3 وزارات تناقش تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي في مصر    طفرة غير مسبوقة.. فنادق القاهرة «كاملة العدد» قبل افتتاح المتحف المصري الكبير    رئيس هيئة الدواء يبحث مع وفد شركة سينوبرايت الصينية فرص توطين صناعة المواد الخام    المتحف المصري الكبير يبث حفل افتتاحه العالمي مباشرة عبر «تيك توك»    محافظ أسيوط يستقبل الرحلة الجوية المنتظمة بين القاهرة وأسيوط    وزيرة التخطيط تُشارك بالجلسة العامة لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بالسعودية    موعد صرف مرتبات نوفمبر 2025 للموظفين بعد بيان وزارة المالية الأخير (تفاصيل)    وزير الخارجية يبحث مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي تطورات الأوضاع بالسودان وليبيا    كوريا الشمالية تبحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبل تعزيز العلاقات الثنائية    غيابات اتحاد جدة عن موقعة النصر بكأس الملك.. 5 نجوم    موعد مباراة نابولي وليتشي في الدوري الإيطالي    السجن 3 سنوات لعاطل بتهمة سرقة أطفال التسول بالإكراه في قصر النيل    عرض احتفالية المتحف المصرى الكبير على شاشات عملاقة ب14 موقعا فى أسوان    ذكرى رحيل عميد الأدب العربى طه حسين    الشبكة هدية أم مهر؟.. حكم النقض ينهى سنوات من النزاع بين الخطاب    طريقة عمل مخلل اللفت في البيت بخطوات بسيطة    جامعة القناة السويس تنظم قافلة شاملة بقرية أم عزام بمركز القصاصين    دراسة: زيارة المعارض الفنية تُحسن الصحة النفسية    ب«الشيكولاتة والعسل والتوت».. طريقة عمل ال«بان كيك» أمريكي خطوة بخطوة    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    «تعمير» تعلن عن شراكة استراتيجية مع «The GrEEK Campus» بمشروع «URBAN BUSINESS LANE»    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    صحيفة إسبانية: الملك فيليبى يشارك فى افتتاح المتحف المصرى الكبير    جدلية الفرص والطبقات في مدارسنا وجامعاتنا    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    تامر عبدالحميد: "حسين لبيب تقدم باستقالته من رئاسة الزمالك"    المستشارة أمل عمار تشارك في احتفال اليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع رقص ب«ملابس خادشة» في الإسكندرية    قرارات حاسمة من محافظ القاهرة| غلق فوري لمحال بيع الأسكوتر الكهربائي ومنع سير التوكتوك    ب25 مليون جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    ضبط (100) ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في محافظة الأقصر    «بسبب فاترينة سجائر».. «أمن القليوبية» يكشف ملابسات مشاجرة بين طرفين في شبرا الخيمة    إعصار ميليسا يودى بحياة 3 أشخاص فى جامايكا    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان إيطاليا الاعتراف بدولة فلسطين    «بلغهم بالتليفون».. شوبير يكشف تفاصيل صادمة في أزمة إيقاف «دونجا» ودور عامر حسين    وزير الداخلية التركي: لا خسائر بشرية جراء زلزال باليكسير    الصين تحقق مع نائب برلماني تايواني للاشتباه في قيامه بالدعوة للانفصال    تأكد غياب رباعي الأهلي عن السوبر.. وموقف إمام عاشور (تفاصيل)    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    رابط حجز تذاكر دخول المتحف المصري الكبير    ميسي يكشف عن موقفه من المشاركة في كأس العالم 2026    نزلات البرد وأصحاب المناعة الضعيفة.. كيف تتعامل مع الفيروسات الموسمية دون مضاعفات؟    طارق قنديل: ميزانية الأهلي تعبر عن قوة المؤسسة.. وسيتم إنشاء فرعين خارج القاهرة    وزارة الصحة تكشف خطتها للتأمين الطبي لافتتاح المتحف المصري الكبير    "بعد رسول العاصفة".. كيف تمهد روسيا لعصر الصواريخ النووية الفضائية؟    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 بمحافظة السويس    القضاء الإداري: فتح حساب خاص بالدعاية الانتخابية لمرشح النواب شرط جوهري    ترامب: من الآن فصاعدا سنحقق الانتصار في أي حرب نخوضها    استقرار اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 28اكتوبر 2025 فى المنيا    لترسيخ الانتماء الوطني.. انطلاق مبادرة «تاريخ بلادنا في عيون ولادنا» بالأقصر    خالد الجندي: في الطلاق رأيان.. اختر ما يريحك وما ضيّق الله على أحد    بعد حلقة الحاجة نبيلة.. الملحن محمد يحيى لعمرو أديب: هو أنا ضباب! أطالب بحقي الأدبي    جاهزون.. متحدث مجلس الوزراء: أنهينا جميع الاستعدادت لافتتاح المتحف الكبير    تحرك طارئ من وزير الشباب والرياضة بعد تصريحات حلمي طولان (تفاصيل)    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الصبان : بين دولة العقل ودولة النقل
نشر في البديل يوم 11 - 09 - 2012

لماذا لا يقرأ القرد؟.. كان هذا سؤالاً محورياً سأله أحد أصدقائي ونحن جالسون في مقهى، لا أعرف ماذا كان يقصد من سؤاله؟، وما هو الموضوع الذي كان يتحدث فيه الجالسون؟، فقد أصبحت في الآونة الأخيرة دائم الشرود والتفكير حتى أثناء مجالسة أصدقائي، ودائماً ما أجد نفسي فجأة وسط حوار أو حديث لم أتابعه منذ بدايته، على العموم أحاول جاهداً التخلص من هذا السلوك الجديد على شخصيتي وربنا يعينني.
