البيئة المصرية متنوعة وخلاقة في إفراز شخصيات مختلفة التفكير والشعور والانتماء، تتقارب بعضها وتشكل ما يعرف بالأنماط الشخصية، والتي أبرزتها الأعمال السينمائية والأدبية والنكتة المصرية، وقد أظهرت ثورة 25 يناير أنبل تلك الأنماط المصرية، بينما أسوأ تلك الأنماط المصرية أخلاقياً وسلوكياً أبرزتها جماعة الإخوان، أو ساعدت في ظهورها وإظهارها. وعلى الرغم من أن كل فرد يشكل في حد ذاته نمطاً لا يتكرر في أسلوبه وطريقة تفكيره واستجابته للأمور، إلا أن الشخصيات في المجتمعات الكبيرة يمكن أن تشكل فيها عدة ذوات نمطاً يجمع ملامح خاصة به، وتحفظ لنا السينما المصرية والرواية والمسرح التي تستغل هذه الأنماط في موادها الدرامية، وفي بث رؤى القائمين عليها، وبالطبع تتأثر برؤيتهم، وفي هذا السياق ندد بعض الإسلاميين في ذكرى نجيب محفوظ لتناوله النمط الذي يصفونه ب"الإسلامي" بشكل لا يليق، ولم يقتصر الأمر على نجيب محفوظ، الأديب العالمي والحائز على جائزة نوبل، ولكن تعداه إلى شخصيتين جسدت الأنماط السيئة التي أبرزتها جماعة الإخوان، عادل الإمام في تجسيده لهذه الأنماط، ووحيد حامد في الكتابة السينمائية والتليفيزيونية عنها. أخلاقياً قد نقسم هذه الأنماط على حسب قربها أو بعدها من الأخلاق الإنسانية إلى: نمط 1: البلطجي ابن البلد في هذا السياق نرى البلطجي ابن البلد الذي يأخذ حقه ب"أسنانه" على حسب التعبير الشعبي الدقيق، وهو امتداد ل"حرافيش" نجيب محفوظ عندما ضعفت يد الدولة على المجتمع، والبلطجي ابن البلد هو جدع وشهم، لا يطيق أن يرى الظلم ولا يدافع عنه، أو يقع عليه الظلم من السلطة، وغالباً ما تكون الشرطة، التي كانت إقالة وزير الداخلية أول مطالب الثورة، وقد قصرت أدوار الممثل كريم عبد العزيز على هذا النمط، وحمل عنوان أحد أفلامه اسم "خارج على القانون" ليس إيحاءً لا أخلاقياً بالخروج عن النظام، وإنما تمرد أخلاقي على نظام خلا من العدل ويضغط على نفس وأخلاق المواطن. نمط 2: البلطجي القذر ويقابله النمط السيء وهو البلطجي العميل لأجهزة الأمن، وهذا النمط استغله الجيش المصري في سحله وقتله للمتظاهرين في التحرير وأمام وزارة الدفاع في الفترة الواقعة بين رحيل مبارك، وتنصيب مرسي رئيساً للجمهورية، واستخدمه الإخوان في الدفاع عن مقراتهم في ثورة فبراير، هذا البلطجي نمط ليس له حظ من تعليم أو ثقافة نتاج تقصير الدولة وغيابها، ولكن الدولة الإخوانية لا تزال بحاجة إليه، فطريقة استبداد مبارك لا تورط أفراد الحزب الوطني في مواجهات مع المتظاهرين المنادين بالحرية والعدالة، ولكن تضع النمط الثوري الرائع الذي لا ينحاز إلا إلى العدالة والحرية، أمام نمط البلطجي الذي لا تفلح معه نداءات "سلمية.. سلمية" لانعدام الأنا الأعلى داخل هذا النمط. ويحتاج أي استبداد للبلطجي القذر حتى لا تتلطخ يد الدولة بدماء وعرق المتظاهرين، سواء عن طريق أبناءها "الإخوان المسلمون الآن والوطني سابقاً" أو عن طريق أجهزتها الشرطة والجيش. نمط 3: الموظف الذليل وهناك نمط سلبي آخر وهو فلولي بامتياز، الموظف الذي يسير مسالماً بجوار الحائط يعشق الاستقرار ويخاف من التغيير والمجهول، ونجد هذا المثل في أبطال فيلم "احنا بتوع الأوتوبيس" والذي مثله عادل إمام ومدبولي. هذا النمط أعطى صوته ل"شفيق" وهو نفسه الذي سيعطي للإخوان غداً، لا حباً فيهم ولكن لجبنهم يتولد لديهم نزوع للاحتماء