هل نحن الآن في لحظة تشبه ما عرف ب (أزمة مارس 1954)؟!. على نحو ما: نعم. ففي تلك اللحظة، طمع "الإخوان المسلمون" في الانقضاض على الدولة وخطف السلطة، والتخلص من ثورة 23 يوليو وقائدها، تحت شعار متكرر أناء الليل وأطراف النهار: (على الجيش وقادة الانقلاب العودة إلى ثكناتهم!). وفي اللحظة الحالية يطمع "الإخوان المسلمون" في الانقضاض على الدولة وخطف السلطة، والتخلص من حالة ثورة 25 يناير 2011، كثورة متعددة القوى، بادر إليها شباب وطني نبيل مقدام، ولبى نداءه ملايين الجماهير الشعبية في كل مصر، وشاركت مختلف الاتجاهات والتيارات. يريد "الإخوان" أن يخطفوا ثمار الثورة اليوم.. تحت شعار: (أولستم ديمقراطيين؟!.. هناك استفتاء شعبي جاءت نتيجته ب "نعم" لانتخابات البرلمان أولاً.. والذي له وفق لجنة البشري وصبحي صالح أن يشكل اللجنة التي تضع الدستور.. وهناك رئيس من الإخوان تم انتخابه (بصرف النظر عما يحيط الانتخابات من شكوك، وعن عوامل وملابسات!) لمن الحكم اليوم؟!.. إنه لنا.. أما الجيش فليعد إلى ثكناته، وأما كل القوى السياسية في الأحزاب فعليها أن تعرف حجمها، وتسلم بالأمر الواقع!!). راهنوا بحكم أنهم في هذه اللحظة، الأقدر تنظيماً على أنهم الأغلبية القادمة في البرلمان (الذي بدأت انتخاباته في سبتمبر 2011).. وسوف يصيغون هم من خلال اللجنة التي اختاروها الدستور الذي على هواهم!. الفرق بين (أزمة مارس او ربيع 1954).. و(أزمة صيف 2011)، الممتدة حتى الآن: خريف 2012، أنهم في أزمة 54 استطاعوا أن يدخلوا في تحالف يتسع لفريق من الشيوعيين، مع واجهة الثورة محمد نجيب، ولم يكن يضمر أي من هذه الأطراف للآخر خيراً!.. هم فقط اتفقوا مرحلياً على القضاء على ثورة يوليو وقيادتها الحقيقية لجمال عبد الناصر، وعلى الوثوب إلى سلطة الدولة.. وبعدها سوف يذبح منهم من يستطيع الاخر!. لكن إرادة الله ووعي الشعب في عام 1954، وعبقرية القائد الشاب جمال عبد الناصر، أنقذت البلاد والثورة من المؤامرة الكبرى، وبدأت الثورة رحلتها العظمى، الفريدة في تاريخ العالم حتى الآن، ابتداء من العام المميز 1955، وستظل (يوليو 1952) منذ ذلك التاريخ وحتى مشهد الوداع الأسطوري لقائد الثورة البطل في 28 سبتمبر 1970، ملحمة نضال رائعة لشعب وأمة وقائد، بكل ما فيها من إنجازات وحتى تجاوزات، ومن انتصارات وحتى انكسارات، بكل ما لها وحتى ما عليها!.. ستظل ابداً نموذجاً وإلهاماً: عبر دروس ثورة، وقيمة وقدوة قائد. أما اليوم، فإن جماعة الإخوان المسلمين، وحدهم، بلغ بهم الغرور مبلغه، لا يضعون يدهم في يد أحد، الآخرون جميعاً لديهم سواء.. كل القوى الأخرى في خطابهم الفضفاض: مجرد "تيار علماني"!.. لا شئ آخر، ويتعاملون مع الجميع كتيار واحد!. فهم أنفسهم في نظر انفسهم فسطاط الحق، و"تيار الآخرين" كافة فسطاط الباطل!. ليس مع الإخوان اليوم، إلا