كل ما يظنه صالح عن نفسه أنه شخص عادى يحمل رائحة مميزة أهلته لبيع الورد . كان الأكثر مهارة على الاطلاق ،لكنه فقط لم يكن يعرف او يصدق ،وذلك لتعثره الدائم,فإن اقتنع يوما أنه شخص لطيف فاجئته الأيام بنفسه وهو يتصرف كأكثر الأشخاص فظاظة، وان صدق كونه مميزا ،فاجئته الشمس بنفسه وهو يعاملها كسكير ،وان رأى فى المرآة صورته كبائع ورد صادف نفسه وهو يقذف زجاج المحلات بالطوب. لذا ظل صالح يبيع الورد بمهارة من لا يصدق أنه الأكثر مهارة على الاطلاق. فقد صالح حبيبة بسبب فظاظته تلك،أشعل النار فى ذكرياتهما معا ومضى أكثر راحة من ذى قبل. تكررت تصرفاته الفظة لذا قرر صاحب محل الورد أن يغلق المحل على صالح لمدة عام كعقاب لأنه تصرف كأكثر الأشخاص فظاظة وعامل الشمس كسكير وقذف زجاج المحلات بالطوب. قال له صاحب المحل :سأسافر إلى ماندورلا أجمل مدينة فى العالم لو استطعت ابقاء الورود حية طيلة عام سأهبك محل الورد. سافر صاحب المحل وترك صالح وحيدا مع وروده ،لم يعرف صالح كيف يتصرف فكل ما يعرفه عن نفسه فى تلك اللحظة أنه فظ وسكير ويقذف زجاج المحلات بالطوب. وهى الفكرة الأولى التى وردت ببال صالح لأن المحل كان من زجاج ،وكان ذلك الحل يتيح له الخروج بسهولة من مأزق بقاءه مع الورد لمدة عام. كاد صالح أن يفعل لولا أن وردة ياسمين قررت أن تحكى له حكاية،أخذته من يده وطارت به إلى بلدتها القديمة التى يحرسها غراب محترق. كانت بلدة كاملة من القش لذا احترقت بسهولة،فلم يتبق من أهلها سوى تماثيل جميلة من الفحم . حكت الوردة لصالح حكاية المدينة :” أنا من أحرقت تلك المدينة رغم كونى أجمل ورودها على الاطلاق ،لكنى لم أصدق ذلك يوما، خطبنى ابن ملك المدينة وكنت اقول له : لوعملت حطابا سأحبك .لأنى كنت أرغب دائما فى الزواج من حطاب . ترك المملكة وعمل حطابا من أجلى فغضب الملك ،وحبس ابنه فى برج عال من القش ،وأمر ساحر بلاطه أن يحولنى إلى ناى ،فظللت أعزف لحبيبى ..لكن البرج كان عاليا جدا جدا وكان الغراب يأكل صوت الناى قبل أن يصل إليه..لذا لم يصل أبدا إليه . ذهبت إلى عرافة عجوز وطلبت منها أن تجعل منى عود ثقاب لانقاذ حبيبى ،صرت عود ثقاب وأشعلت النار فى برج القش ،فاحترقت المدينة بأكملها وتحولت إلى تماثيل من الفحم ،ولازلت أحيا بندمى على احراق المدينة من أجل حبيبى الذى تحول إلى تمثال من الفحم“. طلبت الوردة من صالح أن يساعدها على إعادة تماثيل الفحم والمدينة إلى بهاؤها الأول ورغم أن صالح لا يصدق أنه الأكثر مهارة على الاطلاق ،الا أنه حاول . قبل صالح وردة الياسمين بحنان يليق بملكة وأجلسها على عرش من الفل ،نفخت وردة الياسمين قبلة صالح فى تماثيل الفحم فعادت إلى الحياة وبهاؤها الأول ،وعادت مدينة القش جميلة كما كانت وتزوجت الوردة من ابن الملك الذى عمل حطابا من أجلها . قالت الوردة لصالح :أنت الأكثر مهارة على الاطلاق .كاد صالح أن يصدق لولا أنه تعثر فى حجر ،فمزق فستان الملكة غاضبا ليجد نفسه من جديد فى محل الورد ،فكر فى نفسه كشخص فظ يعامل الشمس كسكير ويقذف زجاج المحلات بالطوب. قرصه الجوع وفكر أن البقاء لمدة عام فى محل ورد مغلق قد يعنى هلاكه فقرر أن يأكل الورد، لولا أن وردة قررت أن تحكى له حكاية فأخذته من يده وطارت به إلى مدينة من حليب . قالت له”كنت أحلب الأبقار فى مدينتى ،وكان أهلها يقدسون بياض الحليب حتى أنهم قرروا طلاء سماء المدينة كلها بالأبيض،حتى نسوا لون السماء الأصلى ،لكن ذات يوم رأيت لون السماء الأزرق فلما صحوت من نومى وجدت نفسى أشتاق إلى اللون الأزرق،اللون الحقيقى للسماء.