مشهدان أراهما أمامي منذ مليونية 12 أكتوبر، ارتبط الأول بأيام الثورة بكل تفاصيل الصمود والنضال المر مع وحشية نظام كان من الصعب أن يسقط خلال 18 يوماً هي كل عمر الثورة. مشهد واحد جمع أجمل وأرق علاقات داخل ميدان التحرير دون تفرقة بين رجل وامرأة أو تيار سياسي وآخر، الكل يعيش تحت مظلة واحدة يُدهس يُجرح ويُستشهد ويستكمل المسيرة آخرون بعزم الصابر المنتصر، مشهد رائع لأيام حفرت أمجادها بدماء الشهداء، لم أتصور أن هذه الخلفية ستلوث بمشهد جمعة الحساب حين ذهبت نفس الجموع لنفس المكان ليعبر كل منهم عن رأيه بالميدان، فتحولت المظاهرات السلمية إلى (خناقة شوارع) بين جماعة الإخوان المسلمين التي أصبحت لسان حال الرئيس مرسي المدافع عن سياساته الداعم لقراراته على طول الخط، والتيار الشعبي الذي مازال يحلم بتحقيق مطالب الثورة، مصراً على محاسبة رئيس الجمهورية ولو كره مكتب الإرشاد. أفزعني مشهد تكسير المنصة على النحو الذي تناقلته وسائل الإعلام من قِبَل بعض شباب وشيوخ الإخوان الذين وقفوا يهللون فرحة بنصرهم على أعدائهم من التيار الشعبي، أخجلني ما رأيته من تمايلهم وقد أطلق البعض منهم لحيته تأسياً بالرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو من أفعالهم براء، وقد احتفلوا بضرب إخوانهم الذين أتوا للتعبير عن رأيهم، الذي هو بالطبع ضد الرئيس مرسي (رئيس جمهورية مصر العربية) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ونسوا قول الله -عز وجل- "وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم"، امتزج المشهدان ولم أصدق أن هؤلاء هم الذين صنعوا الثورة المصرية، والأغرب ما سمعته من د. حسام الميرغني -مسئول المكتب السياسي للجماعة- عن استجلاب بلطجية من قِبَل التيار الشعبي لضرب النساء وسحل شباب الإخوان بعد التفاف طويل على أسئلة الإعلامي محمود سعد وهو يصر على سؤاله: لماذا أتى الإخوان للميدان وهم يعلمون أن التيار الشعبي قادم لتقديم كشف حساب ال 100 يوم؟ ولم يحصل هو أو نحن على إجابة شافية إلى أن فجّر قنبلة بلطجية الثوار!! لم أسمع تصريحاً واحداً من قبل قيادات مكتب الإرشاد يدين فعل الإخوان بأحداث الميدان، أو وعْد بعدم تكرار ما حدث وكأنهم يصرون على إرسال إشارات لسحق كل من تسول له نفسه الخروج للتعبير عن رأيه طالما ضد قناعاتهم الشخصية. وكرد فعل، دنّس بعض شباب المتظاهرين ميدان التحرير وشارع محمد محمود الذي استشهد فيه أعز شباب مصر بفعلتهم الدنيئة حين حرقوا سيارتين أقلتا عدداً من الإخوان المتوافدين على الميدان وتعدّوا عليهم بالضرب لإخلائه بعد أن ردد الإخوان (الميدان بتاع كله) في الوقت الذي صمتت فيه بعض الرموز الوطنية بصورة غير مفهومة عما حدث وكأنهم يقرون ما اقترفه هذا الشباب من أفعال لا ترقى لسلوك الثائر الذي صنع ثورته بدمه، وقد ذكرتني المشهد العام للأحداث بجحافل الحزب الوطني ونظامه الفاسد في محاولة اقتحام الميدان وتصفية الثوار. اليوم وقد خلت الساحة من الوجوه الكريهة، تطل علينا وجوه نتمنى ألا نراها ثانية، كنا بالأمس نتساءل عن الطرف الثالث ونتساءل من الذي قتل الثوار وحرق المنشآت العامة؟ ألا تخجلون من أنفسكم بعد أن رسمتم ابتسامة سخرية عريضة على وجوه بائسة توارت خلف القضبان تنظر إلينا بعيون شامتة وآذان صاغية للقضاء على ما تبقى من ثورتكم العظيمة. أعترف أنني مدينة باعتذار لكل من حاورتهم وجادلتهم للدفاع عن الإخوان، حتى أن البعض كان يناديني ب (الناصرية الإخوانية) لاقتناعي التام بصدق نواياهم وتغليب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية. سيظل اعتذاري معلقا إلى أن يثبت العكس، ويفيق الإخوان من حالة عدم تصديق أنفسهم بعد خروجهم من ظلمات السجون إلى نهار الحرية، ويتصرف الرئيس مرسي الذي انتخبته بمحض إرادتي باعتباره رئيسا لكل المصريين فلا يتندر بفترة الستينات، وما أدراكم أيها المنصفون بفترة الستينات، وما تحقق فيها من عزة وكرامة. Comment *