بالأقوى، في اقتران غريب يرونه في القوة بالنظام، والاستقرار بالاستبداد، وهذا النمط نراه في جيل آباءنا كثيراً وزادت حيرتنا في هذا الجيل الذي تمسك بمبارك وما إن رحل، ما طفق يلعنه ثم رشح محمد مرسي رغم عدم اقتناعه به، ولكن لأنه كما يعتقدون ينتمي إلى جماعة قادرة على فرض الاستقرار أو الاستبداد، وهذا النمط شديد الخوف من السياسة والكره للتظاهرات والاحتجاجات، ويبغض الثوار أكثر من بغضه للمفسد القوي. نمط 4: الثوري في مقابله نجد الشاب الثوري الذي حاولت وسائل الإعلام الحكومية الموالية لمبارك سابقاً، أن تصور الشباب بأنهم مائعون ولا يدرون مصلحة الوطن، أو ممولين من الغرب، هذا النمط ثوري بامتياز لأنه الوحيد الذي ينتصر للأنماط الإنسانية الأخرى ويتضامن معها، وفي ذات الوقت لا يقبل على الأنماط السيئة أن تتعرض للاضطهاد أو التعذيب، هذا النمط الذي حارب النظام القديم، وتضامن مع "حازمون" في أحداث العباسية، وهو في مواجهة الإخوان الآن، ولن يهدأ الإخوان حتى يقضوا عليه تماماً أو يحجمونه، لأنه نمط نبيل، نبيل في غضبه، نبيل في تظاهراته، نبيل في عشقه لوطنه ولإنسانيته، لا يعترف بتلك الحواجز بين البشر الدينية أو الطبقية أو الجنسية، من هذا النمط استلهمت ثورات وتظاهرات في اليونان ووول ستريت وبريطانيا، ورفعت أعلام مصر في بعض منها. نمط 5: الشيخ البيزنس مان نمط آخر يشكل زخماً وذخراً للإخوان وهو الشيخ التاجر، الرجل "البركة" الذي يجمع بين المال والدين، شديد الثراء والمادية والشح وشديد التمسك بمظاهر الدين، فهذا النمط يتمسح به كثير من المصريين، وأغلبهم ينتمون إلى نمط الموظف المسالم، وهذا النمط يعتبر نموذج ومثل أعلى لسائر الأنماط السيئة في مصر، فهو يجمع بين المال والشكل الديني، في مجتمع لازالت المادة تحتل مكاناً هاماً في قلوبه والشكليات الدينية تستغرقه، ولقد حاكى عادل إمام في مسرحية "الواد سيد الشغال" هذا النمط بسخرية شديدة، ولعل هذا أهله لمحاكمته بتهمة الإساءة إلى الدين. نمط 6 : الشيخ الداعية وفي مقابل النمط السابق، نجد الشيخ الداعية الذي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، يستخدم الآيات القرآنية لتحفيز الخير في قلوب الناس وليس لزرع الانقسامات واستغلاله سياسياً، شيخ لا يستثمر علمه في الفضائيات ليجني الأموال الطائلة ولا سياسياً ليحجز لنفسه مكاناً مرموقاً في المجتمع، إنه شيخ زاهد يقول كلمة الحق في وجه سلطان جائر، صدق فيه المثل العربي "التقي خفي"، وهذا النمط يعري الإخوان والسلفيين أيما عري، ولهذا ينال - هو والنمط الثوري - أشد الهجوم وألذعه من كوادر الإخوان، فنظافتهم تستفزهم وتستثير حنقهم، بل ويتصورون أن هذه النظافة ادعاء. إن الذي سيحسم صراع السلطة الحقيقي وليس "الديكور" هو صراع تلك الأنماط الجيدة ضد السيئة اجتماعياً، في عربات المترو والميكروباصات والأماكن العامة وفي المنتديات وجروبات الفيس بوك نجد تلك "الخناقات الصغيرة" بين تلك الأنماط، الشاب الثوري مع الإخواني، والموظف الذليل مع الشيخ الداعية وهكذا، ولكن المؤكد أن بقاء الجماعة في نفوذها القوي هو انتصار لنمط الموظف الذليل والشيخ المتاجر والبلطجي القذر، وخسارتها سياسياً هو انتصار للشيخ الداعية والشاب الثوري والبلطجي ابن البلد، وهؤلاء سترونهم كثيراً في المعتقلات والتظاهرات وسيتعرضون لاضطهاد كبير حتى ينتصروا. Comment *