ولكن وسط هذا الحديث الذي كنت شارداً خلاله، رن بأذني هذا التساؤل كأنه أيقظني من سبات!: "لماذا لا يقرأ القرد؟".. أخذت السؤال وعدت لشرودي فوراً دون أن أستمع لباقي الحوار، وبدأت أحدث نفسي في حواري الخاص:
القرد لا يقرأ لأنه ببساطة لا يعقل.. فالقراءة وحدها لا تصنع العقل، وإنما العقل هو الذي يترجم القراءة فوراً إلى استنباطات وأحكام وتدابير وتساؤلات مركبة.
كلام معقد ؟؟ وبتاع اللي بيحبوا يعوجوا لسانهم ويعملوا مثقفين .. صح؟ طيب نتكلم زي الناس.
خلينا نفكر بشكل تاني لو أرادت القردة أن تؤسس دولة وتضع نظاماً للحكم، فبالتأكيد أكثر القردة مهارة سيأتي بكتب الآدميين الذين أسسوا دولاً وحضارات، ثم يقرأها ويبدأ في رسم دولة أحلامه التي تشبه دولة البشر، ولكنه سرعان ما سيرى أنه يبني بنياناً ضخماً من الوهم ينهار بعد لحظات من بنائه ومع أول نسمة ريح أو هزة أرضية.. ذلك ببساطة لأنه لم يعقل وفقط كان ينقل.
حينما تريد أي أمة أو أي مجموعة من البشر النهضة وتأسيس مجتمع صالح ناجح متطور، عليها أن تبدأ في إعمال العقل، لا أن تبدأ فورا في النقل.. فالعقل سيد النقل.
ومأساة مصرنا الحبيبة العظيمة الآن، أننا عشنا فترات تاريخية عصيبة، حركت مشاعر غضبنا، فانهال شبابنا تحطيماً في الفساد والطغيان ثائرا بكل ما تحمله الثورات الباسلة والمثالية من معان.
وبعد هذا التحطيم توقف هذا الشباب.. ناظراً ببريق عينه اللامع لما حوله، مندهشا بما حققه، مرتعشا من شدة النشوة، واقترابه اللصيق من تحقيق حلمه، ولكنه لا يحمل في طيات فكره تصوراً واضحاً لما يريد فانكب ينقل تماماً كمشروع القردة الذي ذكرته بالأعلى.
انطلق الكثيرون في نظرة حالمة لتاريخ.. التاريخ الذي تعلم منذ صغره أنه كان من أعظم التواريخ، فأخذ يجمع الكتب التي كتبها أجداده في هذه الأزمنة منكباً عليها، يرى فيها النجاة ويريد أن يؤسس بها مشروع حلمه.
ولكنه في مأزق فحين أخذ ينقل وجد صفات وأشكالاً لهذا التاريخ مختلفة عن هذه الوجوه التي تعيش حوله!.
فأخذ يطالب بأن تتغير الوجوه والملامح إلى الأشكال التي يراها في هذه الكتب، لأنه ببساطة ما يراه في الواقع ليس موجوداً في هذه الكتب، وبالتالي على من حوله أن يصبحوا ملائمين لهذه الكتب إذا أرادوا النهضة والنجاة.
ثم أخذ يقرأ ثناءاً على أجداده لأنهم حققوا انجازات صناعية وقانونية وثقافية وفنية أذهلت العالم كله آنذاك، فانكب يحيي ما يراه من أفكارهم، فوجد نفسه يريد تشريعاتهم وقوانينهم وثقافاتهم وفنهم.. وفوجئ مذهولا من رقي أخلاقهم فأراد أن يرى كل ما حوله الآن على أخلاقهم، فوجد نفسه يمشي في الشوارع يأمر الناس ويوجههم لكي يكونوا على أخلاق سلفهم.
والأمر ليس كذلك البتة.. فسلفنا أعملوا عقولهم ورتبوا أفكارهم فاجتهدوا وأطاحوا بكل ما هو غير عقلاني حتى وإن كان مقدساً.. فسلفنا كانوا يخرجون عن كل ما هو مألوف، ووقفوا يناطحون أساتذتهم ويكتبون ما هو مخالف لأفكارهم.. سلفنا أحيا العقل وتدبر الأمور فارتقى العقل بكل ما حوله.
