من وقت لآخر يكشف الكيان الصهيوني عن وجهه البغيض بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ويبدو أن هذا الكيان لم يعد يكفيه ما يحتله من أرض وشعب، حتى صار يتعمد إذلال هذا الشعب، وقمع الحجر كما يقمع البشر، على حد سواء. وبين الفينة والأخرى ينفث الاحتلال سمومه تارة، بالدوْس على كرامة الفلسطينيين، وتارة أخرى للنيل من المقدسات الفلسطينية بتهويد الآثار والمواقع الدينية والتاريخية، وتبذل في ذلك العديد من الانتهاكات التي تخالف بها كافة القوانين الدولية المعنية بحقوق الإنسان، علاوة على مخالفتها لكافة المواثيق المعنية بحماية التراث والمقدسات الدينية. كما يبذل الكيان الصهيوني لقاء كل ذلك كل ما يمكن أن يعمل على إهدار حقوق الإنسان الفلسطيني، ليس هذا وفقط، بل والعمل على إذلال كرامة الإنسان الفلسطيني، ومن بين هذا الإذلال ما صار يعمل عليه الاحتلال من تطبيق قوانين ضد الفلسطينيين تلزمهم بقضاء ما يسمى بالخدمة المدنية، في محاولة لكسر كرامة الإنسان الفلسطيني، وخاصة من عرب 48، وكمحاولة للدوس على كرامتهم وإسلامهم ووطنيتهم. هذا المشروع له الكثير من التداعيات الخطيرة التي تصنف بأنها من القوانين العنصرية التي يناقشها الكنيست الإسرائيلي في دورته الحالية، لما له من تأثير على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي الداعي إلى احترام حقوق الإنسان ومواثيقه الدولية الضغط على إسرائيل لوقف سياسة التمييز العنصري ضد أبناء الشعب الفلسطيني والعمل الجدي على رفض هذه القوانين وعدم الاعتراف بها والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في قضاياه المشروعة. وفي هذا السياق يلفت تقرير أعده قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة في جامعة الدول العربية الانتباه إلى أنه "بعد مرور 63 عامًا على نكبة فلسطين عام 1948، ما زال فلسطينيو 1948 يواجهون تحديات عنصرية تمس كافة مناحي حياتهم وتهدد بقاءهم على أراضيهم، وفي مقدمتها دعوة ومطالبة بعض اليمينيين المتطرفين، والذين يتزعمهم وزير الخارجية الإسرائيلي العنصري "أفيجور ليبرمان"، إلى طرد أكبر عدد ممكن من العرب الفلسطينيين من أراضيهم داخل الخط الأخضر إلى الضفة الغربيةالمحتلة أو إلى خارج حدود فلسطين التاريخية، بالإضافة إلى قناعات رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" بضرورة طرد الفلسطينيين، وذلك عبر توصيات عديدة في مؤتمرات "إسرائيلية"، في مقدمتها مؤتمرات "هرتسليا" التي تعقد بشكل دوري منذ عام 2000، وكذلك خطاباته وتصريحاته". كما أشار التقرير الذي حمل عنوان "مشاريع القوانين العنصرية التمييزية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والمقدمة إلى الكنيست لإقرارها في دورته الحالية" إلى أن الكنيست يواصل إقرار سلسلة من القوانين العنصرية التمييزية الإسرائيلية، والتي يسعى اليمين العنصري من خلال إقرارها إلى التضييق على الفلسطينيين داخل أراضي عام 1948، وجاء من بينها مشروع قانون فرض الخدمة المدنية على فلسطينيي 48، ويقضي بفرض الخدمة المدنية على فلسطينيي 48 كبديل عن الخدمة العسكرية، مستغلة نفوذها وقوتها بالكنيست للتمرير، كمحاولة لتشويه هوية عرب 48 القومية العربية، "حيث يلزم مشروع القانون الشباب الفلسطيني ممن تخلفوا عن أداء الخدمة العسكرية لأي سبب، بما فيها الأسباب الدينية، بأداء خدمة مدنية كبديل للخدمة العسكرية لمدة 24 شهرًا". ويوضح التقرير أن هدف هذا المشروع تنمية الولاء الفلسطيني للكيان بدعوى تشجيع المساهمة في تعزيز قيم الدولة اليهودية الديمقراطية. لافتًا الانتباه إلى أن فلسطينيي الداخل عارضوا مثل هذا المشروع لأسباب منها أنه "محاولة لفرض قيم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية عليهم، وأن قوانين الخدمة القومية أو المدنية ما هي إلا الوجه الآخر لقوانين الولاء للصهيونية، أو بتعريفه الرسمي الولاء لإسرائيل كدولة يهودية، وهو تعبير عن رغبة إسرائيلية، بعد فشلها طوال 63 عامًا في إقناع فلسطينيي 48 بالولاء للمشروع الصهيوني". ويلفت الانتباه إلى أن القيادات الوطنية الفلسطينية في أراضي 48 تعارض مشروع "الخدمة القومية" الذي استبدلت إسرائيل باسمه "الخدمة المدنية"، بهدف إزالة صبغة "القومية الصهيونية" المناقضة للقومية العربية والوطنية الفلسطينية، "وبالتالي إقناع وجذب أكبر عدد من الشباب العربي للانخراط في الخدمة المدنية". وذكر التقرير أن كافة الدلائل تشير إلى أن "طابع القانون هو عسكرة إضافية للحياة الجماهيرية كجزء من بناء إسرائيلي جديد، بهدف خلق شباب عربي مشوه قوميًّا ووطنيًّا، فالربط بين الخدمة العسكرية والمدنية متأصل بالفكر الصهيوني، إذ تتطلع إسرائيل لتحويل جيشها من جيش الشعب إلى جيش صغير وذكي، بعد تغير أساليب الحرب عقب النهضة التكنولوجية، لذا فهي ليست بحاجة لكم هائل من الجنود". وعليه، فإن مثل كل هذه المشاريع من القوانين تستهدف أن يكون الداخل الفلسطيني غير قادر على أن يؤدي الخدمة العسكرية بمختلف تسمياتها في دولة ما زالت تمارس سياسة الفصل العنصري ضده، وتتنكر لحقه في العيش على أرضه والاعتراف بحقوقه القومية، وتسببت بالنكبة الفلسطينية وما زالت تتنكر لها، فالداخل الفلسطيني بمجمله، قيادة وجماهير، رافض، وسيواجه مشروع القانون، حتى لو أدى ذلك إلى حرمانه من أبسط الحقوق، أو السجن لمن يرفض الانصياع للقانون، وذلك قد يدفع نحو العصيان المدني، وهي تحركات ليست بغريبة على الشعب الفلسطيني، الذي قدم الكثير من التضحيات ولا يزال.