفسها وأهدافها في الشعار والنداء الذي جلجل في الآفاق: (عيش. حرية. عدالة اجتماعية. كرامة إنسانية). أرادت وتطلعت إلى تحقيق مجمل هذه الأهداف للأمة ككل، للأمة التي تنتمي إليها مصر، وفي خضم أنوار ونيران ثوراتها العربية التي اندلعت، والتي تنتمي إليها في الصدارة ثورة 25 يناير. هي إذن أهداف نضال إنسانية، شعبية، تقدمية، وهي كما نرى تتسق مع الضرورات الإنسانية وروح العصر ومعناه ومرماه. لذلك فقد قلنا ما قلناه.. ونؤكده: إن قوة هذه الثورة: هي في مسلمة لازمة، وضرورة إنسانية: أن يلحق الوطن بالعصر. مهما يكن من خصوم وأعداء للتقدم الإنساني، ومن حروب قاسية ومن صور تآمر وغدر. من يستطيع أن يعاند الحقيقة، والحق، إلى النهاية؟!. بلى: ثورة حتى النصر. ليس كمجرد شعار هنا أو شعر. إنما هنا بهذا المعنى حقيقة موضوعية علمية. ثورة تحقق مدى أبعد كحلقة أحدث مما حققت حلقات وحركات ثورية سبقت. ثورة تتسلم الراية مما مر وتفجر من ثورات في تاريخنا الوطني القومي. ثورة تبدأ من حيث انتهت آخر ثورات الشعب المصري العربي وأعلاها وأعمقها، ثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر، التي انطلقت في تلك الليلة من عام 1952، واجتازت وأنجزت، ولم تسقط أو تفشل، وإنما ضربت في سلطة الدولة في أعقاب غياب قائدها التاريخي في 28 سبتمبر من عام 1970، وانتقلت ثورة 23 يوليو الناصرية من السلطة إلى الشارع، الذي ظل يموج طول الوقت بالاحتجاجات الواسعة والانتفاضات الثورية (كان أوجها وأمجدها على الإطلاق انتفاضة 18 و19 يناير من عام 1977)، إلى أن استجمع الشارع والشعب كل قواه في ضربة تاريخية كبرى، في 25 يناير من عام 2011، وجهها لجميع خصومه وأعدائه الذين تكالبوا وتكاثروا على امتداد العقود الأربعة المريرة الكئيبة، لاستنزاف خيراته ونهب ثرواته، وإخضاعه لمناطق النفوذ الاستعمارية، بسلطة القمع و"الدولة البوليسية" بكل معاني الكلمة، وسلب حقوقه في الحياة والحرية والتقدم والعدل والكرامة. لكن المضارين المضادين لثورة يناير، الذين هم أنفسهم في مواقع وخنادق خصوم ثورة يوليو ممن "لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئاً"، بدأوا بعد ثورة يناير، حملة أخرى مستعرة، من الحملات المستمرة منذ سبعينيات القرن العشرين على ثورة يوليو. بدأ انقضاض وهجوم مسعور بعضه من نوع مستحدث وبعضه مكرور مسبوق! ضد الناصرية وعبد الناصر والناصريين، وكل ما يتصل بأية صلة بثورة 23 يوليو 1952 من أول مسيرتها ومسارها إلى آخر مسيرتها ومسارها!. 1. الثالوث الخبيث والمؤامرة على الثورة: لقد نجح الشعب المثابر الثائر هذا "الشعب المعلم" بحق على حد التعبير ذائع الصيت لعبد الناصر وخلال ثمانية عشر يوماً ماجدة، في إزاحة حكم (حسني مبارك جمال مبارك) وبقية العائلة والحاشية الفاسدة. لكن ما أن نجح الشعب وطلائعه الثورية الشابة في هذا الانجاز الكبير بثورة أبهرت وألهمت العالم، حتى حاول "سرقة الثورة" وحتى قفز إلى قمة المشهد (والحكم) بالتواطؤ والغدر والخسة والشراسة معاً ومن غير ما حد، ثالوث الشر: (1. الإدارة الأمريكية الاستعمارية 2. والذين يتعاونون معها من أعضاء المجلس العسكري الذي وضعه نظام مبارك التابع بدقة وعناية فائقة "ضرورية" على مدى حكم الثلاثين سنة، فوق أنفاس المؤسسة الوطنية ذات التاريخ الزاخر للجيش المصري العظيم 3. جماعة اليمين الرجعي المتحدث باسم الدين، التي تأسست منذ قرابة ثمانين سنة باسم "الإخوان المسلمين، صاحبة المسيرة المعروفة بنزعتين رئيسيتين: إلى التخلف، وإلى العنف). إن الوثائق سوف تكشف ذات حين، تفاصيل التعاون والتواطؤ بين ذلك