تتصاعد العنصرية الإسرائيلية سنة تلو الأخرى تجاه فلسطينيي48 والتي تعتبرهم اسرائيل منذ البدايات جمهوراً "معادياً" أو أنهم لا يدينون "بالولاء" في أحسن الأحوال! فقد بلغت نسبتهم ما يعادل 18% من إجمالي عدد السكان في دولة الاحتلال، حيث وصل تعدادهم في عام 2008 إلى نحو مليون وثلاثمائة ألف فلسطسيني. ويمثل من هم في الفئة العمرية دون 25 عاماً ما نسبته 57% من العدد الإجمالي ذكوراً أو إناث، علماً بأن نسبة الذكور للإناث هي متقاربة مناصفة، وهو ما يدلل بالعموم على أنه مجتمع شاب. لذا تستعديه المؤسسة الإسرائيلية بكافة الوسائل والسبل العنصرية وهو ما يمكن ملاحظته من خلال مسائل الحقوق والمساواة مع المواطنين من أصحاب الديانة اليهودية. وقد أخذت هذه النظرة تتزايد تدريجياً في الكثير من المراحل كان أخيرها وليس آخرها ما جرى في الحملة الانتخابية في فبراير من عام 2009، إذ أن أكثر من حزب وفي مقدمتهم "اسرائيل بيتنا" بقيادة العنصري افيغدور ليبرمان الذي قاد حملة تهدف الى وضع الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة في عام 1948، أمام خيارين لا ثالث لهما: -إما تقديم الولاء للدولة بدون تشكيك بما يعنيه ذلك إلغاء حقيقة أنهم يمثلون أقلية قومية تعيش داخل دولة فيها أكثرية أخرى. -فقدان حق المواطنة وبالتالي حق الإقامة في تلك الدولة. وهنا تتكشف حقيقة مطالباته بإجراء عملية تبادل للأراضي والسكان بين كيان الاحتلال والدولة الفلسطينية المنتظرة في أي حلول مستقبلية!. إن هذا التوجه الذي يعبر عنه ليبرمان ومؤيديه يمثل رأس الحربة. أما الباقي فهي تختلف معه في الشكل ولكن تتفق معه من حيث المضمون والجوهر. بل أن هذا التوجه الذي يتمسك به ليبرمان يشكل في جوهره رأياً للأغلبية الحاكمة في الوقت الحالي. وأيضاً رغبة واسعة لدى عموم الجمهور الإسرائيلي. وتسعى اسرائيل عملياً إلى تحقيق هدفين أساسيين، الأول: الإمساك بقوة في شعار يهودية الدولة وعلى أن دولة إسرائيل هي دولة اليهود فقط لا غير. والثاني: التضييق على حقوق فلسطينيي 48 إلى أدنى مستوى ممكن، مما يكرس مكانتهم في الموقع الأقل كمواطنين في دولة الاحتلال بشكل مستمر. وبناء على ذلك، نجد أن فلسطينيي48 يواجهون عداءاً عنصرياً تراكمياً، كلما مر عليه الوقت كبر واتضحت ملامحه أكثر فأكثر، علماً بأن هذا العداء العنصري التراكمي لم يأت عبثاً. بل إنه جاء بالأساس على قاعدة جملة من القوانين والتشريعات والممارسات الملموسة بدأت مع إعلان قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي عام1948، (قانون العودة، المواطنة، أساس الكنيست، التملك للأرض، السكن وقانون الغائبين.....). وتستحضر الذاكرة هنا الوثيقة الشهيرة التي عرفت باسم "وثيقة كينج العنصري"، والذي كان متصرفاً للواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية في عام1976. لكونها تشكل عنواناً بارزاً في سياق التفكير الصيهوني العنصري إزاء هذا الموضوع، وهي جزء من منظومة مستمرة حتى يومنا هذا. إن الميل لإقصاء "الأقلية الفلسطينية" من داخل الدولة هو الميل الآخذ بالترسخ التدريجي. حيث أن أحد التقارير التي قدمها جهاز الشاباك لرئيس الوزراء ايهود أولمرت في عام2007، يشير الى أن "العرب في إسرائيل يشكلون خطراً على الدولة... ويجب التعامل معهم على هذا الأساس...". في حين صرح العنصري ليبرمان وبشكل علني في مؤتمر هرتسيليا عام 2008، "أن التهديد الداخلي أصبح أخطر من التهديد الخارجي!..". إن الأغلبية التي يتشكل منها الكنيست الحالي "الثامنة عشرة" هي أكثرية يمينية واضحة، وهي أكثرية لديها ما يزيد على التسعين مقعداً برلمانياً تتفق في توجهاتها العامة بخصوص مواضيع شتى، ومن بينها وأهمها ما يتعلق بفلسطينيي 48 لجهة اعتبار أن هذه "الأقلية" باتت تشكل خطراً استراتيجياً على "دولة اسرائيل" كدولة يهودية وهو ما يستوجب التحرك والتصدي له. وقد كشف استطلاع للرأي العام في اسرائيل نشرته صحيفة (هآرتس ) مؤخراً أن نسبة العنصرية والتفرقة والتمييز آخذة بالزيادة في الشارع الاسرائيلي العام. ويشير هذا الاستطلاع الى عملية زيادة نسبة المتطرفين في اسرائيل، ويركز على عدد من النقاط أهمها: أن 69% من المستطلعين ضد منح الفلسطينيين حق التصويت حال ضم الضفة الغربية إلى اسرائيل. وأن 59% يفكرون أنه يجب تفضيل اليهود على العرب في قطاعات مختلفة من العمل. وأن 58% يعتقدون بأن اسرائيل تدير نظام حكم ابارتهايد. وأن 47% يوافقون على طرد العرب من اسرائيل إلى السلطة الفلسطينية. في الواقع، وبناء على كل المعطيات يمكننا المعرفة بوضوح أن مستوى العلاقة بين دولة الاحتلال ومختلف مؤسساتها، وبين "الأقلية الفلسطينية العربية" يتجه نحو مزيد من الاحتقان والصراع. وأن مفاعيل الاصطدام بشكل أو بآخر باتت مهيأة. ليس على قاعدة التضامن مع باقي أبناء الشعب الفلسطيني أو العربي كما كان يجري دوماً في الانتفاضة الأولى والثانية والعدوان على لبنان وقطاع غزة... بل على خلفية البرنامج اليميني المتطرف والمتصاعد داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته بما فها الحكومة والكنيست والأحزاب السياسية. إن الاستعداد والجاهزية للصراع القادم هي مسألة بالغة الأهمية يجب أن توضع على جدول الأعمال سواء من قبل أبناء الشعب الفلسطيني الصامدين هناك وممثليهم المختلفين، أو من جانب القوى السياسية الفلسطينية المختلفة. حيث يعتبر الالتزام من قبلها نحو هذا الجزء من أبناء الشعب جزءاً من الالتزام الوطني والنضالي بحق العودة والقدس والأسرى ومقاومة الاستيطان ومختلف أساليب العنصرية الاحتلالية. إن إيجاد حلولاً جادة لهذا الأمر إنما يشكل واجباً وطنياً ملزماً لكافة الجهات والفعاليات التي ترى في نفسها مسئولة عن الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ونضاله العادل في كافة أماكن تواجده. Comment *