كنت قد قررت مسبقا المشاركة في يوم الغضب 25يناير بالتظاهر في منطقة إمبابة ، فهي مسقط رأسي ،وقد وجدتها فرصة للانعتاق من التظاهرفي المياة التقليدية بوسط البلد. علمت أن جبهة الدفاع عن أرض مطار امبابة ستتواجد في شارع الوحدة بجوار الكنيسة ،قبل الثانية ظهرا بربع ساعة ركبت التوك توك من امام بيت عائلتي متجهة الى شارع الوحدة ،في الطريق كان كل شئ عاديا ،بمجرد أن وصلت لمكان المظاهرة ولمحت حشود الامن الكثيفة بعرباتها تحيط بالمتظاهرين تهللت أساريري وقلت لسائق التوكتوك :ايوه هنا هنا سألني هي دي مظاهرة ؟ ليه؟ قلت له بسعادة أقرب للسخرية من الذات والتعلق بأمل واه : هنحرر مصر وهنعمل زي تونس. فوجئت بالسائق المراهق يبتسم بسعادة قائلا :ربنا معاكم ويرفض ان يأخذ الاجرة لولا إصراري دخلت الى كردون المظاهرة التي لم تكن تزيد على عشرين شابا وفتاة أعرف وجوههم ،وبعضهم أصدقائي على الفيس بوك. قلت لنفسي :هي دي كل الحكاية ؟ وقفة وهتافات ضد مشروع تطوير امبابة وبيع ارض المطار ،الناس تراقبنا من البلكونات والمارة من الشباب يصوروننا بالموبايل ونحن نصرخ كالعادة:يااهالينا ضموا علينا. كاد الاحباط يفترسني لولا ان زاد العدد فجأة بمظاهرة أخرى قادمة من أوسيم إحدى قرى امبابة وتم فتح الكردون بأوامر أمنية ،سارت المظاهرة في شوارع امبابة القديمة التي أعشقها ومابين متعاطف ومندهش ومنضم إلينا كان الجميع سعداء بالمظاهرة. سمعت بأذني دعوات بالتوفيق من سيدات يقفن في طابور العيش وأخريات انضممن لنا وفي ايديهن اكياس سوداء فيها خضروات من السوق ،الباعة الجائلين وباعة الشارع كانوا يقولون :بفخر هي دي امبابة. وسط أكوم الزبالة، وفي مياة المجاري الطافحة سارت المظاهرة في نواحي امبابة الفقيرة في شارع البصراوي والاقصر والامام الغزالي وبطول السكة الحديد المخصصة لقطار الغلال القديم. لأول مرة أشعر بالفخر تجاه المكان الذي نشأت به وفي نفس اللحظة أشعر بأنني أقدم له شيئا كنت أحاول مداراة دموعي عمن حولي وانا أهتف معهم بحماس :يسقط يسقط حسني مبارك ، يابن علي قول لمبارك السعودية في إنتظارك تقترب مني سيدة عجوز لتسألني :ده عشان الاسعار؟ أنخرط في شرح الامر لها وابشرها بأن ذلك من أجل الاسعار والاكل والشرب والتعليم وكل حاجة في البلد ، تفرح وتهتف معنا ثم تنصرف لحالها. عدد المتظاهرين زادعلى الخمسمائة وإتجهوا الى التحرير وعدت الى منزل العائلة بعد ثلاث ساعات من الهتاف والتظاهر. في الخامسة دخلت على الفيس بوك وشاهدت الجزيرة لاتابع الوضع وفوجئت باستمرار التظاهر وتجمع المتظاهرين في التحريرحيث كان زوجي وزملائه في حزب الغد يتظاهرون منذ الظهيرة مع الاف المصريين فقررت الانضمام اليهم ،في الطريق أرى الحشود الامنية حول مبنى الاذاعة والتلفزيون فأشعر ان الموضوع جد وان النظام خائف أو هكذا كنت أمني نفسي. عندما وصلت إلى المتحف المصري كانت الأمور هادئة رغم وجود الحشود الأمنية ،وجدت مجموعة من الشباب فسألتهم عن مكان المظاهرة أشاروا إلى مكان التجمع فدخلت. بدأت بالنظر حولي بحثا عن زوجي ، اكتشفت على الفور استحالة أن أجده ورغم ذلك داخلني احساس بالطمأنينة جعلني أدرك كثافة العدد في الميدان ،وما يعنيه ذلك في البداية لم أجد اي من الوجوه التي اراها في المظاهرات قليلة الحشد التي اعتدت حضورها ثم بدأت اجد بعضهم فيما كنت أتعثر في شخصيات معروفة كمجدي أحمد علي المخرج المتميز والروائي د علاء الأسواني وإبراهيم عيسى ود يحيى القزاز والمهندس وائل نوارة سكرتير عام حزب الغد الذي وجدت زوجي بجواره اخيرا . شعور بالفخار الوطني الحقيقي كان يغمر الجميع بنات كالقمر يجمعن القمامة ليبقى الميدان نظيفا ولجنة إعاشة وبطاطين للبيات واصدقاء الفيس بوك الذين كانوا بالفعل اجمل من صورهم على الموقع هتفنا وضحكنا وحلمنا وعلقنا لتمثال مبارك من الكرتون مشنقة مازالت موجودة على احد اعمدة الإنارة بالميدان كما بدأت اذاعة الثورة اول بياناتها لتذيع مطالبنا مرت ساعات من الهدؤ الامني وتزايد اعداد المتدفقين الى الميدان بعد اذاعة اخبار الاعتصام بالجزيرة وبعد ان قطعت عنا شبكة اتصالات المحمول وفي الساعة الثانية عشر