الثالوث الخبيث، تفاصيله وليس حقيقته فهي واضحة عاشها وعاناها الشعب وثورته إلى أقصى مدى للمعاناة من أول الدفع بلجنة للتعديلات الدستورية أفضت إلى استفتاء (19 مارس 2011) المشهور، الذي شطر البلاد بجلاء لأول مرة بعد الثورة، قصد به إجراء الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور، ولكي تضعه لجنة يشكلها البرلمان القادم نفسه، كبداية "لتمكين" جماعة الإخوان المسلمين من حكم الدولة، بل لتفكيك الدولة وإعادة تركيبها على مقاييس ومقاصد الجماعة، التي كانت جاهزة للانتخابات، (فضلاً عن قدر لازم من التزوير)، في تلك اللحظة المشحونة بتجليات واحتدامات الحالة الثورية، بل والصدامات الدامية التي استشهد وأصيب فيها الكثيرون من الأبطال الثوار مجدداً على يد المجلس العسكري وبقايا شرطة وزارة الداخلية التي بقيت بعيداً عن تحقيق هدف الثورة (إعادة هيكلة الوزارة وتطهيرها كمهمة عاجلة). لقد اضيف إلى "موقعة الجمل" وغيرها مما كان خلال افتتاحية الثمانية عشر يوماً الفذة للثورة، أضيف إليها خلال الفترة اللاحقة مواقع وكوارث لا تقل خطورة وهمجية ودموية (من التعذيب وكشوف العذرية في المتحف المصري إلى ماسبيرو البالون محمد محمود الأولى مجلس الوزراء استاد بورسعيد.. وغيرها). وما أن تسلم "الرئيس الإخواني محمد مرسي" رئاسة الدولة في 30 يونيو 2012 بعد انتخابات (لم تخل كذلك من صور فظة أو ناعمة، للتزوير)، حتى واصل الحكم معاركه الوحشية الدامية ضد المتظاهرين السلميين، وكما كان لدينا في فترة حكم (أمريكا المجلس العسكري الإخوان) على مدى سنة ونصف السنة عقب الثورة، شهداء من الفتية النبلاء الثوار مثل مينا دانيال، وفي يوم واحد (16 ديسمبر 2011) أمام مجلس الوزراء الشيخ الأزهري عماد عفت، وطالب الطب علاء عبد الهادي، وغيرهم... فقد أصبح لدينا في فترة حكم (أمريكا الإخوان برئاسة مرسي صورياً والإدارة الفعلية لمكتب الإرشاد، خاصة خيرت الشاطر ومحمود عزت) شهداء جدد ومصابين بالمئات من الثوار الأطهار. إن القتل بدم بارد لهؤلاء الثوار ليس عشوائياً، إنما هو اغتيالات سياسية بدأتها ميليشيات الإخوان في عهد مرسي، تعرف وتحدد مع سبق الإصرار والترصد، تختار بدقة إلى من تتوجه وتغدر وتقتل. وكما تشير نوارة نجم، الكاتبة الموهوبة ذات السخرية المميزة والناشطة الثورية الشجاعة: (استشهد جابر صلاح، الشهير ب "جيكا"، وهو أدمن صفحة "معاً ضد الإخوان"، واستشهد محمد حسين قرني، الشهير ب "كريستي" أدمن صفحة "إخوان كاذبون".. وأخيراً تم العثور على محمد المصري أدمن صفحة "جيل التغيير" ينزف دماً بالمنصورة، وقد تم إلقاؤه في سلة المهملات، مطعوناً عدة طعنات.. "هذا بخلاف استشهاد محمد الجندي من التيار الشعبي، واستشهاد الحسيني أبو ضيف، الصحفي الأنشط في المظاهرات، الذي كنت تجده دوماً في الصفوف الأولى في المواجهات يوثق الحقائق بكاميرته وقلمه. من الواضح تماماً أن جماعة الإخوان المسلمين تستهدف مديري الصفحات المعارضة لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والنشطاء ذوي الثقل في الشارع، والصحفيين الشباب، خصوصاً من يحملون الكاميرا، أو يتمتعون بمصداقية..) (التحرير 17 فبراير 2013). وكما يقول أيضاً عن "محمد الجندي" الذي اشتهر ب "خالد سعيد الجديد" لطريقة قتله بالتعذيب الوحشي حتى الموت الناقد الأدبي الكبير د. صبري حافظ في العدد السابق من نفس الجريدة (التحرير 16 فبراير 2013)، في مقال رائع بعنوان "خطاب مفتوح إلى حمدين صباحي": (إن قضية محمد الجندي قادرة على استقطاب اهتمام الرأي العام الدولي الذي ألهبت الثورة المصرية خياله... إذا