جماعات ما أنزل الله بها من سلطان، يدعون (السلفيون).. هناك من يسميهم (طالبان مصر)، والأجدر في نظري أن نطلق عليهم (الوهابيون المتخلفون في مصر)، نسبة لما يعرف بالمذهب الوهابي، وهو ما نشر ولا يزال في كل يوم، مغالاة ومغالطات، في أرض الحجاز العربية المباركة، التي تختطفها أسرة مالكة واحدة مستبدة، وهو الاختطاف للثروة والسلطة، للمقدرات والقرار، وحتى للاسم، فتطلق اسم الأسرة (السعودية) على البلاد بأكملها!.. فأي استغلال وأي ابتذال. هؤلاء (الوهابيون المتخلفون في مصر)، الذين كانوا حتى الأمس القريب (عند فجر ثورة 25 يناير) يعلنون باستمرار، ويلعنون: (لا يجوز الخروج على الحاكم!.. بلى لا يجوز إنه حرام!).. ولا يتحدثون في السياسة ولا يعرفون فيها ما يقولون، ها هم تنفتح شهيتهم ولنقل مطامعهم وشهوتهم للخوض في السياسة.. لكنهم يظلون لا يفقهون، ولا يفيقون!. إلا أنهم، هم والإخوان (يد واحدة)!.. من أجل خطف البلاد، وثورة يناير، هذا الحدث الأجل والأعظم في حياتنا منذ حدث ثورة يوليو، الذي بدأ مع بداية الخمسينيات وانتهى مع بداية السبعينيات من القرن العشرين!. إن قوى الثورة اليوم، عليها أن تنتبه، وتتصرف بحصافة وحنكة (مثلما تصرف عبد الناصر في مارس 1954)، من اجل إنقاذ ثورة 25 يناير 2011، من أطماع هؤلاء. وقد زادهم طمعاً، بل وشراسة، تعامل مجمل قوى الثورة معهم على أنهم شركاء.. لكن تصور ذلك كان دائماً في إطار بنية دولة، تعددية ديمقراطية مدنية، وقواعد ديمقراطية يلتزم بها الكافة. وإذا كان مجمل هؤلاء أو الكثير منهم قد تسامحوا في جريمة محاولة الإخوان المسلمين لاغتيال قائد ثورة يوليو جمال عبد الناصر، فنحن من منطلق الانتماء إلى الوطن والأمة وليس فحسب الانتماء إلى طريق ومشروع يوليو، لا نسامح للحظة واحدة: في أنهم حاولوا ذلك الاغتيال، وأنهم أجرموا، وأن عليهم اليوم أن يعترفوا بفعلتهم.. وأن يعتذروا عن جرمهم الكبير. لكنهم (وهذا يكشف طبيعتهم) يرفضون حتى الآن في عناد وصلف وكبر، أن يعتذروا.. أو حتى أن يعترفوا!. إننا اليوم على مفترق طرق، بعد حدث ثورة يناير العظيم .. والثورة في مهب الرياح. يتخاطفها "الإخوان" و"السلفيون من جانب. كما تربكها أخطاء كثيرة وتشويش جم وأفعال مشينة على جانب كل الذين تولوا أمر البلاد، منذ قيام ثورة 25 يناير وخلع الطاغية بهذه الثورة الشعبية الفذة إلى اليوم. إن كل الذين قلوبهم، على هذه الثورة، وعلى هذه البلاد، عليهم أن ينتبهوا، وأن ينقذوا الثورة. علينا ان نصحح المسار. لابد من تصحيح مسار ثورة يناير، مهما يكن. وألا نخشى في الحق لومة لائم. لو أن جمال عبد الناصر كان قد تردد أو خشى أو غفل للحظة واحدة في أزمة مارس.. لما كان قد انقذ الثورة، ولكانت قد سرقت، ولنجحت مؤامرة مارس 1954. علينا أن ننقذ ثورة 25 يناير، بنفس مقدرة وحصافة وحنكة جمال عبد الناصر!. Comment *