والربع تقريبا انطلقت قنابل الغاز والرصاصات المطاطية وتم تفريقنا واصابة عدد من الشباب 26 و27 يناير الغضب يختمر بعد ان وصلت بيتي بصعوبة استيقظت يوم 26 يناير على تلبفونات عدد من اصدقائي الذين لم يتظاهروا من قبل يؤكدون انهم في طريقهم الى التحرير ووسط البلد للتظاهر اتجهت للجريدة القومية التي اعمل بها والتي تعاملت مع الاحداث بمنطق الشغب والتظاهر الذي تتبناه الحكومة والنظام ,لم اقض وقت طويل هناك وخرجت للانضمام لمظاهرة نقابة المحامين وهناك هتفت مع عدد يكاد يصل الي الفي فرد: “الشعب يريد إسقاط النظام” في هذه التظاهرة تأكد لدي اننا سائرون في نفس طريق تونس فقد ظللنا نحرض الشباب والموظفين الذين وقفوا يشاهدوننا ويصوروننا بالموبايلات لكي ينضموا الينا, وكم كانت لحظة رائعة تلك التي تحولوا فيها الى متظاهرين يهتفون معنا باسقاط النظام ,عندما زاد العدد وقطعنا شارع رمسيس على السيارات لمدة حوالي ربع ساعة بدأ الامن في اطلاق القنابل المسيلة للدموع فصرنا نجري ونتجمع في مجموعات صغيرة ونهتف بطول شارع رمسيس حتى وصلنا الى مفترق طرق ووصلنا فرادى الى اماكن اخرى للتظاهر,وقتها لم اجد سوى مظاهرة نقابة الصحفيين للانضمام اليها ومواصلة الهتاف بإسقاط النظام. وفي اليوم التالي كان الهدؤ الحذر يسيطر على القاهرة في انتظار جمعة الغضب حيث واصل الشباب دعواتهم على الفيس بوك قبل انقطاعه في السابعة من مساء الخميس 27 يناير. جمعة الغضب 28 يناير من امبابة قررت الانطلاق الى مظاهرة مسجد الاستقامة بالجيزة توقعا لحشد كبير من المتظاهرين في الطريق كانت تتناهى الى أذني خطبة الجمعة في المساجد تحض على طاعة النظام وعدم الخروج للتظاهر ,عندما وصل الميكروباس الى الجامعة بعد مرورة بترسانات من عربات الامن المركزي والجنود المصطفين على ابواب المساجد الكبرى بالجيزة خاصة مسجد مصطفى محمود. ما ان وصلت السيارة الى جامعة القاهرة حتى هاجمتنا روائح القنابل المسيلة للدموع القادمة من الميدان وهكذا عادت السيارة الى الدقي وهناك قابلت تظاهرة كبرى كانت قد بدأت من امام مسجد مصطفى محمود بعد انتهاء صلاة الجمعة, صرخت في السائق كالمجنونة هنا هنا نزلني واسرعت بالنزول وسط ذهول الركاب القلييلين الذين كانوا بالسيارة انضممت الى المظاهرة التي كانت تضم عددا كبيرا من الشباب وكان اول هتاف سمعته ورددته معهم :”خللي العالم كله يشوف ,المصريين مش اهل الخوف” كان الفنان عمرو واكد وخالد الصاوي يقودان المظاهرة التي ضمت عددا من الشخصيات العامة منهم محمد عبد القدوس وجمال بخيت وخالد النبوي وخالد يوسف وابراهيم عيسى وغيرهم بشكل سلمي سرنا في الدقي نهتف بسقوط النظام وانضمت الينا مظاهرة اخرى كبيرة ثم بدأ ضرب القنابل المسيلة للدموع لتفريقنا في نهاية شارع التحرير بالدقي وفي مدخل كوبري الجلاء وبدأت ارى مشهدا من بداية ملحمة الثورة المصرية ,رأيت شبابا ممن كنا نطلق عليهم فرافير او فافي او اولاد ذوات شباب وبنات يتحدون القنابل ويواجهونها بالخل والبصل والكوكا كولا ويتقدمون للامام رغم بطش الامن وتجبره في اطلاق الغاز الذي لم يمنعنا او يغلق عيوننا عن النظر للامام ثم للسماء هاتفين يارب مصر يارب , احترقت سيارةامن مركزي وتقدمنا قليلا على كوبري قصر النيل ثم ظللنا نتقدم ونتأخر للخلف في كر وفر كان الشباب يطلبون من السيدات والفتيات العودة فنرفض فيحيطون بنا لحمايتنا من الرصاص المطاطي الذي انهمر علينا من أله جهنمية بلاعقل أوضمير نصلي العصر رجالا ونساء واقفين على الكوبري فيرشوننا بالمياه ننظر الى السماء ونهتف مصر يارب وهكذا كان القتلى والجرحى يتساقطون فداء للوطن بينما يتراجع ضباط وجنود الداخلية لانهم بلاعقيدة ,فقط يخدمون نظام ظالم حولهم الى يد تبطش باخوتهم دموع بعضهم بعد ترك اسلحتهم وعرباتهم كانت تقول ذلك ونحن نهتف :يا ابو دبورة ونسر وكاب احنا اخواتك مش ارهاب و نزل الجيش بدباباته وسط ترحيبنا وتهليلنا وفتح الطريق لميدان التحرير وفي هذه اللحظة صرت اكثر يقينا اننا ماضون في نفس الطريق الذي سارت فيه تونس وقد كان. وأشرقت شمس الحرية على مصر بعد ثمانية عشر يوما من الثورة التي أذهلت العالم.