حذر وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور أشرف العربي من أن التركيز المبالغ فيه بدول الربيع العربي على قضايا التحول الديمقراطي ومحاربة الفساد وعدم التعامل بجدية مع القضايا الاقتصادية مثل خلق الوظائف وتحقيق الأمن الغذائي سيؤدي مستقبلا إلى فقدان شعبية الثورات وإخفاقها في نهاية المطاف. وقال العربي - في ورقة عمل تحت عنوان "الربيع العربي.. مقاربة اقتصادية لفهم الدوافع واستخلاص الدروس".. قدمها أمام المنتدى الإقليمي حول "اقتصاديات الربيع العربي" الذي بدأ أعماله اليوم الاثنين: "إن التحولات الديمقراطية لا يتم دعمها وتعزيزها من قبل الفئات الغنية بسبب آثارها التوزيعية المناهضة لمصالحها، وهو ما يدفعهم للانقلاب على هذه الحركات الديمقراطية مرة أخرى". وأضاف: إن المجتمعات التي تكون فيها درجة عدم العدالة أكبر.. تكون فرص تعزيز الديمقراطية فيها أقل، وقد تنتهى إلى الانتقال من نظام إلى آخر وتظل تعاني من مشاكل مالية، معربا عن أمله في ألا تؤول إليه الأمور في دول الربيع العربي شريطة أن يتكاتف المخلصون حول مشروع نهضوي جاد خلال الفترة المقبلة. وأكد أن هناك حاجة ملحة إلى "عقد اجتماعي جديد"، ونموذج تنموي مختلف يعتمد على مبادئ التنافسية وروح المبادرة وقطاع خاص أكثر اندماجا في عملية التنمية وتعاون عربي حقيقي. وأشار العربي إلى أن المطلوب الآن عملية إصلاح تحتوي الجميع، ويشارك من خلالها الجميع في عملية صنع القرار بشكل لامركزي يوازن بين الأهداف قصيرة الأجل وطويلة الأجل، وهو ما يتطلب قيادة شفافة لديها الرؤية وحكومات مؤهلة وموثوق بها وعقلية علمية تسعى للتعلم واتخاذ القرارات على أساس الأدلة، وتعاون صادق بين مختلف فئات المجتمع بما فيها المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص. ونبه العربي إلى أن التركيز على إصلاحات جزئية وإجراءات مؤقتة لامتصاص غضب الشعوب يكون تأثيره ضعيف وقصير الأجل وسلبي في المدى الطويل، وقال العربي: "علينا أن نعترف أن العقد الاجتماعي القديم الذي كان قائما على قبول القمع السياسي مقابل المنافع الاجتماعية قد انهار تماما"، مشيرا إلى أن الأيام الأخيرة أثبتت أن النموذج التنموي الذي اتبعته معظم الدول العربية خلال العقود الماضية لم يعد قابلا للاستمرار. وأشار إلى أن هناك العديد من الدروس التي يجب أن نتعلمها من "الربيع العربي" ومن خبرات وتجارب التنمية على مدى العقود الماضية، ومنها ضرورة القضاء على الفساد بكافة أشكاله باعتباره شرطا ضروريا ولازما لتحقيق النمو والتنمية، مؤكدا أنه بدون توافر هذا الشرط ستظل محاولات الإصلاح الاقتصادي قاصرة على تحقيق أي إنجاز إنمائي أو تنموي حقيقي تستفيد منه وترضى عنه الشعوب. وأوضح العربي أنه لا توجد "وصفة سحرية" أو "روشتة موحدة" لتحقيق النمو المستدام، مشيرا إلى أنه على كل دولة أن تتبنى حزمة السياسات وبرامج الإصلاح التي تتناسب مع خصوصيتها وتحديد المدى الزمني لتطبيق هذه البرامج والسياسات بما يلائم طبيعتها وظروفها. واعتبر أنه ليس من المقبول استمرار الادعاء بأن سياسات "توافق واشنطن" هى السبيل الوحيد لتحقيق النمو الاقتصادي، وقال: "كما رأينا سابقا لم تثبت هذه السياسات جدواها بالنسبة للنمو الاقتصادي ليس في الدول العربية فقط، وإنما في دول أمريكا اللاتينية ذاتها". ولفت إلى أن النمو الاقتصادي المستدام سيظل حلما بعيد المنال ما لم تتوفر آليات فاعلة لضمان عدالة توزيع ثمار هذا النمو "فالعدالة الاجتماعية لا تعني مجرد عدالة توزيع الدخل بل الأهم عدالة توزيع الفرص". وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي: "أيا كان النظام الاقتصادي الذي ستتبعه دول الربيع العربي خلال المرحلة القادمة، فإنه سيظل هناك دور رئيسي للدولة في الحياة الاقتصادية، وسيظل هناك حاجة حقيقية لتبني سياسات صناعية تساعد على تحقيق التحول الهيكلي المنشود الذي يعزز من إمكانية استدامة النمو الاقتصادي ويتدارك عجز السياسات الاقتصادية في الفترة السابقة عن استيعاب التحولات الديمجرافية التي شهدتها الدول العربية، وتستطيع توجيه طاقات الشباب - الذين أصبحوا يمثلون الغالبية العظمى من سكان المنطقة لأنشطة إنتاجية وتنموية حقيقية بما يؤدي إلى تحويل تلك الطاقات إلى "نعمة" وليس "نقمة" على جهود التنمية في العالم العربي". وحذر الوزير من أن المبالغة في "المتطلبات المؤسساتية" قد يكون له نتائج عكسية على جهود التنمية بما تؤدي إليه من رفع سقف التوقعات والطموح وشيوع مناخ الإحباط في حال فشل الوصول إلى هذه الشروط التي قد تكون تعجيزية أحيانا. وأضاف: "أنه إذا اختارت دول الربيع العربي طريق الخصخصة والتحرير فلا بد أن تراعي مستقبلا أن تتم هذه العملية بالشكل السليم وليس بشكل سريع؛ حيث أن الهدف النهائي هو تحفيز المنافسة وزيادة الإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام". ورأى العربي أنه قد لا تكون سياسات "التثبيت والتقشف" التي تركز على هدف الاستقرار الاقتصادي والتحكم في التضخم هى السياسة المثلى في مجتمعات ما بعد "الربيع العربي"، مشيرا إلى أنه قد يكون من الأهمية في الفترة القادمة التركيز على أهداف النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة وخلق فرص عمل منتجة وحقيقية. وأكد أنه على مؤسسات التمويل الدولية أن تعيد ثقة المجتمع الدولي في سياساتها ونزاهتها خلال الفترة القادمة حيث أثبت "الربيع العربي" أن الإصلاحات الاقتصادية التي تمت ولعقود من الزمن في العديد من الدول العربية تم اختزالها فقط في بعض المؤشرات الكلية التي لا تعبر بشكل جيد عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. كما أكد الوزير أهمية انعقاد المنتدى في محاولة استخلاص الدروس على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للاستفادة منها خلال المرحلة المقبلة. وشدد على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية باعتبارها دافعة قوية لتحقيق النمو الاقتصادي والعمل على مكافحة الفساد المالي والإداري وعدم تزاوج السلطة والثروة في دول الربيع العربي .. وقد غادر الوزير الأردن عائدا إلى مصر بعد مشاركته في أعمال المنتدى. Comment *