من التصريحات التى تثير السخرية تلك التى تصدر عن كوادر الإخوان المسلمين والتى يؤكدون فيها على أن الرئيس مرسى لم تعد له صلة بحزبهم ولا بجماعتهم وبأنه قد أصبح رئيساً لكل المصريين، ومثار السخرية أن هؤلاء يفترضون السذاجة فيمن يستمعون إليهم أو يراهنون على عدم معرفة الكثيرين بنهج تربية الكادر الإخوانى والمراحل التى يمر بها حتى يصبح عضواً عاملاً تسند اليه المهام ويؤتمن على الأسرار التنظيمية. تخيلوا معى أن شخصاً ما يقيم فى السيدة زينب مثلاً، تصدر إليه الأوامر أن يتوجه فى الصباح الباكر الى مدينة السادس من أكتوبر وحين يذهب للمكان المحدد له يأتيه آخر – مكلف أيضاً – ويعطيه ورقة بتكليف أن يذهب فوراً إلى ميدان روكسى بمصر الجديدة، وهناك يتسلم من ثالث تكليف بالعودة إلى منزله وانتظار تكليف آخر، فينصاع ويرجع دونما تساؤل عن ماهية ما قام به، بل يفعل ذلك فى إخلاص وطاعة تامة وبلا جذع أو تبرم. وهكذا يخضع الكادر الإخوانى لعدة اختبارات فى تربية شخصيته حتى يصبح مطيعاً للأوامر، سهل الانقياد لا يتردد لحظة فى تنفيذ ما يصدر إليه من تكليفات ودونما تفكير أو تأخير، كما هو الحال فى الحياة العسكرية حيث تعد طاعة الأوامر أهم مميزات العسكرى الناجح، لكن الأمر فى كادر الإخوان يزيد إلى أنه يؤمن بأن طاعة الأوامر فرض عليه وعصيانها يوقعه فى الكبائر التنظيمية التى تقترب من التعدى على حد من حدود الله. وبهذا يترسخ داخل الكادر الإخوانى مبدأ السمع والطاعة ويتم تدشينه كترس داخل آلة الجماعة ينفذ تعليمات قادته بلا جدال أو محاولة التفكير حتى، ولعل حشدهم تلك الأعداد التى هاجمت المتظاهرين يوم جمعة "كشف الحساب" أكبر دليل على ذلك،فلا يمكن لعاقل أن يصدق أن هذه الأتوبيسات أحضرت الجموع من الأقاليم بدون تكليف أو بدون إعداد مسبق، فما دام انسحابهم كان بأمر من العريان إذن فنزولهم وتعديهم كان بأمر أيضاً. عرف عن الدكتور مرسى منذ التحاقه بالجماعة فى السبعينيات أنه مطيع للأوامر ومنفذ لكل ما يصدر إليه من تكليف، ولم يكن وضعه على دكة الاحتياطى فى بدء ماراثون الانتخابات الرئاسية أمر مستهجن فالرجل لم يعرف عنه امتلاكه لأية نزعات قيادية ولم يضبط مرة واحدة ممتلكاً لكاريزما كما لم تسجل له الأحداث خروجه ولو لمرة واحدة على خط السير الموضوع له سلفاً من جماعته. لهذا ليس بمستغرب أن نجد ذلك التغلغل الإخوانى فى دوائر صنع القرار ولعل التصريحات الأخيرة للدكتور عصام العريان – والصيغة التى يتكلم بها مع الاخرين – توضح ذلك،وهناك أمر آخر بالغ الدلالة على هذا التغلغل الذى رصدته الدول الأخرى وصارت تتعامل على أساسه، فماذا يعنى لقاء الشاطر وحسن مالك لرئيس المخابرات القطرى حين زيارة الأخير لمصر منذ أيام قليلة مضت إلا اعتراف من الجميع بأن الجماعة هى بوابة العبور للرئاسة فى مصر الآن. منذ تفجر أزمة النائب العام وافتضاح أمر الاحتلال الإخوانى لمؤسسة الرئاسة وهناك أصوات تخرج قائلة بان ثمة صدام وشيك سوف يقع بين الرئاسة والجماعة وأن الدكتور مرسى سوف يفعل ذلك بسبب حلقات الإحراج الشديد التى يتعرض له من قبل جماعته ورفاق دربه الإخوانى، لكن التحركات على أرض الواقع تثبت عكس ذلك تماماً.. فبعد تصريحات العريان الغريبة الخاصة بقيام الرئاسة بتسجيل مكالماتها مع الآخرين، الأمر الذى استدعى مخاطبة النائب العام لمؤسسة الرئاسة متسائلاً حول الصفة التى من خلالها يصدر العريان مثل هذه التصريحات ومدى صدقها وماهية السند القانونى، فبعد هذا كله يعين الرئيس كادر كبير من جماعته فى منصب نائب محافظ الإسكندرية وهو الدكتور حسن البرنس، المعروف بتصريحاته الغريبة منذ تصعيد مرسى وتوليه رئاسة البلاد، وبهذا فها هى كوادر الإخوان تزحف فى نعومة وبهدوء إلى المناصب التنفيذية قبيل انتخابات برلمانية قادمة فى توقع كبير لإدارة هذه العملية الانتخابية بنفس منطق أحمد عز ومنطق الحزب الوطنى البائد، وأغلب الظن أننا سنشهد فى الفترة القادمة إسناد مناصب أخرى للعديد من القيادات الإخوانية ولن تكون مفاجأة أن نجد العريان والبلتاجى وصالح وأبو بركة على رأس أجهزة حساسة فى مصر. إننا نحمل الدكتور مرسى فوق طاقته حين نطالبه بتوضيح موقفه من الجماعة وان يبين حدود التداخل والتقاطع بين مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد.. فالرجل كادر إخوانى تمت تربيته – تنظيمياً – بشكل جيد حيث جبل على الانصياع للأوامر والحرص على تنفيذها بلا تفكير وفقا لمبدأ السمع والطاعة، الذى يقدسه كل إخوانى ، كما حافظ الدكتور مرسى طيلة حياته الإخوانية على صب جل تفكيره فى إطار نهج الجماعة ومواقفها، ومطالبته بعكس ذلك درب من دروب الخيال، وعلى من يمنون أنفسهم بأن صراعاً وشيكاً سوف ينشب بين الرئاسة ومكتب الإرشاد أن يكونوا موضوعيين وألا يراهنوا على ذلك كثيراً، فالدكتور مرسى كادر إخواني يشغل وظيفة رئيس جمهورية مصر، ولن تخرج مواقفه وقراراته عن حدود الإطار الذى ترسمه له جماعته ويحدده له مكتب إرشادها. وعلينا جميعاً ألا نسمح بإعادة إنتاج نموذج الحزب الوطنى من جديد لأن ذلك لو حدث مع الإخوان فستكون كارثة لمصر كلها، لأنهم ساعتها سيستبدون باسم الدين وسوف يسجنون مصر فى متاهات من الرجعية و المصادرة، لقد هبت الجموع لتخلص مصر من كمونها وغيبوبتها الحضارية التى وقعت فيها بفعل نظام مستبد بدأ منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، وليس بمعقول أن نضحى بكل هذه التضحيات من أجل تسليم البلاد لفصيل آخر سيكون أكثر استبداداً ورجعية، مصر المدنية الديمقراطية هى السبيل لغد افصل ومستقبل عادل مشرق.. الكرة الآن فى ملعب الجماهير، وعلى المثقفين والتنويريين الاضطلاع بدورهم الحقيقى والنزول إلى الشارع والسعى لمجابهة هذا الاختطاف الذى تتعرض له مصر. Comment *