استطاع النظام التحلل من مسئوليته عن قتل جابر جيكا ومحمد كريستي وعمرو سعد بأن دمهم قد تفرق بين الجند.. فلابد أن تصبح قضية محمد الجندي هي القضية التي توقف سيل هذا الإرهاب الممنهج، وأن يصبح هذا الوجه الشاب المفعم بالحياة، يبتسم لها أمام "الكولوسيم" الصرح الروماني الكبير، هو وجه ضحاياهم الذين يسعون لطمسه.. "لابد من انتداب أطباء شرعيين غربيين من المنظمات المعروفة في هذا المجال ومفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، ولابد أن تجمع الأدلة والشهادات، وتطرح على العالم كله حقيقة الممارسات الفاشية التي يمارسها الإخوان..). ويظل الطبيب الشاب البطل "أحمد حرارة"، رمزاً وضاء للإصابات والبطولة والثورة التي لا تخمد في كل تلك المراحل ومهما بلغت التضحيات... وقد بلغت في يوم الغضب الأكبر "الجمعة 28 يناير 2011" حد فقد إحدى عينيه في المواجهة التاريخية مع جحافل أمن نظام مبارك التي لم تلبث أن أعلنت استسلامها أمام "شعب أراد"، ثم فقد "عينه الأخرى في المواجهة في ظل حكم "المجلس العسكري الإخوان" في نوفمبر 2011 في شارع محمد محمود (الذي أطلق عليه الثوار بعدها لما أصاب حرارة وآخرين اسماً أدبياً بليغاً موحياً: "شارع عيون الحرية"..) كتبوه إلى جانب جداريات الثورة، رسوم الجرافيتي "فن إحياء الذكرى" على جانبي جدران الشارع، التي تبقى أعلى وأغنى تعبير إبداعي عن الثورة المصرية في ذلك الموقع وسواه من شوارع وميادين مصر)، ولم تتوقف بطولة وتضحيات ورمزية "حرارة" الثورية على ذلك، فقد أطلق "جنود مرسي ووزير داخلية الإخوان" طلقات الخرطوش على رأسه قاصدين قتله في محيط قصر الاتحادية أيضاً.. ليصبح الطبيب الباسل رمزاً دائماً للثورة المصرية في مراحلها المجيدة والدامية في آن!. 1. وجه جمال عبد الناصر: لكن لماذا هنا خرج الناس إلى الشارع، إلى ميدان التحرير في القاهرة وكل ميادين الحرية في مصر، يحملون "صورة وحيدة" إلى جانب صور الشهداء هي: صورة جمال عبد الناصر؟. ولماذا في هذه الآونة انطلقت حشودهم في "المليونيات" تردد "هتافاً أثيراً" إلى جانب هتاف (كرامة حرية عدالة اجتماعية) هو: (عبد الناصر قالها زمان.. الإخوان مالهمش أمان)؟. ولماذا جن جنون عناصر كثيرة، ليس من "الإخوان" وحدهم، بل وبعض ليبراليين وبعض ماركسيين، حينما رأوا مجدداً "وجه جمال عبد الناصر في كل مكان"؟. ولماذا تحالفوا وتآلفوا عند بروز مناضل معروف منذ السبيعينات (حمدين صباحي)، كمرشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2012، لأنه "على طريق جمال عبد الناصر"، وحاربوه بكل طريقة، بل ومنح بعض ليبراليين وبعض ماركسيين أصواتهم وبالطبع "كامل دعايتهم وترويجهم" لمنشق إخواني، ومع ذلك كان المناضل الذي على طريق جمال عبد الناصر قاب قوسين أو أدنى من الفوز الحاسم، بل هناك اعتقاد واسع محلياً ودولياً أنه زورت الانتخابات ضده... وقد جاء ترتيبه حتى مع كل تزوير وبأكثر من صورة في الصدارة والمرتبة الثالثة مقترباً بشدة من الأول والثاني، ومع أنه كان وحده، ليس من ورائه مثل الأول: تنظيم كبير "دولي" مدعوم بلا حدود خاصة من دويلات الخليج العربي (الإخوان)، أو مثل الثاني: نظام كامل ترسخ على مدى عقود تقاتل بقاياه و"فلوله" معركته الأخيرة، بكل قوة وشراسة، من أجل البقاء (نظام السادات مبارك أي الجمهورية الثانية بكل الإمكانات والتغول والطغيان). كان وحده... لكن كان معه بعد الله سبحانه الشعب الذي عرفه وأحبه... أو أحبه حينما عرفه!. وصدقه ووثق فيه واطمأن إليه كلما عرفه. وعلى الأخص: لأنه جاء على طريق جمال عبد الناصر ونهجه. Comment *