فقررت طلاء السماء به. وما أن بدأت حتى اتهمنى أهل المدينة بالزندقة ،وقرروا معاقبتى بنزع الرائحة عنى،فلما فعلوا ذلك قررت أن أعلم المدينة أن اللون الأبيض هو أكثر الألوان هشاشة .فتركت آثار حذائى فى كل شبر فى المدينة،ولم يتحمل اللون الأبيض آثار الحذاء فعاقب المدينة بانتزاع رائحتها. طلبت الوردة من صالح أن يعيد إليها و إلى المدينة البياض والرائحة. ورغم أن صالح لم يصدق أنه يستطيع الا أنه قبل الوردة فأعاد إليها رائحتها التى انتشرت فى المدينة لتعيد إليها الرائحة ومسحت الوردة آثار حذائها عن اللون الأبيض ..وطلبت من صالح أن يطلى لها السماء باللون الأزرق وقالت له :أنت الأمهر على الاطلاق ،كاد أن يصدق لولا أنه أثناء صعوده إلى السماء أحرقت الشمس إصبعه ،فسكب دلو الطلاء الأزرق فى وجهها غاضبا ليجد نفسه مرة أخرى فى محل الورد. قارب الورد على الذبول مما يعنى أنه سيخسر رهان صاحب المحل لولا أن صالح قرر أن يحكى لهم حكاية. قال صالح :”كان هناك ملكا وملكة لم يرزقا سوى بطفل وحيد ، كان الطفل دائما ما يولى وجهه شطر الشمس فأصاب ذلك رقبته بألم شديد جعله دائم الصراخ ،فقررا علاجه بأن يحجبا عنه نور الشمس وحبساه فى حجرته وعينا حارسا ليراقبه وليمنع دخول نور الشمس إليه ،لكن الولد كان ينتظر الليل دائما ليصنع ونسه الخاص ،الونس الذى أعانه على اكتشاف الشمس رغم شدة العتمة. كبر الولد وتمرد على حجرة أبويه وهرب موليا وجهه نحو الشمس وعمل بائع ورد وأدرك ان علاج ألم رقبته هو الونس بالورد . أحب الولد لكن حبيبته قررت حرمانه من الونس ليعود إليه ألم رقبته،فأحرق ذكرياته معها. ظن الجميع أنه سيسقط صريع ذكرياته المحروقة ،لكنه لم يفعل فهو قادر دائما على اكتشاف الشمس وصناعة ونسه الخاص مهما كانت شدةالعتمة”. لم تنته حكاية صالح،بل خرجت منها حكايات وحكايات،ظل الورد يستمع إليها طيلة عام فلم يذبل،حتى عاد صاحب المحل ليجد ورده لازال حيا ونضرا،فوهب صالح محل الورد،وعاد إلى ماندورلا أجمل مدينة فى العالم. استمر صالح فى بيع الورد بمهارة من لا يعرف أنه الأمهر على الاطلاق ،لكن لم تصطاده الأيام وهو يعاملها بفظاظة ولم تفاجىء الشمس بولد لطيف يعاملها كسكير ولم يجعله الغضب يقذف محلات الزجاج بالطوب ..وعلق لافتة على محله :”اشتر الورد واحرق ذكرياتك إن لم تجلب لك سوى الألم”. اشتهر محل صالح لأن ورده كان يكتشف جمال الفتيات ،كما كان يجعل العشاق أكثر جاذبية فى أعين حبيباتهن. وفى يوم دخلت المحل فتاة رائعة الجمال ،لم يشاهد صالح مثلها ولا حتى فى ذكرياته المحترقة ،وطلبت منه أن ينتقى لها باقة ورد تصلح كهدية للشمس ،.فانتقى لها صالح باقة ورد ما إن رأتها الفتاة حتى علمت أنه شخص عادى يحمل رائحة مميزة تجعله الأمهر على الاطلاق فى بيع الورد ،أحبته وأحبها، وزوجتهما الشمس بنفسها وأهدت صالح بستانا وبحيرة لأنه كان دائما قادر على اكتشافها مهما كانت شدة العتمة. من مجموعة “مملكة من عصير التفاح”..تصدر قريبا عن نهضة مصر للنشر