من العيب ألا يرحب المرء بضيوف يأتون لبيته أو حتى لبلده، لكننا في الحالة التي نتناولها هنا أمام زيارة لرجل يقوم بكل ما يخلق التوتر والشبهة والارتياب، ولا يمكن اعتبار زيارته عملاً ودياً تجاه الشعب الفلسطيني، أو انحيازاً له ونصرة لصموده. الأمير القطري لم يحضر إلى غزة حين كنا موحدين ولنا جهة تمثلنا، رغم علاقته الودية مع الكيان الصهيوني التي تعززت بمقدار تطوير علاقته بحركة حماس واحتضان قطر لها مالياً واستقبال رئيس مكتبها السياسي جغرافياً، وبالتالي فإن الزيارة في ظل الانقسام الفلسطيني وإلى غزة تحت أي حجة ستكون لتعميق الانقسام ليس أكثر، ولها دلالات غاية في السوء منها أنه لا يجوز التخفي خلف شعارات الدعم والنصرة في الوقت الذي يقوم فيه هذا الأمير بالتطبيع مع العدو الصهيوني على نطاق واسع، ويقدم خدماته للولايات المتحدة وهما الدولتان اللتان تقول حماس أنهما العدو الرئيسي للأمة. إذن نحن يمكن أن نبيع مبادئنا وقيمنا بثمن بخس وأن تكون الأموال هي بوصلتنا بدلاً من قيم الحق والعدالة والحرية التي قدم الشهداء أرواحهم من أجلها. يتساءل الناس عن زيارات الأمير وابن عمه للقدس ولقاءاتهما الحميمة مع أركان العدو الصهيوني وشرب الأنخاب معهم، وإذا كان هناك قيادات فلسطينية فعلت ذلك فقد أدانها الفلسطينيون واعتبروها خروجاً عن السلوك الوطني وخيانة لدم الشهداء بما فيها لقاءات الرئيس الفلسطيني مع الزعماء الصهاينة على ما فيها من اضطرار نفهمه ولكن لا نقبله. هل يأتي أمير قطر لقطاع غزة من أجل تبييض صفحته الملوثة بدم السوريين وغيرهم ممن يحرضهم ويسلحهم ويرسلهم للهلاك والموت في مدن الشقيقة سوريا؟.. أم يأتي ليشجع حماس على مزيد من التزمت ووضع التعقيدات والحواجز أمام استعادة الوحدة الوطنية؟ وربما من أجل شراء بعض الأماكن لتحويلها إلى مناطق سياحية للاستثمار على طريقة حكومته وأزلامه في أوروبا وغيرها؟ لقد رحبنا في السابق بالجهود التي تبذلها زوجته السيدة موزة من أجل أطفال غزة، وكنا نراها مساندة طيبة وشجاعة لصمود الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الدموي عليه مع نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 وقد أشدنا بها وبجهودها كامرأة عربية تقوم بما تمليه عليها قيم العروبة والإسلام في نصرة الحق والوقوف مع المظلوم، وكذلك من موقع الشقيقة التي تساند شقيقها، وقدرنا كل خطواتها في هذا السياق. اليوم تأتي خطوة زيارة زوجها لغزة في سياق مختلف تماماً وليس لها ما يبررها، بل هي تعمل في الاتجاه الخاطئ والمضر للقضية الفلسطينية ذلك أن غزة لا تزال تحت الحصار والاحتلال وقوات العدو الصهيوني تتحكم في كل ما يديم الحياة فيها، كما أننا نعلم جميعاً أن أمير قطر لا يمكن أن يزور غزة بدون موافقة ورضا الأمريكان والإسرائيليين، وهذا خداع لابد أن يتوقف ويكشف حمد القطري عن حقيقة وخلفيات زيارته المشبوهة للقطاع. لسنا ممن يكره أو يرفض المساندة من الشقيق، وخاصة أن غزة تتعرض للحصار والتجويع من معسكر الأعداء وبعض من يفترض أنهم أصدقاء، لكننا نرفض المساندة الملوثة ذات الأهداف الخبيثة والتي تعزز التهدئة مع عدو يعمل فينا القتل والحصار والإرهاب. كنا نود من أمير قطر وهو العميل بامتياز للسياسة الأمريكية، أن يعلن إدانته للعدوان الأمريكي الصهيوني على غزة، وأن ذلك يستوجب المقاومة والمقاطعة للكيان الصهيوني كما يفعل مع سوريا، وكنا نتمنى لو كان صادقاً أن يعلن عن شراء أسلحة متطورة للمقاومة بذات الجرأة لما يبثه عن تسليحه للمعارضة السورية، والتمني على مجاهديه أن ينتصروا للقدس ومنع التهويد، أما أن يأتي وهو يحمل كل أوزار الدنيا على ظهره ليلقيها على كاهل غزة الفقيرة والمحاصرة فهذا ما لا يجوز ولا نقبله. إننا نتفهم حراجة موقف حماس من الزيارة ونتفهم حاجتها للدعم المالي القطري، لكننا لا يمكن أن نتفهم أو نفهم عدم قبولها بتغيير موقفها تجاه المصالحة والانتخابات وغيرها من القضايا التي أشار لها الأخ مشعل في معرض مراجعاته الجريئة للسلوك الحمساوي على مدار السنوات الماضية وقضية الجمع المربك بين السلطة والمقاومة ! والسؤال الآن: ماذا عن موقف سلطة رام الله ومنظمة التحرير الفلسطينية التي نراها صامتة عن زيارة تمثل انتهاكاً فظاً للأصول المتعارف عليها في علاقات الجهات الرسمية العربية مع المنظمة والسلطة التي تتبع المنظمة وما تمثله؟.. هل تتغاضى عن هذه الزيارة رغم معانيها الخطيرة؟ ربما تصدر بياناً خجولاً كي لا تخسر المال القطري لكن أغلبية الفلسطينيين لا يقبلون بهذا، ويرون فيه استخذاءً ودليلاً على ضعف موقفنا ومؤسساتنا الوطنية التي يجب أن يعاد النظر في تركيبتها والعمل على تجديدها ومشاركة كل الشعب فيها. Comment *