إلى الذين لا يتوقفون عن أن يكرروا ويلوكوا مقولة خراب وقهر مصر (في الستين سنة الأخيرة).. نسألهم: وهل ما كان قبلها "جنة" أو أرض بلا خراب وقهر؟!.. وهو عصر هيمنة الاحتلال، وفساد السراي، والتلاعب بالدستور والأحزاب، ومجتمع التفاوت الطبقي الصارخ!. ونسألهم: هل يمكن أن نضع في سلة واحدة، القيادة التاريخية لجمال عبد الناصر، الذي قاد ثورة وحركة تحرر وطني، وكل من السادات ومبارك، اللذين مثلا وجسد عهد كل منهما، الثورة المضادة للثورة المصرية العربية العظيمة التي قادها جمال عبد الناصر؟!. إن عبد الناصر بطل من أبطال التاريخ، وشخصية استثنائية عملاقة، مثل: كرومويل، ولنكولن، وصلاح الدين الأيوبي، وغاندي، ونهرو، ولينين، وماو، وديجول، وتيتو، وجيفارا، ومانديلا.. وغيرهم، من هذا الطراز النادر. إن عبد الناصر قائد عملي نضالي لثورة من الثورات الكبرى التي غيرت التاريخ، بقدر ما هو قائد نظري مفكر صاحب مبادئ وأساس فكري ثوري. فهل يمكن أن نساوي بينه وبين الذين باعوا الأوطان بثمن بخس وغدروا بالشعوب وكانوا تابعين أذلاء للمستعمرين والدخلاء.. والذين نعرفهم في تاريخنا الحديث والمعاصر، عباس الأول، إلى الخديوي توفيق.. إلى السادات.. إلى مبارك؟!. يقولون: (هو حكم العسكر).!! * فأولاً: جاء جمال عبد الناصر من قلب الحركة الوطنية المصرية، شارك في مظاهراتها فتى، ولف على أحزابها وقواها السياسية شاباً، بحثاً عن مخرج لمصر من المأزق الشامل (الاحتلال فساد السراي سيطرة رأس المال والإقطاع على الحكم الإفقار والقهر بلا حدود لجماهير الشعب). ولو لم يكن جمال عبد الناصر دخل الكلية الحربية، لكان سياسياً من طراز رفيع (زعيماً بكل معنى الكلمة في كل حال)، بل لفاق غيره من الزعماء المصريين والعرب في عصره على الإطلاق، وهو بالفعل التحق بكلية الحقوق وأمضى بها سنة، حينما تعذر دخوله الكلية الحربية لأول مرة، لأن القاعدة كانت منع أبناء الشعب من ذلك، ثم أتيح له وجيله وطبقته من المصريين الالتحاق بها، في لحظة استثناء على القاعدة معروفة ولم تتكرر!. إذن ماذا؟! * وثانياً: لم يدع جمال عبد الناصر يوماً، أنه ذو توجه ليبرالي، وهو لم ينتم إلى الليبرالية سواء بشقها اليميني الاجتماعي (الحرية الاقتصادية)، أو شقها السياسي (التعددية الحزبية)، وإن قرر بالفعل كما تؤكد أكثر من وثيقة، قبيل رحيله، الاستفادة من الشق السياسي، وبداية حياة حزبية، تكون المعارضة فيها جادة وحقيقية، مع التزامها بالنظام الجمهوري للبلاد. والحق أنه كذلك لم ينتم قط إلى الليبرالية، بمختلف جوانبها، كل قادة حركات التحرر والثورات الكبار في القرن العشرين، من لينين في روسيا، وماو في الصين، وتيتو في يوغوسلافيا، وسوكارنو في أندونسيا، إلى كاسترو وجيفارا في أمريكا اللاتينية، إلى سيكوتوري، ونكروما، ولومبا في أفريقيا، إلى أحمد بن بيلا في الوطن العربي.. وغيرهم، كلهم!. وربما كان الاستثناء الوحيد، الذي يؤكد القاعدة: نهرو في الهند، لظرف خاص يتعلق في هذه البلاد، بأوضاع مركبة إن لم تكن معقدة. ثم سؤال قد تناسب سخريته الموجه إليهم السؤال! : هل يعقل أنه بعد كل ما قدمه جمال عبد الناصر لمصر وأمته، من بذل كل جهد وتضحية وعمل، وأعصاب وعمر، وثورة عملاقة، وكبرياء وعزة للوطن والأمة، يجئ من يقول باستخفاف وضحالة، أو بحمق ورعونة.. "هذا حكم العسكر"!!.. وإنها "الستون سنة الأخيرة"!!.. و"هيا لنقيم الجمهورية الثانية.. بعد الجمهورية الأولى التي هي كل الستين سنة"!!. البديهي لكل ذي عقل: أن الجمهورية الأولى هي فحسب جمهورية الثورة والنهضة، جمهورية جمال عبد الناصر. وأن الجمهورية الثانية هي جمهورية الثورة المضادة والردة، جمهورية السادات ومبارك. وأننا بطبيعة الحال، نقدم على "الجمهورية الثالثة"، جمهورية ثورة 25 يناير، جهوزية استعادة الثورة، ونضال "يناير" مثل "يوليو"، من أجل: الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. Comment *