العقل فقط هو الذي يحيي الأخلاق في الإنسان دون أن يكون عليه رقيب، لأنه ببساطة ما من عاقل مؤذ لغيره، بل أن عقلانيته تجعله ببساطة شديدة سريع القبول للآخرين واحترامه لهم حتى ولو كان على قناعة مختلفة، تراه يتعامل مع الجميع بعقله متدبراً للأمور مستمعاً هادئاً لا يتحدث كثيراً.
نجد عقلانيته حين أبدعت فناً، وجدناه فناً أبهر أهل زمانه، واخترع من الفنون ما لم يعرفه أسلافه.. هذا الفن تلاءم مع عقلانيته وفهمه وإدراكه لذاته ومجتمعه لأنه عاقل لم ينفصل عن ذاته أو من حوله.
رأيناه يبدع في ملابسه وشكل أزيائه، لأنه بعقلانيته ارتدي ما يشعر بسعادة وهو يرتديه، دون أن يخبره أحد ماذا عليه أن يرتدي؟، لأنه ببساطة يمتلك بعقله وعياً بذاته ومن حوله.
ولهذا ألخص ما أردت الوصول إليه:
العقل أولاً.. العقل والوعي والتعليم هو الذي يؤسس لمجتمع آدمي، فحين أراد سيد الخلق رسول الله تأسيس مجتمعاً، لم نرى في دولته شرطياً، ولا مأموراً لقسم ولا مباحث تحري للآداب العامة! .. لقد علم رسول الله من حوله كيف يعملون عقولهم وكيف يتدبرون ذواتهم ومن حولهم؟، كيف يتقبلون مجتمعاتهم؟، علمهم أن العقل هو معيار الاختيار فقد اختاروه إماماً لهم بعقولهم لا بكتب سلفهم.. فرأيناه حين قرأ عليهم تحريم الخمر لم يوجد آلية لتنفيذ هذا التحريم ، فلم يعقد اجتماعاً لبحث كيفية التحري عمن سيشرب الخمر، والبحث عنه، بل انه حتى لم يصدر تشريعا لإغلاق محال الخمور، لقد قرأ عليهم تحريماً دينياً.. وهم هؤلاء الذين يعملون عقلهم فراحوا ينهالون بشكل فردي محض على خمورهم يلقونها في الطرقات.. وانتهى الأمر .. كان بعضهم يستطيع أن يشرب خمرا ويبيع خمراً، وبالتأكيد هذا حدث في هذه الدولة ولو بشكل نادر .. لكن لم يكن الحل في منعه هو التحري وتطبيق "النقل" بآلية، بل إن وعي المجتمع بذاته ووعي كل فرد بنفسه ومن حوله صنع منه ببساطة "عقلا يمشي على الأرض"
ولأن القرآن هو عين العقل، كان وصفهم دوماً أنهم "قرآناً يمشي على (ألا يعقلون)، فرض عليهم ذلك بقانون بدون شرطة أوهيئات، بل علمهم إمامهم كيف يعقلون؟ .. كيف يتدبرون؟.. كيف يمشون في الأرض فيتعلمون؟.
هذا ما نريده من حكامنا، وهذا ما نريده كمجتمع يريد النهضة، أن نعمل عقولنا ونعي ذواتنا ونفهم أنفسنا ونربي أبنائنا على العقل والوعي والعمل.. هذا الرقي العقلاني هو الذي يرتقي بسلوكيات أبنائنا فيجعلهم "عقلا يمشي على الأرض".
هناك بلاد حولنا أقامت دولة النقل كما تقول الكتب تماماً، لا تزيد حرفا ولا تنقص، فلم تخرج إلا أجيالاً مشوهة منافقة، أخلاقيتها أسوأ من الأنعام بل هم أضل سبيلاً.. لأنهم قالوا لهم لا تشربوا الخمر ولكن أحدهم لا يعلم ما هو الخمر؟، ومن أين يأتي؟، وما هو واقع بلاده وما هي صفات مجتمعه؟، وما هي متعته؟، وما هو المنطق والعقل؟.
وأخيراً:
علم ابنك المنطق يعرف الخالق.. وعلم ابنك كيف يعمل عقله ترتقي أخلاقه.
علم ابنك كتب السلف فسيعبدها دون أن يعرف من هو الخالق، فهو يعبد ورقا وأحباراً.. وعلم ابنك النقل والحفظ تنحط أخلاقه لأنه ببساطة يحفظ شيئا كتبه غيره.
لنبدأ في إعمال عقولنا، ومشروع نهضتنا يبدأ بوضع مشروع تعليمي حقيقي يربي أبنائنا في المدارس تربية عقلانية واعية، تجعلهم أوفر حظاً منا نحن الذين لم نتعلم سوى النقل.
العقل أولا ثم النقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.