في الوقت، الذي يتم إلغاء المادة 68 ، الخاصة "بمساواة المرأة بالرجل" من مسودة الدستور الجديد للبلاد، بعد ثورة خرج لها الشعب بمختلف أطيافه من رجال ونساء، منادية بالعدل والاستيقاظ من الغفلة، نجد أن هناك من يناقش مساواة المرأة بالرجل، وكأنها خلقت للتو، فيتوترون ويحتارون كيف يصيغون لها مكاناً بين دفتي دستورهم . فهل لنا أن يساعدنا التاريخ بالرجوع للوراء، عندما حكمت المرأة مصر القديمة، ولنتسائل.. كيف كان حال البلاد ؟ وكيف كانت إدراتها وجرأتها في إحداث التطور والنهوض بالبلاد، إلى جانب خوض المعارك والانتصار فيها، ما جعلها تصل إلى التقديس وتشيد المعابد لتحي هذه الذكرى المنسية والمفقودة عند البعض . ولنتذكر واحدة من أشهر الملكات في التاريخ وهي "ماعت كا رع حتشپسوت "هذا هو اسمها الأصلي والذي يعنى خليلة آمون ، إنها إبنة تحتمس الأول وزوجة تحتمس الثاني والتي أصرت على الزواج منه وهو الابن غير الشرعي، ولكنها قبلت ليتشاركا معا في الحكم ، حلا لمشكلة وجود وريث شرعي له، على الرغم أنه من المفترض أن يكون الزوجان شريكان في الحكم، إلا أن حتشبسوت كانت هي الحاكم الفعلي بينما كان تحتمس الثاني –زوجها- منصرفاً لحياة اللهو والعبث و كان ضعيفاً في أمور القيادة والحكم. وعندما انفردت "حتشبسوت" بالحكم بعد وفاة زوجها، تأتي كأعظم شاهد على دور المرأة المميز وقدرتها على الإدارة والحكم، فأمرت ببناء الأسطول التجاري المصري، وأنشأت السفن الكبيرة لتنمية حركة التجارة مع جيران مصر مع دول الشرق القديم، لمنع أية حروب معهم، واستغلتها أيضاً في النقل الداخلي لنقل المسلات التي أمرت بإضافتها إلى معبد الكرنك تمجيدا للإله آمون . عرف الشعب في عهد حتشبسوت مذاقا جديدا للرفاهية ، عندما أتت الأساطيل التجارية من البلاد المجاورة ، محملة بالبخور و العطور و التوابل و النباتات و الأشجار الاستوائية و الحيوانات المفترسة و الجلود . أما في الحرب، فيكشف لنا المخطوط الذي وجد في مقبرة "سننموت" عن حملات تأديبية عديدة، ومنها حملة النوبة في بداية حكمها، بالإضافة لحملاتها العسكرية المسجلة في عهدها، والتي قام بها تحتمس الثالث للإستيلاء على غزة وكان ذلك بالقرب من نهاية حكمها..أما الحملة الثانية فكانت على سوريا وفلسطين، طبقا لمخطوط في الدير البحري، مضافا إليها حملة ضد تمرد في النوبة.وثالثة في السنة الثانية عشرة من حكمها . لمدة واحداً وعشرين عاماً استطاعت حتشبسوت إحكام قبضتها على الحكم ، واشتهر عهدها بقوة الجيش والبناء، وعم وقتها الازدهار والخير الوفير وعرف الشعب أيضا معني جديد للترفيه. ونذكر ايضاً "حتحور" ابنة "رع" وزوجة "حورس" ، والتي سميت قديما باسم "بات" ووجدت على لوحة "نارمر" ،والتي كان البعض يعتبرها إلهة السماء والأرض، وهي من أشهر أسماء النساء التي عرفها المصري القديم، فكانت تشتهر بأنها الأم الأولى للآلهة، وكان يرمز لها ب "البقرة السماوية" التي ولدتهم وأرضعتهم جميعاً رغم أنها لم تنجب أبداً . في عصر "حتحور" شغلت المرأة المصرية العديد من المهن والحرف، مثل منصب قاض ووزير، مثل "نبت" في الأسرة السادسة، كما كانت الفتاة في عهدها تسلك مجال الطب والجراحة ومهنة المولدة بعد أن تتلقى مبادئ العلوم الطبية، أما سيدات المجتمع الراقي فكن يشغلن وظيفة إدارة مصانع النسيج الكبرى، كما شغلت المرأة مهنة سيدة أعمال مثال السيدة "نيفر" وكانت صاحبة أرض شاسعة وعقارات مهمة، وكانت هذه السيدة توكل لوكلائها التجاريين في عهد الدولة الحديثة مهمة ترويج المنتجات التي ترغب في بيعها. في عهد "حتحور" أيضا تمتعت المرأة المصرية القديمة بأهلية قضائية كاملة، وكان لها استقلالها المالي عن الرجل، وكان بإمكانها أن تدير ممتلكاتها الخاصة، بالإضافة إلى إدارة الممتلكات العامة، بالإضافة أن الفتاة في هذا الوقت كان لها الحق أن تختار شريك حياتها بكامل إرادتها وحريتها، وأن تصبح زوجة وأماً صالحة، دون أن يعني ذلك خضوع النظام الأسري لسيطرة الأم، بل كان نظام يتقاسم فيه الزوجان المسئولية المعتادة في إطار الحياة الزوجية، حيث يشتركان في السراء والضراء كما تذكر البرديات القديمة . من هذا الزمان البعيد نتذكر أسطورة "ايزيس" أم الطبيعة وزوجة الزمن ،تلك المرأة التي ذابت حبا وإخلاصا لزوجها وأخيها "أزوريس"، والأم الحانية التي بذلت من الجهد أقصاه لتحافظ على حياة وليدها "حورس" عندما اغتالته يد الشر الذي يمثله عمه "ست ". اشتهرت صورة "ايزيس" بامرأة علي حاجب جبين قرص الشمس أو المرآة، ويتوسط قرنيها قرص الشمس، ورسخت تلك الصورة في أذهان المصريين القدماء فقدسوها حتى العبادة، وشيدوا لأجلها، معابد "فيلة"، بجزيرة "فيلة"، بل وفي بقاع أخرى من العالم، ومنها بقابا معبدها في روما وأثارا لقدس أقداسها في باريس . هذه المرأة الأسطورة لم تنل هذا الإعجاب إلا بعد حياة مليئة بالعناء والمثابرة، دفعت خلالها الكثير للبقاء على الحبيب الزوج وحماية الوليد. لم يتوقف نضال المرأة عند النساء القدماء، بل إن التاريخ الحديث يعج بالكثير والكثير من أسماء النساء التي أعطت للحياة ألوانها والتي يصعب محوها، والتي يتعذر علينا ذكرهم جميعاً ، ولكن نتذكر بعضهم عل التذكرة تنفع مثل هدى شعراوي، ونبوية موسى، و سميرة موسى، وغيرهم من النماذج التي تعجز هذه السطور عن إحصائه . والآن بعد مرور مئات القرون على هذه العهود الوضاءة هل يليق أن يرجع أحفاد هؤلاء القدماء لمناقشة إمكانية مساواة المرأة بالرجل ! Comment *