أراده الأخوان يوماً للسطو الختامي على الثورة، وأبت القوى الثورية إلا أن يكون ميلاداً وبعثاً جديداً لثورتها المغدورة. لم يكن الإخوان ولا توابعهم بأي مرحلة طوال تاريخهم مع فكر ثوري أو عمل ثوري، فهم إصلاحيين بالمنهج، تحكمهم مصلحة الجماعة التي هي فوق مصلحة الدولة. وما قامت به عناصر الإخوان بالأمس من تكسير لمنصة التيار الشعبي المصري والاعتداء على الثوار وإحداث إصابات بالغة في الكثير منهم هو بلطجة فاقت في وضاعتها بلطجة نظام المخلوع مبارك، وهنا تظهر المفارقة: أن الذي يعتدي ويسحل شباب أعزل، يفعل ذلك باسم حماية الدين، وهذا ما يضاعف من حجم الجرم، ببلطجة باسم الدين البرئ من أفعالهم. وما كان ينبغي لشباب جماعة الأخوان أن ينساق وراء قيادات تمارس المراهقة السياسية على كبر، مثل العريان والبلتاجي، بأن ينزلوا الجمعة لميدان التحرير رغم علمهم بأن القوى الثورية حددت منذ ثلاثة أسابيع مضت الجمعة 12 أكتوبر 2012 للتظاهر تحت عنوان "جمعة المحاسبة للرئيس بمناسبة مرور مائة يوم"، والتي مرت دون إنجاز يذكر لمحمد مرسي، وأضيف لها مطلب أهم وهو "رفض التأسيسية للدستور وضرورة كتابة دستور يعبر عن كل المصريين ويحمي أهداف ثورة يناير". ومعنى التحريض على النزول للميدان في نفس يوم تظاهرة القوى الثورية يؤكد أن الإخوان نزلوا لا لأجل محاكمات ولا براءة متهمين، أو لإقالة النائب العام، بل نزلوا لحماية مرسي من خروج مظاهرات ضده، وفرض سياسة قمع المعارضين لمرسي بواسطة مليشيات الإخوان التي جلبوها من محافظات مصر من أجل سحل المعارضين، والقيام بدور الأمن المركزي حتى لا يتأثر المواطن البسيط فيتعاطف مع المعارضة. واللافت أن الاعتداء تم من بعد صلاة الجمعة حتى العصر، وتنوع الاعتداء من ضرب الثوار وسحلهم مع تكسير منصة التيار الشعبي المصري الذي يستخدم حقه الأصيل في هذا الميدان، الذي عرفه قادة وشباب هذا التيار لعشرات السنين، فبعضهم شارك في انتفاضة يناير 1977 وبعضهم قاد الفلاحين في انتفاضتهم عام 1997 وبعضهم قاد وشارك في مظاهرات رفض احتلال العراق في مارس 2003 وأغلبهم كانوا في طليعة ثورة 25 يناير قبل أن يتم السطو عليها. إذن فهم ليسوا مستجدين عليه مثل الإخوان وتوابعهم الذين لم ينزلوه قبل 28 يناير 2011. لم يخلو تواجد أعضاء التيار الشعبي من جيل المناضلين الكبار، كمال ابو عيطة وممدوح حمزة وعزازي وكمال خليل وآخرين من رموزنا الرائعة، وبدأ الشباب في تجميع أنفسهم والاتفاق على استرداد الميدان من مليشيات الإخوان، وبعد المغرب تم دخول الميدان وطرد الإخوان وتوابعهم وفروا في اتجاه ميدان عبد المنعم رياض، وأثناء الفرار كانوا يرمون الثوار بقنابل ملوتوف وقنابل أخرى تستخدم في الاحتفالات بأن يطلقوها عمودية في اتجاه شباب الثورة، وقد حدثت على أثرها بعض الإصابات، وكان هناك تبادل كثيف للحجارة، وعاد الثوار للميدان يحتفلون بفرار من ضربوهم وأخرجوهم عنوة من الميدان بعد تكسير منصتهم. والدرس الذي يجب أن يدركه ويفهمه جماعة الأخوان (المسلمين) هو ضرورة إعادة النظر وتدقيق حساباتهم في استخدام الميليشيات الإخوانية في قمع المعارضين، فالثورة ستكتمل ومحمد مرسي ليس فوق المحاسبة، ومصر بعد 25 يناير لن تحكم بهذه الطريقة. بينما الدرس الذي لابد أن تدركه قوى الثورة، فهو التمسك بالوحدة من أجل اكمال الثورة ومن أجل صياغة دستور يليق بها. فما هو منتظر الفترة القليلة القادمة هو محاولات (تيار الإسلام السياسي) شغل الرأي العام عن قضية الدستور ولجنته التي تعمل في الظلام، بالكلام ليل نهار عن المحاكمات وحق الشهداء وقرار إقالة النائب العام وما يستجد من أفلام.. يجب أن نسخر كل مهامنا من أجل حل التأسيسية ورفض مولودها المشوه والمعيب خلقياً. Comment *